«لبنان الأخضر» يحتضر طبيعياً… فهلا أسرعنا أفراداً ومؤسّسات لإنقاذه؟

تحقيق: إيمان سلامة

«لبنان الأخضر»، كلمات ردّدتها السيدة فيروز على مسامعنا منذ الصغر وكبرت معنا، متغنّين بمعانيها مؤمنين بما تحمله هذه الأرض من كنوز طبيعية تجعلنا جنوداً لحمايتها والدفاع عنها أينما اقتضت الحاجة. لكن صراعات البشر وحروبهم فوق تراب الوطن لم تبق للخضار متنفساً ولم يترك زحف العمارة بكافة أشكال تركيباته الإسمنتية زاوية إلا واستنفذها بطريقة أو بأخرى.

أين أصبحت ثروة لبنان الطبيعية؟ ونحن كمواطنين لبنانيين، ماذا فعلنا لهذا الكنز الثمين؟ هل استطاعت المؤسسات الرسمية وهيئات المجتمع المدني وحدها العمل للحدّ من إمكانية تصحّر بلدنا؟ فكيف كانت مساحة الثورة الطبيعية التي يمتلكها لبنان وأين أصبحت؟ أسئلة تحاول «الوكالة الوطنية للإعلام» إيجاد أجوبة لها في هذا التحقيق.

لبنان يتميز في المنطقة العربية بثروة طبيعية من غابات وأحراج ومياه قدرت بـ35 في المئة من إجمالي مساحته عام 1965، تراجعت في السنوات الأخيرة لتصل إلى 13 في المئة عام 2009 بحسب بيانات وزارة البيئة، ما دعا حينذاك جميع المسؤولين للاستنفار وإطلاق صفارات الخطر، للتكاتف وحدة متوحدة وحماية الغطاء الأخضر، الذي وصف بأنه مورد اقتصادي يستأهل من الحكومات المتعاقبة وضع سياسة واضحة وقانونية تنفذ وتطبق أينما تدعو الحاجة.

وقد نجح البيئيون والمتخصّصون في هذا المجال عام 2009 بحمل السلطات على وضع «الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات»، حيّز العمل التنفيذي عبر تعهد الحكومة الحالية ببيانها الوزاري «توسيع رقعة لبنان الخضراء» من خلال تفعيل الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات، ومتابعة أعمال التحريج وتنشيط «الإدارة البيئية للأحواض والاهتمام بالمحميات الطبيعية».

وأهم ما توفره هذه الاستراتيجية الممولة من الاتحاد الأوروبي، والمنفّذة بالشراكة بين وزارة البيئة و«جمعية الثروة الحرجية والتنمية»، رؤية شاملة وواضحة للحاجات على صعيد المؤسسات والإدارات وعلى الصعيد المحلي لإدارة حرائق الغابات. وتتضمّن هذه الاستراتيجية خمسة محاور أساسية هي: الأبحاث والمعلومات، تقليص الخطر، الجهوزية، الاستجابة وإعادة التأهيل. والهدف منها الدعم المبكر وإدارة أفضل لحرائق الغابات وفوائدها المرتبطة بالبيئة خصوصاً المناطق الريفية، إضافة إلى إنشاء فرق تطوعية في المجتمعات السكانية المحيطة بالغابات وتزويدها بالتجهيزات اللازمة لمكافحة الحرائق.

الحدّ من الاخطار

في المقابل، ما هي التهديدات التي يجب الحدّ منها للوصول إلى تطبيق هذه الاستراتيجية؟ غابات لبنان كانت تغطي ما يقارب 13.2 في المئة من مساحته حتى عام 2006، إلا أنّ معظم المعطيات المتوافرة اليوم تجمع على تراجعها إلى حدّ كبير، لذلك يجب العمل على مكافحة الحرائق والوقاية منها، تنظيم التوسع العمراني بحيث يضمن وجود مساحات خضراء وتغيير نمط استخدام الأراضي بالوجهة التي لا تضر بالأشجار المتواجدة فيها أو حولها، والحدّ من وجود المقالع والكسّارات، إضافة إلى الظروف الطبيعية والبيئية التي تساهم بشكل كبير في ازدياد مخاطر احتراق الغابات الذي يقضي سنوياً على مساحات تتراوح بين 1500 و2000 هكتار فيما قضى على أكثر من 3700 هكتار خلال موسمي 2006 و2007.

الجمعيات الأهلية

عندما أخذت الوزارات المعنية زمام مسؤولية إدارة تنمية الغابات في لبنان بالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني، سعت كل واحدة في إطار مهمتها، إلى بذل الجهود لتنفيذ مشاريع تحريجية على مستوى البلاد.

جمعية الثروة الحرجية والتنمية، ووفق ما جاء على لسان مديرها العام سوسن أبو فخر، لديها مشتل ينتج سنوياً حوالى مليون ونصف مليون شجرة من الصنوبر، ويُزرع كل سنة مئة ألف شجرة في لبنان، وتنظم الجمعية هذه السنة حملة تشجير كبيرة على مختلف الأراضي اللبنانية لزرع 450 ألف شجرة، بالتعاون مع بلديات المناطق. ويجري هذا العمل ضمن خطة وضعتها الجمعية عام 2009 وتبنّتها وزارة الزراعة لرفع رقعة الغطاء الأخضر من 13 في المئة إلى 20 في المئة وتطلق بالتعاون مع وزارة البيئة، خصوصاً أن عمليات التحريج بلغت نسبتها بين 70 و80 في المئة، إلا أن معلومات دقيقة حول هذا النجاح في التحريج لم تتوفر على مستوى البلاد ككل.

وأوضحت أن وزارة الزراعة تقوم بدورها عبر منع قطع الأشجار تحت طائلة الملاحقة والمحاسبة القانونية لحماية الثروة الحرجية، ولكن تلازم مكافحة الحرائق في الغابات والتشجير لم يكن على قدم المساواة، فضعف التنسيق بين الإدارات والنقص في المعدّات، وعدم توفّر عناصر الفرق المدربة لتطويق الحرائق وغياب شبكات الطرق الملائمة، حال في كثير من الأحيان من دون أداء الدور المطلوب وتجنب وقوع الخسائر.

الفوائد الاقتصادية

حماية الممتلكات الحرجية الخاصة والعامة، وتفعيل الاهتمام بالإدارة البيئية للموارد الطبيعية في الأملاك الدينية ضرورية، وبحاجة إلى خطة متكاملة، خصوصاً أنّ المعلومات تشير إلى أنّ نحو 40 في المئة من المناطق الحرجية تملكها الأوقاف الدينية المحلية، وقد استفاد اللبنانيون عموماً والمجتمعات الريفية خصوصاً من الموارد الحرجية بوسائل عدّة: رعاية النحل، إنتاج الصنوبر، المنتجات الحطبية، النباتات الطبية والعطرية وإنتاج الفحم. وتعتبر هذه الوسائل مصادر دخل مهمة يمكن التعويل عليها.

وبالنسبة إلى قطاع الغابات، فلا يزال الأقل مساهمة في مجمل الدخل المحلي، لأن الإنتاج الخشبي لم يأخذ الحيّز الأساسي في هذه العملية الاقتصادية لكثرة القيود المحيطة به. أما الصنوبر فهو المنتج الحرجي غير الحطبي، يخضع لسياسات ضريبية تشجيعية تميّزه عن الواردات.

تنمية وحماية

أشجار كثيرة نستطيع زرعها والاستفادة منها، ولا تقل أهميتها عن شجرة الأرز. على سبيل المثال شجرة اللزاب، التي يضعها الباحث كريستيان أخرس، بالمتفوقة أهمية على شجرة الأرز، كما تتمتع به من التفرد بالعيش على ارتفاعات عالية تصل إلى 2700 متر، بينما أقصى وجود لها يقع على ارتفاع 1700 متر، وقوى صمودها في وجه الحرائق، وهي لا تغطي سوى عشرة هكتارات من أراضي لبنان متفرقة الوجود في جبل لبنان وسفوحه الشرقية والغربية، تقتات الطيور من ثمارها وتعيد رمي بذورها، الأمر الذي يساهم في إنبات الشجر من جديد على إثر تفاعلها مع عوامل الطبيعة المناخية وفقاً لما ذكره الباحث البيئي أخرس، فلماذا لا تكون شجرة اللزاب مزروعة بكثافة في البقع اللبنانية بكاملها، لما لها من قدرات تحمل العوامل الطبيعية وعيشها في مناطق ذات ارتفاع عال.

تطبيق القانون

في كلّ مجتمع، هناك حقوق للمواطنين كأفراد وواجبات إزاء دولتهم، ترعى تطبيقها قوانين خاصة لكلا الطرفين، ضمن هذا الإطار وجب على كل مواطن التزام الواجب من خلال رؤية ومقترحات أجمع عليها كل من يحب «لبنان الأخضر» أفراداً وهيئات ومؤسسات لتكون مخرجاً لبدء تطبيق قانون الغابات وتنفيذه وفق الروحية الأساسية وتصحيح الخلل القائم منذ زمن للحفاظ على المساحة الخضراء وزيادتها وهي كالتالي:

ـ إلغاء النصوص القانونية اللاحقة والمعطّلة بعض أحكامه.

ـ العمل على تشكيل لجنة فنية لمسح مواقع الغابات وتصنيفها وتحديد هوية مالكيها.

ـ إعادة العمل بنص المادة 93 من قانون الغابات لناحية وجوب الاستحصال على شهادة تحريج مقابل عدد الأشجار التي يسمح بقطعها.

ـ وضع خطة من قبل وزارة الزراعة والوزارات الأخرى للتحريج على أن تطبق النصوص القانونية الواردة في قانون الغابات والتي تعطى لوزير الزراعة هامشاً كبيراً في التحرك ومنها تكليف الأفراد والبلديات بالتحريج الإجباري.

ـ التشدّد في تطبيق العقوبات، خصوصاً لناحية القطع وافتعال الحرائق والرعي والاستثمار غير القانوني للغابات.

ـ زيادة موازنة وزارة الزراعة.

ـ زيادة عدد مأموري الأحراج وتدريبهم بشكل جيد للقيام بمهامهم كما وزيادة نقاط المراقبة.

ـ وضع مخطّط عام لكيفية وصول فرق الإطفاء إلى كل بقعة جغرافية من غابات لبنان وينفذ مناورات نظرية وعملية لذلك.

ـ تعزيز فرق الإطفاء بالمعدّات اللازمة وزيادة عديدها.

ـ تطبيق قانون حماية الغابات رقم 558 الصادر في 24/7/1996 والمتعلق بالغابات المحمية بحكم القانون كغابات الأرز والشوح واللزاب والشربين وغيرها، والتي لم تتخذ بعد الإجراءات التنفيذية لحمايتها.

«لبنان الأخضر» يحتضر طبيعياً، فهلا أسرعنا أفراداً ومؤسّسات وأسعفناه بقليل من المحبة، وعالجناه بعدم قطع أشجاره، وضمدناه بزرع الكثير منها على كامل مساحته؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى