هل حسمت حماس تأرجحها؟

راسم عبيدات

يبدو أنّ التفاعلات وصراع الأجنحة الداخلي في حركة حماس بين محوري طهران- سورية حزب الله، ومحور قطر تركيا، قد حُسم لصالح التيار الأول بقيادة القائد العام لكتائب القسّام محمد ضيف والقيادي محمود الزهار. إنّ استئناف الدفعات المالية من طهران لحماس، يدلّ على هذا التحول والحسم، حيث أنّ زيارة وفد حماس القيادي برئاسة عضو المكتب السياسي في الحركة موسى أبو مرزوق الشهر الماضي لطهران، قد مهدت الطريق لتحقيق هذه المصالحة، ويبدو أنّ حزب الله اللبناني، وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية – القيادة العامة، لعبوا دوراً مهماً في تحقيق تلك المصالحة.

عادت حماس إلى محور طهران- حزب الله، وهذه الاستدارة المتدرجة منها نحو هذا المحور، سببها ترتيب أوراقها من جديد وحفظ وحدتها الداخلية، وما يحصل من تطورات داخل الحركة، أو في القطاع والعلاقة مع السلطة الفلسطينية والتطورات الحاصلة عربياً، كلها عوامل لعبت دوراً مركزياً في حسم خيار حماس وتأرجحها، وكانت تصريحات ضيف في ذكرى انطلاقة حماس، والتي أشاد فيها علناً ومباشرة بدعم إيران للحركة، تطوراً هاماً جداً، وقد تجاهل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ذلك في خطابه بعد توقف العدوان الأخير على غزة، ووجه شكره إلى قطر وتركيا.

إنّ الأوضاع المالية الصعبة التي تعيشها حركة حماس، من العوامل الهامة في هذا الحسم، فالحركة كانت تراهن على أن تقوم حكومة الوفاق الوطني بدفع رواتب موظفيها الذين يبلغ عددهم أربعين ألفاً، لكنّ حكومة الوفاق كانت تربط ذلك بأن تُمكن حركة حماس حكومة الوفاق من ممارسة دورها ومهمّاتها ومسؤولياتها في القطاع، وأن تتولى الإشراف على عمليات الإعمار وعلى المعابر، والسيطرة على الأجهزة الأمنية، لكنّ حماس كانت تريد دوراً تشاركياً في هذا المسائل، وهذا ما أدى إلى عودة الفوضى والفلتان إلى القطاع مجدّداً.

ليس هذا فحسب، فعمليات الإعمار سارت ببطء شديد، وأصبحت «إسرائيل» هي المتحكم الأول والأخير فيها، من حيث دخول مواد الإعمار وكمياتها ونوعياتها ومراقبتها والإشراف عليها، وكذلك أموال الإعمار التي وُعد بها الفلسطينيون في مؤتمر القاهرة، والتي لم يصل منها سوى النزر اليسير.

الشيء الأهم والأخطر من ذلك كله، هو قيام النظام المصري بتشديد الحصار على قطاع غزة وتدمير عدد كبير من الأنفاق وتطور حدة الخلاف والصراع مع مصر، على خلفية ما يجري من أعمال إرهابية في سيناء ضدّ الجيش المصري، واتهامات مصر لحماس بالمشاركة فيها ودعمها المجموعات الإرهابية. وبعد الهجمات الأخيرة التي شنتها تلك الجماعات على ثكنات ومقرات الجيش المصري، اتخذت إحدى المحاكم المصرية قراراً باعتبار كتائب القسّام حركة إرهابية، قرار لا يخدم الشعبين المصري والفلسطيني، بل يشكل ربحاً صافياً لحكومة الاحتلال وقوى الاستكبار والظلم العالمي التي ستستخدم ذلك ذريعة لوسم نضالات شعبنا بالإرهاب، ويكون ذلك ذريعة وحجة لها لمواصلة ذبح شعبنا واحتلال أرضنا والتنكر لحقوقنا في الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال.

هناك تطور هام آخر سرّع في اتخاذ مثل هذا الحسم والخيار، ألا وهو المصالحة المصرية- القطرية برعاية سعودية، فحماس تدرك أنّ السعودية ودول الخليج سيضغطون على قطر للالتزام بهذه المصالحة، وإن لم تترجم حقيقة على الأرض، ما يؤثر على حماس ويطالها عاجلاً أم آجلاً. صحيح أنّ حماس ليست حركة الإخوان المسلمين، لكنها ترتبط بها بعلاقات فكرية وأيديولوجية وتنظيمية وسياسية، وما سيطال الإخوان المسلمين من عقوبات قد يصلها، والقرار المصري في حقّ كتائب القسام مؤشر خطر، وهو يستوجب منها أن تراجع علاقاتها مع «الإخوان»، من حيث تعريفها لنفسها كحركة وطنية فلسطينية تقدم الوطني على الأيديولوجي.

يضاف إلى كلّ هذه العوامل، عدم تحقيق المصالحة الفلسطينية ومراوحة حكومة الوفاق مكانها، بل وارتدادها خطوة إلى الوراء، وتهديد حماس بتشكيل حكومة بديلة عنها، متهمة إياها بالتقصير وعدم قيامها بواجبها ومهمّاتها تجاه قطاع غزة.

إنّ حماس تعود، وإن تدريجياً، إلى المحور الذي خرجت منه، مضللة ومخدوعة من قبل المحور الذي احتضنها، بأنّ أيام الرئيس السوري بشار الأسد باتت معدودة وبأنّ عليها أن تنجو بنفسها وأن تحافظ على مصالحها، هذه الأضاليل قادتها إلى التيه والتخبط، ولعلّ حماس عادت إلى رشدها وأدركت حجم الأخطار والمؤامرات التي يواجهها المحور الذي عادت إليه.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى