بلطجة أميركية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى: أوباما «خليفة المسلمين»

د. وفيق ابراهيم

البلطجة هي «الفتوة» المجردة من مكارم الأخلاق، وهذا ما ينطبق على التفويض الذي طلبه الرئيس الأميركي باراك أوباما من الكونغرس لمحاربة «داعش». يتضمن التفويض ما يشبه الأحجية، فقد طلب أوباما السماح بتحريك القوات الأميركية لثلاث سنوات متصلة واستخدامها في عمليات لا تتطلب المرابطة الدائمة، على أن تكون جغرافية تحركها مفتوحة في أرض الله الواسعة.

وللتفسير، فإنّ للقوات الأميركية الحقّ في ضرب أي أهداف تراها إرهابية في كلّ مكان، والمحظور الوحيد هو منع الاحتلال الدائم للقوات الأميركية لأي مكان في العالم مع السماح لها بعمليات برية محدودة في الزمن.

فلنتصور وجود قوات أميركية مرابطة في الأردن والعراق وقطر بأعداد وفيرة مرتبطة، بدورها، بمركز أركان متطور يوازن بين الغارات الجوية والعمليات البرية التالية عليها، وهؤلاء مرتبطون أيضاً بأقمار اصطناعية ترصد دبيب النمل مع أجهزة استخبارات لا يخفى عليها المخفي. فالمطلوب بعد تدمير المراكز تأمينها، وهنا يأتي دور العشائر والقبائل والجيش الأردني وربما تهبّ جيوش عربية وإقليمية أخرى لعرض عضلاتها.

أما جغرافياً، فيضع البنتاغون خريطة الانتشار أمام ناظريه: المشرق العربي والمغرب، جغرافية «بوكو حرام» في أفريقيا وصولاً إلى منظمات مالي وجنوب أفريقيا، من دون استثناء باكستان وأفغانستان، فيحرك غزواته تبعاً لقراءاته «الإسلاموية»، بالتعاون مع الجيوش الحليفة، يقصف جواً مع إنزالات برية لكوموندوس تغتال وتقتل وتدمّر باسم محاربة الإرهاب.

إنّ مناقشة الموضوع بمنهجية، تتطلب وضع أهدافه قيد النقاش الموضوعي: بداية، هل هدف هذه الحملة طبيعي، أي مكافحة الإرهاب وضرب «داعش»؟ المعروف أميركياً أنّ بلدين صديقين لواشنطن هما اللذان موّلا الإرهاب الإسلامي ودعماه ودرّباه ووضعا في تصرفه إعلاماً وأسلحة ووفرا له التدريب، هما تركيا والسعودية.

فكيف يستقيم أن تحارب أميركا منتجاً ظلت راضية عنه طيلة السنين الأربعة الفائتة، وتركته يعبث بالمجتمعات والقيم منتهكاً ومدمراً ومخرباً كلّ ما هو إنساني؟ هذا يدفع إلى اسنتاج أنّ هذا الإرهاب مفبرك على مستوى بنائه وتأسيسه، لكي يلبي حاجات القوى العظمى لتجديد إمكاناتها في الأقاليم الفنية.

أما لجهة مدى تحرك القوات الأميركية، فهو مريب ويدعو إلى القلق الفعلي، كما يكشف إصرار أميركا على استمرار انتدابها للعالم الإسلامي من آسيا الوسطى حتى أعالي اليمن في الشرق الأوسط. الكلّ مشمول برعاية سلاحها الجوي وخبراء مخابراتها، فهل تستطيع عمليات جوية وإنزالات محدودة ضبط هذا العالم؟

يتكشف أولاً أنّ البنتاغون لا يريد ضحايا من الجيش الأميركي فيمنع في تفويضه المرابطة الدائمة في البلدان المستهدفة، وهنا توجد الحبكة، الاستعانة بصديق وهذا الصديق هو جيوش الأنظمة الموالية لواشنطن التي لا تتحرك عادة إلا ضدّ المعادين للسلطات السياسية المحلية التي تواليها. لذلك فإنّ من بين أهداف البلطجة الأميركية ضرب القوى غير المرضي عنها، وهي ليست بالضرورة «إسلاماوية»، وإعادة المجتمعات المحلية إلى ما قبل القرون الوسطى، بتنشيط القبائل والعشائر والمذاهب، وذلك لتبرير تخلف الأنظمة الموالية لأميركا في العالم الإسلامي.

وإذا كان الأميركيون حريصين على أرواح جنودهم، فإنّ السلطات الإسلامية والعربية تشجع جنودها على ما تسميه استشهاداً، فيشكلون بديلاً ممكناً للأصلي الأميركي، إنما على مستوى الموت فقط، لأنّ الاستثمار هو لصاحبه «يانكي» وهو استثمار سياسي ـ اقتصادي ـ استراتيجي مفتوح ومرتبط بالاقتصاد الإسلامي والعربي وبالصراع مع القوى الدولية الواعدة.

يتبين إذاً، أنّ الولايات المتحدة تبني مركزاً عالمياً لتحديد مدى تطور المجتمعات، وفقاً لمصالحها، فتضرب تلك المجتمعات أو تكافئها، وفقاً لمدى علاقتها بالقوى الاقتصادية الأميركية وواجهاتها السياسية الأميركية.

وبالتفصيل، هناك إعادة اهتمام أميركية بالعراق سببها تحسن الدور الإيراني فيه، لذلك تسعى واشنطن إلى أحد خيارين: فرم الدور الإيراني بشعارات المذهبية، أو التحاصص معه. أما سورية فيحاول التفويض الأميركي إيجاد موطئ قدم فيها بالتعاون مع روسيا وإيران. وكذلك حال اليمن الذي يعتقد الأميركيون أنّ طهران أصبحت قوة أساسية فيه، فيحاولون تحريض الخليج عليه لحماية قوافلهم في باب المندب وأصدقائهم في شبه جزيرة العرب، لذلك فإنّ التفويض الأميركي ليس إلا بلطجة أميركية لإعادة تعزيز الدور المهيمن، أو اقتسامه على الأقل، وفقاً لتوازنات القوى في العالم الإسلامي والشرق الأوسط.

أما أفغانستان فلا تزال ضمن الاهتمام الأميركي الذي يزعم أنه سيرحل عنها نهائياً هذا العام، لكنه يعاود مفاوضتها للبقاء حتى القضاء على طالبان، وهذه حجة غير متماسكة لأنّ الأميركيين موجودون منذ أكثر من عقد ولم يتمكنوا من لجم تطور القاعدة وطالبان في باكستان أيضاً ومجمل بلاد آسيا الوسطى.

هذا هو التخطيط الأميركي: إنتاج خليفة جديد للمسلمين يدعى باراك حسين أوباما، له الحقّ في القتل حرقاً والتدمير والانتهاك لمجرد الارتياب. فهل نهنئ المسلمين أم أوباما؟

إنّ الأنظمة السياسية في العالمين العربي والإسلامي هي غير شرعية وتستمد قوتها من الخليفة أوباما، باستثناء بضعة أنظمة في طليعتها سورية التي تقاتل عن كلّ العالم العربي وترفض تعيين خليفة على شاكلة البغدادي أو أوباما. الخليفة هو الشعب، وسورية تثبت هذا الأمر بصلابة جيشها وشعبها وقيادتها، والأيام ماضية بسرعة نحو استعادة القرار العربي والإسلامي رغم أنف الخليفتين أوباما والبغدادي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى