حبيب الحركة… حين تتكامل المقاومة بالعروبة

معن بشور

حين يصدمك خبر رحيل صديق عزيز أو رفيق درب طويل، تقفز إلى رأسك فوراً صور مضيئة من رحلتك مع الراحل العزيز، بل هي صور تبقى محفورة في الذاكرة لا تمحوها السنوات.

وحين وصلني من المحامي المناضل واصف الحركة أنّ والده المناضل «العتيق» حبيب الحركة قد انتقل إلى جوار ربه تذكرت على الفور ذلك اليوم الصعب من أيام الغزو الصهيوني للبنان عام 1982، حين نجحت قوات الغزو في السيطرة على مثلث خلدة بعد معارك أسطورية شارك فيها أبطال من المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية والشعبية اللبنانية ورجال الجيش العربي السوري واستشهد فيها قائد الموقع آنذاك العقيد الفلسطيني عبدالله صيام.

يومها استكمل العدو حصاره على عاصمتنا وضاحيتها الجنوبية، وهو الحصار الذي استمرّ أكثر من ثمانين يوماً، وجاءنا إلى مقرّنا في المصيطبة المناضل حبيب الحركة ومعه ثلاثة من رموز الصمود في الشياح الضاحية الجنوبية وهم الراحل حسن زغيب نجل فضيلة الشيخ محمد زغيب، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، والمناضلان عبد الوهاب شريف ابن اليمونة البقاعية الذي استبسل دفاعاً عن بيروت في محور المتحف وسعيد همدر أبو علي رئيس الرابطة الشعبية في الشياح.

نقل لنا «الفرسان الأربعة» كما نسمّيهم إنّ معنويات الناس منهارة بسبب وصول الصهاينة إلى خلدة، وان البعض بدأ يبيع سلاحه أو حتى يرميه خوفاً من دخول جيش العدو أحياء الضاحية آنذاك ودار نقاش في ما يجب فعله إزاء هذا الأمر…

هنا خرج علينا حبيب الحركة باقتراح وجدناه غريباً آنذاك، قال: لنذهب إلى الشياح… ولنتجول في شوارعها… ولنعلن استعدادنا لشراء أي قطعة سلاح يريد صاحبها التخلص منها… فيشعر الناس أن هناك قراراً بالصمود والمقاومة… فترتفع المعنويات…

بالفعل نفذنا اقتراح «الحبيب» حبيب كما كنا نسميّه – وذهبنا، «الفرسان» الأربعة وأنا، وثلة من شباب الشياح الأصغر سناً وبعضهم اليوم بات محامياً أو طبيباً أو مهندساً أو إعلامياً أو قيادياً في المقاومة – وبدأ حبيب على طريقته يتحدث مع «البعض» الذي يعرفه، سائلاً إذا كان يعرف من يريد بيع سلاحه … انتشر الخبر في الشياح، ثم في الضاحية، كالنار في الهشيم، وبدأ الناس يتحلقون حولنا حتى بتنا فيما يشبه التظاهرة وخرجت هتافات تدعو للصمود…

لا تقتصر ذكرياتي مع حبيب على تلك الحادثة المهمة، بل بقينا معاً في سنوات ما بعد الغزو نعمل للسلم الأهلي وللوحدة الوطنية والعروبة التي كنا ندرك أن الحرب عليها يومها ستقود حتماً إلى ما نشهده اليوم من تعصب طائفي ومذهبي دموي، وتفتيت وتقسيم، في غياب الهوية الجامعة… ولا أنسى كيف أن حبيب يومها أطلق على وليدته آنذاك اسم «عروبة»، ليؤكد عروبة أبناء الضاحية وعائلاتها.

أقعد المرض حبيب الحركة في السنوات الأخيرة فغاب عن المنتديات واللقاءات لكنه بأفكاره وروحه لم يغب عنا أبداً.

رحم الله أبا واصف…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى