هل بدأ سباق الوفود إلى دمشق؟

الياس عشّي

يبدو أنّ السباق للوصول إلى دمشق قد بدأ، فبالأمس وصل إليها وفد تركي، سبقه وفد فرنسي، وقبلهما وفود من كلّ حدب وصوب دخلت من الباب الخلفي، وفاوضت، واعتذرت، وغابت عن الإعلام كي لا يشمت العالم بها.

المضحك المبكي أنّ الحكومة الفرنسية غسلت يديها من زيارة وفدها إلى سورية، تماماً مثلما فعل بيلاطس البنطي عندما غسل يديه من دم المسيح. فهولاند الذي يحكم فرنسا جالساً، زوراً وبهتاناً، على كرسيّ ديغول، لا يمكنه أن يجاهر بتأييده، ومباركته، لزيارة تُوّجت بلقاء مع الأسد ، وهو، أي هولاند ، يطالب برحيل الرئيس بشّار الأسد كلّما صاح الديك الفرنسي، ويرفض أن يكون لهذا القيادي الشاب الوارث عن أبيه إرادة الصمود، وموهبة التصدّي، وملكة الشجاعة في أن يقول لا، أن يكون له دور في حل المسألة السورية !

هولاند سيدرك، عاجلاً أو آجلاً، أنّ سورية الدولة، وسورية القيادة، وسورية الشعب، قد انتصرت، وسيكتشف أنّ العبور إلى طريق الحرير، لم يكن البتة، خلال مئات السنين، عن طريق السعودية، ولا عن طريق دول الخليج مجتمعةً، بل كانت بوّابات الشام هي الدليل إليه منذ فتوحات الاسكندر حتّى اليوم.

ديغول فهم ذلك، فاستجاب لضمير الثورة الفرنسية : وقف إلى جانب الشعب الجزائري في مطالبته بالحرية والاستقلال، وساند العرب في صراعهم مع الدولة العبرية، ففُتحت في وجهه بوّابات الشام، وسلكت فرنسا طريق الحرير متحدّية الأطماع التقليدية للإنكليز، والطموحات المستحدثة للأميركيين.

أدرك الأميركيون أنّ الصراع على سورية بدأ يتحوّل إلى صراع مع حلفائها وفي مقدّمهم فرنسا، وجاءت الاعتداءات «الإسرائيلية» على لبنان في نيسان عام 1996 لتؤكد ذلك. ففي كتاب « عشرة أعوام مع حافظ الأسد « الذي يحمل توقيع الدكتورة بثينة شعبان، ورد في الصفحة 112 الآتي :

« … كان لدى سورية ثلاثة تعديلات على وثيقة التفاهم تفاهم نيسان ، وأصرّت على ضرورة التشديد عليها. كان أحدها أن تكون فرنسا ضمن لجنه المراقبة، برغم اعتراض واشنطن في البداية. احتجّ كريستوفر بأنّ هذا يزعج دولاً أخرى في أوروبا، لكنّ الأسد أصرّ، قائلاً : لن يعترض أيّ طرف حين تؤخذ في الحسبان العلاقة التاريخيّة بين باريس وبيروت منذ زمن الانتداب الفرنسي للبنان. وأضاف أنّ لدى الرئيس الفرنسي شيراك رغبة متأصّلة في أن يسهم في الحلّ في لبنان. وكان الرئيس الأسد يرى أنّ الرئيس الفرنسي سيكون وسيطاً نزيهاً في الشؤون اللبنانية، وأراد أن يسند إليه ذلك الدور «.

… وهكذا كان، فازداد الغضب الأميركي، وأدرك الأميركيون أنّ حلبة الصراع على سورية لا تتسع لاثنين، وأنّهم إذا عجزوا عن إخراج الروس من الحلبة، لا يعني ذلك أنهم عاجزون عن إخراج فرنسا في الوقت المناسب.

… وجاء الوقت المناسب باغتيال الرئيس الحريري، فلعبت الميديا لعبتها، ونجح الأميركيون في توجيه الاتهام إلى السوريين في الساعات الأولى من إعلان استشهاده، وانطلت اللعبة على شيراك فقايض ثلاثين عاماً من الثقة المتبادلة بين بلده وسورية بثلاثين من الفضّة، وأورث هذه اللعبة لساركوزي وهولاند وربما إلى ثالث.

ربّما نستيقظ ذات صباح لنسمع ديك ديغول يصدح من جديد، لا سيّما أنّ مؤامرة اتهام سورية باغتيال الحريري قد سقطت، وأن المؤامرة الثانية لتفتيت الدولة السورية وإلغائها فشلت أيضاً بعدما اكتشف العالم أنّ الربيع الذي أرادوه لسورية هو ربيع مزوّر، برتقاليّ اللون، ولا مكان له في حقول الياسمين وشقائق النعمان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى