لماذا إيران؟

د. سلوى خليل الأمين

حين رفعت إيران العلم الفلسطيني وأغلقت أبواب سفارة «إسرائيل» بعد نجاح ثورة الإمام الخميني، توجّس أهل الخليج شراً من هذه الدولة، التي كان الامبراطور السابق الشاه رضا بهلوي الآمر الناهي، والفزاعة لهم، حيث كان جيشه يعدّ من أقوى الجيوش إقليمياً، ومن بين الجيوش العالمية القوية التي لها وزنها.

بصريح العبارة كان فرس الخليج الذي يسرح على صهوته الأميركان بمنتهى السهولة، لهذا كان البعبع الذي يرعب قادة الدول الخليجية، لهذا كانوا يتهيّبون الموقف ويحنون الهامات إذعاناً وقبولاً.

لكن بعد الثورة تغيّرت المعايير والمقاييس، فإيران «العدوة» للعرب، أصبحت تحمل لواء القضية الفلسطينية التي تخلى عنها العديد من الحكام العرب، عبر معاهدات الذلّ المشؤومة، وعبر زيارة مخجلة قام بها الرئيس المصري السابق أنور السادات إلى دولة العدو «الإسرائيلي». هنا توجهت أنظار دولة الصمود والتصدّي سورية الحاضنة بقوة للقضية الفلسطينية وشعبها المشرّد في الشتات إلى هذه الدولة الإقليمية الجارة، التي ستكون الساعد الأيمن لكلّ مقاومة ستنهض ضدّ «إسرائيل» بالاتفاق مع سورية، لهذا امتدّت الجسور التي بنى أسسها الرئيس الراحل حافظ الأسد بين الدولتين، مما أثار حفيظة حكام الخليج الذين شجّعوا الرئيس العراقي السابق صدام حسين ودعموه بالمال والسلاح لشنّ الحرب على إيران التي استمرّت 8 سنوات، وأرخت خسائرها على الطرفين، علما أنّ الثورة الإيرانية كانت في بداياتها ومع هذا استطاعت الصمود أمام كلّ القوى التي تحالفت ضدّها ودعمت العراق في حربه المشؤومة، بعدها بدأت إيران مرحلة النموّ والارتقاء إلى جانب حرصها على الأمن والأمان في منطقة لا يملك فيها حاكم قرار حريته وسيادة وطنه، وشجّعت حركات المقاومة ضدّ «إسرائيل» التي تبناها أيضاً الرئيس حافظ الأسد والقوى الوطنية، فكان ما كان من وسائل الدعم المطلق لحزب الله المقاوم ولحركة «حماس» أيضاً، ولكلّ من يرفع لواء مقاومة «إسرائيل».

كبرت الحالة المقاومة وسجلت انتصاراتها على العدو الصهيوني من لبنان في العام 2000 وفي العام 2006، وهزمت جيش العدو الذي لم تغلبه قوة عربية أخرى، والذي كان الفزاعة المعلقة القابلة للتعدّي والاجتياحات والقتل والتدمير في كلّ حين، إلى أن جعلتهم مقاومة حزب الله المدعومة عسكرياً ولوجستياً من إيران وسورية يهتزون خوفاً من أيّ فكرة عدوانية قد تشنّ على لبنان… وهكذا حدث أيضاً في غزة أكثر من مرة آخرها في حرب الـ51 يوماً.

إيران هذه الدولة المتفاعلة مع قضايانا العربية الوطنية والقومية لم تصادر قراراتنا الوطنية، ولم تعايرنا بما قدّمت، ولم تتسلط على كرامتنا الوطنية، لأنها مؤمنة بأنّ مساعدة الأشقاء العرب إنما هو واجب إسلامي ديني نابض من عقيدة حسينية كربلائية، تضرب الظلم أينما حلّ، وتعلي الحق، وتهزم الباطل كيفما تحرك وأينما وجد.

لهذا شتموا المقاومة، وقالوا عن مقاومة حزب الله للعدو الصهيوني مغامرة، وخربطوا أوضاع لبنان السياسية عبر زعماء أوجدوهم ولم يحسنوا إدارة الوطن المتعدد الطوائف، بل أداروه كشركة خاصة، يأمل فيها الكلّ بتعبئة خزائنه من بيت مال الشعب، بينما كان فريق المقاومة المؤمن بالتغيير والإصلاح وتحرير فلسطين وعودة الفلسطينيين إلى ديارهم يدفع ضريبة الدم فداء لسيادة الوطن، التي استغلها الآخرون وعملوا على هدمها، بدليل عدم الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية يمثل أكبر تكتل مسيحي في دولة تعتمد الطائفية نهجاً ومنهجاً.

وهكذا أيضاً، كان «الربيع العربي» الذي وصلت تباشير خططه المسمومة إلى قلعة النضال سورية، وكان ما كان من دعمهم لكلّ العصابات الإرهابية، التي هيّأتها أميركا والصهيونية العالمية من أجل القضاء على سورية، وصولاً إلى القضاء على قوى المقاومة في لبنان وفلسطين. استعملوا أولاً الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، وادّعوا بأنّ الحكم في سورية «علوي»، علماً أنّ الجميع يعرف بأنّ حزب البعث الحاكم هو حزب علماني، وأشعلوا نيران الفتنة السنية الشيعية وخلقوا «داعش» و«النصرة» ومثيلاتهما، وكانت سبقت ذلك الحرب المفتوحة على إيران وبرنامجها النووي حيث واجهت إيران العقوبات، وبدأت «إسرائيل» بتشجيع أميركا على شنّ الحرب عليها، ظناً منها أنّ قطع الرأس هو الأساس وإيران في عرفهم، هي الرأس المدبّر لكلّ مقاومة ضدّ وجودهم… ولم يعتبروا مطلقاً أنّ سورية وأحرار العرب والمقاومة يتصدّون لحالة الحرب المفتوحة مع العدو الصهيوني ما دام محتلاً لفلسطين، ومن أولى موجبات الحرب التنسيق مع الحلفاء المؤمنين بهذه القضية إيمانهم بعقيدتهم الدينية، أعني إيران القادرة والقوية.

في الوقت ذاته، لم يستجب الرئيس الأميركي باراك أوباما لمطالب «إسرائيل» بشنّ الحرب على إيران وسورية، وكانت هذه ضربة قاسية قصمت ظهر البعير بينه وبين قادة «إسرائيل» ومنهم رئيس الوزراء نتنياهو الذي يعتبره أوباما رأس الشرّ، بحيث تحدّى الدولة الأميركية ووقف خطيباً في الكونغرس ضارباً عرض الحائط بالرئيس الأميركي الرافض لوجوده، ولموقف أنصاره من الحزب الديمقراطي الذين اعتبروا أنّ نتيناهو تحدّاهم في عقر دارهم، وداس السيادة الأميركية وشرفها العظيم، مما سبّب هذا الحنق المتفاعل صعداً من الرئيس الأميركي وفريق عمله، الذي عرفت إيران أن تطوّقه وتستفيد منه عبر ديبلوماسية راقية وفاعلة ونشيطة، تفهم وتعرف سبر الأغوار وصولاً إلى التمكن من النصر.

ففي السياسة ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم، بل مصالح تتناغم وتعلو وتهبط حسب مؤشرات المصلحة العامة لكل دولة، لهذا وجدنا أنّ الرئيس أوباما، قرأ جيداً مضمون المباحثات مع إيران بخصوص برنامجها النووي، ووثق بالسيد الخامنئي الذي أفتى بأنّ إيران لا تخصّب النووي سوى للأغراض السلمية والتخصيب لقتل البشر حرام. ثم أردف بعد نجاح المباحثات أخيراً في جنيف وموافقة الدول الست عبر رسالة وجهها إلى الحزب الجمهوري أولاً، ودول الخليج ثانياً، ودول العالم ثالثاً خصوصاً فرنسا وبريطانيا بالقول: «أكبر الأخطار التي تواجه دول الخليج لا تأتي من احتمال وقوع هجوم من إيران، ولكن من الاستياء الذي يحدث داخل بلدانهم، بما في ذلك الشباب العاطل عن العمل الذين يشعرون بأنه ليس هناك أمامهم منفذ سياسي للتظلم، يعني أنه يعترف علناً بأنّ الديمقراطية التي توّجت عناوين الربيع العربي غير موجودة عند حلفائه حكام الخليج، ويعني بصريح العبارة: أن استفيقوا وانتبهوا، منهياً كلامه بتهديد مبطن بين السطور.

هنا يتبادر إلى الذهن سؤال كبير وهو: لماذا الهجمة القوية الشرسة على إيران؟ لماذا نعتها بأبشع الأوصاف؟ وهل العرق الفارسي الذي هو معروف تاريخياً بأقدمية امبرطوريته التي نافست الامبراطورية الرومانية بات موضع استهزاء وقدح وذم؟ ثم أليس الشعب الإيراني بأغلبيته شعب مسلم وإنْ كان على المذهب الشيعي، فكتابه هو القران الكريم وسنّته السنّة النبوية الشريفة وقبلته الكعبة المشرّفة، إذاً لماذا الحقد والعدوانية المبيّتة التي لم تظهر مطلقاً في أثناء فترة حكم الشاه رضا بهلوي، الذي كان مسيطراً بقوته العسكرية على تحركاتهم وكانوا يرتجفون خوفاً منه؟ ثم لماذا نسمع هذه الأصوات المنكرة لنتائج الاتفاق الأميركي الإيراني في الوقت الذي لم تبد إيران خلال مسيرتها سوى الدعوة إلى التوافق والوفاق بين جيرانها حكام الخليج، لأنّ ما يجمعهم أكثر مما يفرّقهم، لكن لا حياة لمن تنادي، فـ»إسرائيل» ومفاعلها النووي القائم في ديمونا منذ العام 1963 والذي يبعد مسافة 250 كلم عن الجبهتين السورية واللبنانية، لا يقلقهم وهو حالة لا تخضع لاعتراض هؤلاء الحكام، علماً أنّ «إسرائيل» تعد بين القوى النووية الأولى والمقتدرة إلى جانب أميركا وروسيا والصين، وتملك ما لا يقلّ عن 300 قنبلة ورأس نووي، ومع هذا الخطر الكبير منها على الجميع فإنهم يعتبرونها حليفاً مسانداً في أجنداتهم من أجل ضرب المقاومة، وكلّ من يساندها، وأقصد إيران وسورية، ولهذا افتعلوا حرب اليمن، ولم يسعوا إلى تمرير الحلّ السياسي في سورية ، كما أنهم يعطلون مسار الجمهورية والدولة في لبنان عبر أعوانهم السذج.

لكن المستقبل القريب يخبّئ لهم ما ليس في الحسبان، والاتفاق سيوقع حتماً في شهر حزيران المقبل، وسيندم المعترضون ساعة لا ينفع الندم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى