الإرهاب يقتل العرب في الشرق والبحر يبتلع لاجئيهم إلى الغرب…

د. عصام نعمان

القتل قَدَرُ العرب. لا مفرّ منه، سواء كانوا مقيمين في الشرق أو هاربين منه إلى الغرب.

في الشرق، هم ضحايا الإرهاب. ليس البشر ضحاياه فحسب بل الحجر أيضاً. فإضافة إلى الآلاف الذين يقتلهم الإرهاب ذبحاً بالساطور المسنون أو شنقاً بالحبل المجدول أو غيلةً بالرصاص المسموم، فإنّ مدناً أثرية بكلّ قلاعها وصروحها وتماثيلها وأضرحتها، كما مكتباتها بكلّ مخطوطاتها وسجلاتها وكتبها، يقتلها الإرهابيون بلا رحمة بالتدمير الساحق الماحق.

ثمة مفارقة غريبة: الإرهابيون، تفكيراً وتدبيراً، ماضويون متحجّرون. لكنهم يقومون بإعدام ماضي العرب التراثي والحضاري. وفوق ذلك، يصدّرون ضحايا إرهابهم الشبان من الفقراء والمعوزين واليائسين إلى الغرب الأوروبي بحثاً عن لقمة العيش.

تصدير هؤلاء يتمّ منهجياً، بواسطة مهرّبين محترفين يتقاضون، لقاء فعلتهم، أجوراً عالية ما مكّن بعضهم من أن يصبح مليارديراً في وقت قصير.

التهريب يجري في البحر بسفن متهدّمة وقوارب مترهّلة. والهاربون يتطلعون إلى أن يصبحوا، بعد وصولهم إلى اليابسة في اليونان أو إيطاليا أو فرنسا، لاجئين طامحين إلى شرعنة وجودهم في مهاجرهم.

غير أنّ قلة من هؤلاء تنجح في بلوغ اليابسة. كثرة منهم يبتلعها البحر فتقضي غرقاً. حجم الغرقى كارثي. الناطق بِاسم منظمة الهجرة التابعة للأمم المتحدة جول ملمان حذّر أخيراً من أنّ عدد الغرقى من ضحايا التهريب البحري قد يصل في حال استمرار الأمور على هذا المنوال إلى 90 الف ضحية في نهاية السنة الحالية.

اليابسة ليست أرحم من البحر. فالمسؤولون الأوروبيون الذين هالتهم موجات اللاجئين العرب والأفارقة تنادوا مطلعَ الاسبوع إلى عقد اجتماع في لوكسمبورغ لمواجهة ما اعتبروه «كارثة». شارك في الاجتماع 41 وزيراً للداخلية والخارجية. الغاية من اجتماعهم لم تكن إيجاد وسائل وآليات للبحث عن اللاجئين التائهين في البحر وإنقاذهم بل وقف تدفقهم إلى بلادهم بوضع خطة عسكرية لتدمير السفن والزوارق والقوارب التي يجرى بها تهريب هؤلاء إلى شواطئ أوروبا.

الخطة العسكرية تتضمن إجراءات لمضاعفة التمويل والأدوات التي تستخدمها وكالة مراقبة الحدود الأوروبية «فرونتكس». أكثر من ذلك، تقرّر توسيع نطاق عمل «فرونتكس»، المحصور أساساً بالمياه الإقليمية الأوروبية، ليشمل المياه الدولية وصولاً إلى شواطئ ليبيا. لماذا؟ لأنّ ليبيا باتت المصدر الرئيس لتهريب العرب والأفارقة اليائسين إلى دول أوروبا.

إلى ذلك، تتضمن الخطة آلية خاصة لترحيل «اللاجئين المرفوضين»، أي أولئك الذين «أسعفهم» الحظ وبلغوا اليابسة وتقدّموا بطلبات لجوء في بعض الدول الأوروبية بحسب أحكام قوانينها النافذة، لكن السلطات المختصة فيها رفضت طلباتهم. المفوضية الأوروبية شرحت آلية الترحيل بأنها تتضمن تنظيم رحلات جوية لإعادة اللاجئين المرحلين قسراً. لكن، ماذا لو رفضت الدول التي يحمل اللاجئون جنسيتها استقبالهم؟

يقول مسؤولو المفوضية الأوروبية إنّ صدّ موجات التهريب واللجوء سيكون عبر إقامة «تعاون وشراكات» مع دول العبور، خصوصاً مع لبنان والأردن ومصر والدول المحيطة بليبيا، وإن ثمة مشروعاً تجريبياً لإقامة مخيمات تجميع للاجئين في النيجر، كما يخطط المسؤولون الأوروبيون لمشاريع شبيهة إذا قبلت دول أخرى هذا التعاون.

دول العبور محرجة وقلقة. فهي ملزمة وفق قوانينها باستقبال مواطنيها المبعدين من دول أجنبية، لكنها مضطربة أمنياً ومتراجعة اقتصادياً، فلا يضيرها أن «يدبّر» مواطنوها أمر لجوئهم إلى دول مقتدرة بحثاً عن الرزق والأمن والاستقرار.

من المنتظر، والحال هذه، أن ترفض هذه الدول أقامة «تعاون وشراكات» مع الدول الأوروبية «المتضررة» من موجات اللاجئين. ولعلّ بعضها سيجرؤ على مطالبة حكومات أوروبية بأن تخجل من نفسها فعلاً فتتشدد في المراقبة وبالتالي منع مواطنيها من السفر إلى تركيا للانضمام إلى تنظيم «داعش» الذي يقاتلها في عقر دارها، ولا سيما في سورية ولبنان والعراق.

أجل، إذا كانت دول أوروبا تجد أن من حقها وقف «تصدير» اللاجئين إلى ربوعها، ألا يكون من حق الدول العربية، ولا سيما سورية والعراق ولبنان وليبيا، المطالبة بوقف تصدير إرهابيين أوروبيين للانضمام إلى «داعش» في محاربتها؟

متى تجتمع دول العالم وتُجمع على وقف عملية الاستيراد والتصدير المخزية: استيراد الإرهابيين الأشرار من أوروبا وتصدير اللاجئين الأغرار إليها؟

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى