الدبس: الشعر في مرتفعاته يمثّل روح الأمّة

بدعوة من مؤسسة رعاية أُسر الشهداء وذوي الحاجات الخاصة، أُقيمت في قاعة الشهيد خالد علوان ـ البريستول ندوة حول الكتاب الجديد للشاعر القومي عماد المنذر الذي يحمل عنوان «من نحن»، وهو عبارة عن قصائد نثرية أهداها المؤلف «إلى أرواح الشهداء ومعاناة الجرحى وأُسَرهما في النهضة… وإلى معلمي ومنير دربي أنطون سعاده».


وقّع المنذر كتابه للحضور قبل الندوة وبعدها، وحضر حشد من المثقفين وأصدقاء الشاعر، تقدمهم وفد مركزي من الحزب ضم رئيس المجلس الأعلى محمود عبد الخالق والوزير السابق علي قانصو والنائب مروان فارس وعميد الثقافة في الحزب الدكتور جورج جريج والعميدان نيه روحانا وسبع منصور ونائب رئيس المكتب السياسي الدكتور كمال النابلسي، وبعض المسؤولين المركزيين والمندوب السياسي للجبل الشمالي نجيب خنيصر ورئيس لجنة تاريخ الحزب لبيب ناصيف ومنفّذ عام الضاحية الشرقية أنطون يزبك، كما حضر وفد من التيار الوطني الحرّ ومهتمون.

استهلّت الندوة بتقديم من رئيسة المؤسسة نهلا رياشي للمناسبة الثقافية، تلاها الشاعر المنذر قارئاً مقتطفات من مجموعته الجديدة، فكلمة عضو القيادة المركزية للحزب الدكتور ربيع الدبس. وممّا جاء في مداخلته:

«تحيّة إلى مؤسسة الرعاية، وهنا رعاية ذي حاجة خاصة، وتحية إلى رفيقنا الشاعر عماد المنذر على مجموعته الجديدة «من نحن» المعبّرة بحد ذاتها بدءاً من عنوانها عن هويتنا، وذلك انطلاقاً من سؤال سعاده الشهير: من نحن؟ ومن ثم تأكيد الإجابة بأننا سوريون. وفي هذا السياق تَحْسُنُ الإشارة إلى أن هوية حزبنا هي الهوية القومية الاجتماعية، لا العَلمانية التي ليست بهوية. وفكرة العلمنة بالأساس ليست من أدبيات النهضة بل هي من الدخيل وادعاء ما ليس دقيقاً.

فالإنسان لدينا ليس كائناً مادياً أسكره الإلحاد. إنّه كائن جسماني يرقى إلى عقل، ويسمو بالقلب. صحيح أننا نقول بالصراع الفكري، لكن الصراع هنا لا يعني الاصطراع والاحتراب كما أساء فهمنا بعضهم… إنه يعني في صراع البقاء والتقدم انتصار المشروع الأكفأ والقيم الأفضل للنهوض بالحياة العامة والخاصة. علماً أن الصراع الفكري ليس المنتهى. إنه يعني في بُعد من أبعاده تأمين البناء النفسي والشروط الضرورية لاستتباب الاتجاه الجديد في الحياة، بكلّ تجلياته الإنسانية المجتمعية على مستوى السياسة والاقتصاد والأمن والثقافة والعلوم والفنون.

من هذه الشرفة المنهجية نطلّ على الأدب شعره ونثره. ولعلّ واحداً من أجمل التعريفات هو أن الشعر في مرتفعاته يمثل روح الأمّة. وقد عبّر سعاده العظيم عن ذلك بالدعوة إلى الأدب المنارة ونبذ الأدب المرآة. فماذا يعني ذلك؟ يعني أن القضية العليا هي بوصلتنا، وأن الأمّة ونهضتها هما ملعب الرؤى لدى ذوي المواهب الخلاّقة. نحن لا ننظر إلى عقولنا كما إلى مرآة عاكسة بل إلى منارة مشعة. نحن ننظر فقط إلى ما يخدم المصالح القومية الكبرى. لذلك اعتبر سعاده أن النهضة ليست فقط خروجاً من البلبلة إلى الوضوح ومن الشك إلى اليقين، إذْ جزم بأن معنى النهضة يتضمن تأسيس فكرة الأمّة، أي إزاحة الأفكار المكوّنة للعصبيات الابتدائية الأولية المتخلفة.

هكذا تتلازم عوامل الثقافة والحداثة والإبداع بالوجدان العام الحيّ. فالحداثة التي هي موقف قبل أي شيء آخر، من التقليد السائد، هي حداثة لأجل قضية أكبر من حجم طارحيها. فلا حداثة أصلاً بلا إبداع هادف، تماماً كما أن لا نص آسراً بلا موقف آسر، ولا شاعر كبيراً بلا مثقف كبير ينبض فيه. وفي تكثيف توصيفي نقول إن الشعراء الكبار هم أولئك الذين استجمعوا طاقة زمنهم وتجاوزوها. يقول الشاعر علي أحمد سعيد أدونيس ، الذي يُعتبر منظّر الحداثة الأول في العالم العربي وهو الذي نما في تيارها المتفجّر من ينبوع النهضة: «عندما أقرأ نصاً عظيماً أشعر أنه ينتصر عليّ. آه ما أجمل وما أَوْقعَ هذه الهزيمة».

ذلك أن الشعر، عاميَّه وفصيحه، ينبثق من بصيرة ثقافية، والبصيرة منشئة رؤيا هي أصل الإضافة الحضارية في الشعر، الذي يرتقي في تألقاته إلى أن يكون رؤية فلسفية للحياة وحقائقها، وغيرُ ذلك رصفٌ كلامي وصناعة لفظية رثة… هكذا يمكننا القطع بأن النص الحيّ المتحرّك ينمو بالفوسفور الذي فيه. وهكذا يمكننا تشبيه القصيدة بالطفلة، مع إدراك عميق بأنّها الطفلة الوحيدة التي تعيش في رضاع دائم لا يعرف الفطام. لذلك قال فلوبير: الفن أسمى من الحياة. هكذا فقط يتاح لفرس الشعر أن تصهل في الميدان وتستوطن مساحتها في طفرة النشر الرخيص… هكذا يمكننا أن نتبادل النار مع الأدباء المنارات المعمّدين باللهب، لهب الكلمة المجنّحة التي تعلو بالأديب الرؤيوي من المبتذلات إلى الشواهق.

أما عمادنا المنذر، الذي سمعنا جميعاً عيّنات من نتاجه، فعسى أن يستبدل إنذاره، الملازم له في الإسم، إلى بشرى قريبة بإصدار جديد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى