ما السرّ وراء حملة التصعيد الأخيرة ضدّ سورية؟

هشام الهبيشان

تزامناً مع احتفال الأتراك وحلفائهم بحجم الانتصارات الإعلامية التي حققتها المنظمات الرديكالية «النصرة وتفريخاتها» بمعاركها مع الجيش العربي السوري بشمال غربي سورية «مدينة إدلب وريفها الغربي»، انطلقت حرب إعلامية تقودها وبشكل ممنهج قوى معروفة الغاية والهدف، فهي تتحدث اليوم عن انتصارات ميدانية «هائلة ونوعية» للقوى الرديكالية المسلحة المعارضة للدولة السورية، وأخذت هذه الانتصارات «الوهمية» مساحة اهتمام كبير على الصعيد الإعلامي، لأنه المتحدث الوحيد فيها الآن، والكلمة الفصل الأولى والأخيرة للإعلام هي هذه الانتصارات «الوهمية» لأنها ما زالت حبيسة أخبار الإعلام وأقلام الكتاب ودراسات المحللين، ومع هذا الحديث وبعد مراجعة دقيقة لموازين القوة على الأرض لم نرَ لهذه الانتصارات أي تأثير فعلي على أرض الواقع لكسر موازين القوة على الارض وفق حجمها الذي يجرى الحديث عنه إعلامياً، مع التأكيد أكثر من مرة أن هذه الانتصارات «الوهمية» ليست إلا صنيعة الإعلام.

فالحرب على سورية مستمرة منذ ما يزيد على أربعة اعوام وعلى جميع الجبهات، ومن الممكن توقع عمل ما من أي جبهة، فهذه المعارك ليست وليدة الساعة، وهذه الانتصارات التي اتسع حجمها إعلامياً لها ثلاثة أهداف في هذه المرحلة. الهدف الأول الضغط على الدولة السورية للجلوس إلى طاولة المفاوضات «جنيف 3» وفق شروط تمليها عليها توليفة دول التآمر، وهذه الفرضية سقطت بعد سلسلة الانتصارات في الميدان العسكري والسياسي للدولة السورية. والهدف الثاني وهو المؤكد تشتيت جهود الجيش العربي السوري في محاولة لإيقاف تقدمه على الأرض بشمال وشمال غربي سورية وتشتيت الخطط اللوجستية للمعارك وبخاصة في معاركه الكبرى الآن الساعية إلى استعادة مدينة إدلب، واستكمال خطط تطويق مدينة حلب وريفها الشمالي، وبعض مناطق وتلال ريف اللاذقية الشمالي وما حوله. والهدف الثالث هو محاولة تحقيق نصر إعلامي في سورية، للتخفيف من تداعيات الهزيمة باليمن التي تلقتها قوى المحور الآخر المعادي لمحور المقاومة بالمنطقة، فهزيمته في اليمن يسمع صدى واضح لها من خلال التصعيد العسكري والميداني والإعلامي بسورية والعراق ولبنان.

اليوم يحاول الكثير من القوى المنخرطة بتوليفة المؤامرة على الدولة السورية إضعاف دور الجيش العربي السوري بالمعارك على الأرض، بمحاولة واضحة ومكشوفة لضرب القدرة اللوجستية للجيش واستنزاف قدراته البشرية والهدف من هذا الاستنزاف هو قتل الإرادة عند المقاتل بالجيش السوري وإيقاف تقدم القوة النارية والعسكرية السورية على الأرض، فاليوم هناك حديث «إعلامي» مؤكد عن اجتماعات استخباراتية للقوى الشريكة بالحرب على سورية، تُعقد بمدن جنوب تركيا الحدودية المجاورة للحدود الشمالية السورية، والهدف هو تصعيد ميداني كبير على الأرض السورية، والهدف من كل ذلك وفق الرواية الصادرة عن هذه الاجتماعات هو ضرب المنظومة العقائدية للجيش العربي السوري وما سيتبع ذلك من تعديل لميزان القوى على الأرض السورية، وخصوصاً محاولة العودة إلى إشعال معارك جانبية على أطراف مدينة اللاذقية، للضغط على الدولة السورية للقبول بحل سياسي يخدم مشاريع الكيان الصهيوني وحلفائه بالمنطقة، وهذا ما رفضته الدولة السورية مراراً وتكراراً .

وبالعودة إلى الشق الميداني والعسكري في الداخل السوري، فهناك اليوم حديث عن إشعال معارك جديدة بالساحل السوري، وهذا ما كنت قد أشرت إليه في مقال سابق نشر بتاريخ 28-12-2014، تحت عنوان «هل نعت العمليات العسكرية الحلول السياسية بسورية؟»، وقد تحدثت حينها بناء على مجموعة تقارير خرجت عن وسائل إعلام أميركية وتركية و»إسرائيلية»،عن مجموعة تطورات ستعيشها الدولة السورية بالربع الأول من العام الحالي، ومنها سقوط مدينة إدلب، والتوسع في معارك الساحل السوري وريفي حماه الشمالي والغربي وحلب وريفها الشمالي، وتحدثت عن دور «جبهة النصرة» ومحاولة تعويمها مجدداً من خلال هذه المعارك، وبالعودة إلى رواية معركة الساحل المرتقبة، هنا لا أريد أن أنفي هذه الرواية من أساسها، فالوقائع على الأرض تقول إن كل جبهات السورية مشتعلة وبخاصة الشمالية والشمالية الغربية منها، وقد كانت هناك محاولات تركية عديدة بفترات سابقة من خلال أدواتها لدخول مناطق الساحل السوري، وآخر هذه المحاولات ما جرى في بلدة كسب ومحيطها الاستراتيجي بالربع الأول من العام الماضي، وحينها تلقت المجاميع الغازية ومن يدعمها على الجانب الحدودي التركي خسارة فادحة، ومن هنا نقرأ أن محاولة العودة إلى إشعال معارك جانبية في أطراف اللاذقية لن يكون أمراً مفاجئاً ونتوقع كل يوم حصول معركة في أي جبهة على امتداد جبهات القتال بالساحة السورية.

وقد تقوم تركيا بدعم استخباراتي ما محدود وليس متوسعاً بطريقة عمله بمحاولة يائسة لإسقاط بعض المناطق بريف اللاذقية الشمالي أو الشرقي، أو بمحاولة توجيه بعض المسلحين إلى مناطق وتلال محاصرة بريف اللاذقية الشمالي لمحاولة كسر الحصار عنهما ولتخفيف الضغط عن المسلحين هناك، ولهم بذلك محاولات يائسة عدة تكسرت على مشارف ريف اللاذقية الشمالي، ومن هنا نقرأ مرحلياً أن محاولة فتح جبهة الساحل من جديد، ما هي إلا حرب إعلامية صرفة والأيام المقبلة ستثبت كل هذا، ولهذا نرى الآن ونسمع أحاديث عن هذه المعارك «الوهمية» المفبركة إعلامياً، والهدف الرئيسي لها هو تشتيت جهود القيادة العسكرية السورية الرامية إلى «الحسم السريع» للمعارك بشمال غربي سورية، وهذه الفرضية هي الأقرب إلى الواقع، وليس كما يتحدث البعض عن أن هذه الهجمة الأخيرة على إدلب وريفها الغربي وريف حماة الغربي هدفها التوسع باتجاه عمق الساحل السوري، ففي هذه العملية لو قرروا فعلاً الولوج أكثر باتجاه عمق الساحل، فهذا يعني أن اللاذقية ستكون مقابر لهم وهم يعلمون ذلك ولهذا لن يجازفوا بمخاطرة كهذه .

ختاماً، لا أحد يستطيع أن ينكر أن تحريك مجموعة جبهات دفعة واحدة سيزيد من العبء على المقاتل بالجيش السوري وحتى لو كانت هذه الجبهات وهذه المعارك هي معارك وهمية ومعارك جانبية لا تهدف إلى مسك الأرض إلا أنها على الأغلب ستحقق بعضاً من أهدافها وعلى الأقل هدف الاستنزاف للقدرات البشرية والنارية للجيش السوري، ولكن الحرب صولات وجولات، فهذه الجولة كما يؤكد السوريون ستهزم كما هزمت جولات سابقة هكذا يتحدث القادة العسكريون والسياسيون بسورية، ومن نتائج هذه الجولة ستكتب عناوين جديدة لكل الأحداث المستقبلية المتوقعة بسورية ولهذا سنترك الحديث عن النتائج المستقبلية لهذه الجولة شبه الأخيرة على سورية للأيام المقبلة، لتعطينا إجابات واضحة على كل هذه الأسئلة والتكهنات حول هذه الجولة شبه الأخيرة للحرب غير المباشرة على سورية.

كاتب وناشط سياسي الأردن

hesham.awamleh yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى