قمة أوباما… ومشيخات الخليج العربي

راسم عبيدات

قبل أقل من أسبوع انتهت القمة التي عقدت في «كامب ديفيد» بين الرئيس الأميركي باراك أوباما، وزعماء مشيخات الخليج العربي، بناء على دعوة وجهها لهم البيت الأبيض، تلك الدعوة التي سبقها أوباما بتصريحات صحافية حادة أدلى بها للصحافي الأميركي المشهور توماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز»، قال فيها لزعماء الخليج العربي إن الخطر على عروشهم ومصالحهم وثرواتهم، يتأتى من الداخل نتيجة سياساتهم وغياب الديمقراطية وعدم المشاركة في الحكم والقرار وغياب العدالة الاجتماعية، والبطالة بين الشباب، والتي تدفع بهم الى أحضان الجماعات التكفيرية كوقود لها، وليس من إيران كما يحاولون القول، والتي أصبحت بمثابة «الفزاعة» التي يخيفون بها شعوبهم، بأنها تريد السيطرة على بلدانهم لكي يستمروا في سيطرتهم على بلدانهم شعوباً وثروات.

مما لا شك فيه بأن مشيخات الخليج العربي بذلت جهوداً واسعة قبل مؤتمر «كامب ديفيد» مع أوباما بغية الحصول على «التزام أميركي حازم» بحمايتها، حماية يكون لها صفة التعهد الرسمي، بل والأفضل خطياً، وهي كانت تطمح لضمانات امنية شاملة، ومعاهدة دفاع مشترك، وكذلك الحصول على أسلحة حديثة ومتطورة كاسرة للتوازنات. ولكن نتائج اللقاء خيبت آمال مشيخات الخليج حيث أن مستشاري البيت الأبيض أبلغوا أوباما بأن لا «اتفاقات أمنية» ولا معاهدات دفاعية» مكتوبة، وبالنسبة الى السلاح الكاسر للتوازنات، فهذا محكوم ومرتبط بسقف الإلتزام الأميركي بتفوق «إسرائيل» النوعي والإستراتيجي في المنطقة، وبان أميركا تريد الحفاظ على التوازنات الإقليمية في المنطقة، وهي لن تسمح لطرف معين بالتحكم في القضايا الأمنية والعسكرية والاقتصادية في الخليج.

البيان الختامي للقاء عكس تبايناً في المواقف بين رؤية أميركا لمصالحها في المنطقة، وبين رؤية المشيخات الخليجية، والتي كانت معتقدة بأن أميركا ستخوض الحروب عنها، فأوباما أعاد التأكيد على ان الخطر الأول في المنطقة، هو التهديدات الإرهابية من قبل الجماعات التكفيرية وفي المقدمة منها «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» وليست ايران، وان اميركا ماضية وذاهبة الى إتمام توقيع اتفاقها مع طهران حول برنامجها النووي في حزيران المقبل، وبغض النظر عن رؤية ومواقف أقرب حلفائها «إسرائيل» والسعودية ، فهي ترى أن توقيع هذا الاتفاق من شأنه ان يحتوي إيران، ويمنعها من إمتلاكها السلاح النووي، وكذلك يُمكن مستقبلياً من تعاون ايران في حفظ امن الخليج، وفي حل القضايا والأزمات الإقليمية، وهو يرى كذلك أن من مصلحة دول الخليج تأييد ودعم هذا الإتفاق، والذهاب الى حوار جاد مع طهران بدل إستعدائها.

البيان الختامي بعيداً من اللغة المعتادة في التأكيد على عمق العلاقات الإستراتيجية بين دول الخليج وأميركا، وتعهد أميركا بحمايتها والدفاع عنها في حال تعرضها لعدوان خارجي، لم يأتِ بأي جديد سوى الحديث عن العمل على إقامة مناورات عسكرية مشتركة، وكذلك التزود بأحدث الأسلحة، والتي تحرص اميركا على أن تبقى لـ «إسرائيل» اليد الطولى في جانب التفوق التكنولوجيا والعسكري.

أميركا لم تتطابق مواقفها من القضايا الإقليمية مع دول مشيخات الخليج، ففي القضية اليمنية، رغم الدعم العسكري والسياسي واللوجستي الذي وفرته أميركا لـ«عاصفة الحزم» السعودية، لكنها كانت حريصة على حل سياسي تتوافق عليه كل الوان الطيف السياسي اليمني، بينما السعودية كانت تريد أن تبقى مهيمنة على اليمن ومتحكمة في الحكم والقرار اليمني، من خلال قيادة يمنية تأتمر بأمرها، ويبدو ان أميركا أرادت ان تنقذ السعودية من ورطتها وفشلها في حربها العدوانية على اليمن، والتي باتت تنذر بنقل الحوثيين المعركة لداخل السعودية، وربما تدحرج الأمور نحو حرب إقليمية شاملة، ولذلك اقترحت ما يسمى بالهدنة الإنسانية لمدة خمسة أيام التي جرى تمديدها تمهيداً لحوار سياسي شامل بين كل مكونات ومركبات اليمن السياسية والمجتمعية من دون القاعدة كجماعة إرهابية تمارس القتل برعاية الأمم المتحدة وإشرافها وليس بإشراف السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.

وفي القضية السورية كانت مشيخات الخليج ترفض أي حل سياسي للأزمة السورية،أو أي دور للرئيس السوري بشار الأسد في رسم مستقبل سورية، معتقدة بأن ذهابها للنموذج الأفغاني في التعامل مع الأزمة السورية، سيمكنها من تعديل أو حسم الميزان العسكري على الأرض، ونمت لديها أوهام بعد ضخها المال والسلاح الكاسر للتوازنات والجماعات الإرهابية، وسيطرتها على أدلب وجسر الشغور، بأن النظام قاب قوسين أو ادنى من السقوط، وأخذت تعد العدة لعقد مؤتمرات لحلفائها من المعارضة السورية بأطيافها المختلفة في الرياض، لبحث مستقبل سورية ما بعد الأسد، وتعلن كذلك رفضها حضور مؤتمر جنيف، ولكن ما جرى في القلمون، والضربة القاصمة التي وجهها الجيش السوري وحزب الله لـ«جبهة النصرة» وما يسمى بجيش الفتح، تثبت أن النظام ما زال قوياً ومتماسكاً، وأن الحديث عن «عاصفة حزم» خليجية فشلت في اليمن، ستقبر وتفشل في سورية، ولذلك أميركا لم تحسم خياراتها بين الحل السياسي أو العسكري، على رغم أنها تميل الى حل سياسي وليس عسكرياً في المسألة السورية.

أميركا التي تعلن في شكل واضح بأن الأولوية للحرب على الإرهاب وليس على إيران، توجه صفعة قوية لمشيخات النفط والكاز، تلك المشيخات المتورطة في دعم وتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية من ليبيا وحتى مصر واليمن، من «داعش» و«نصرة» و«قاعدة» و«جيش الفتح» و«انصار السنة» وغيرها من المسميات والعناوين لنفس المنتج التكفيري الوهابي.

وهي كانت تراهن على أن اموالها قادرة على تذليل العقبات وشراء المواقف، ولتكتشف بأن دولة كباكستان قدمت لها الكثير من الدعم المادي، والمساهمة في دفع تكاليف صناعتها للقنبلة النووية، رفضت المشاركة الى جانبها في الحرب على فقراء اليمن.

لقد كانت هناك خيبة كبيرة في الملفات الخلافية بين أميركا ومشيخات النفط والكاز العربية، حيث أدركت دول الخليج، متأخرة، أن مفهوم «الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة» لا يعادل «اتفاقاً استراتيجياً» روجت له طويلاً وأخفقت في حث الجانب الأميركي على رفع سقف الشراكة إلى مستويات أرقى على رغم «توحيد» مصادر ترسانات السلاح الخليجية. أما الملفات الساخنة في الإقليم، إيران وسورية واليمن، وبدرجة أقل ليبيا، فلم يفلح قادة الخليج في التأثير على الموقف الأميركي الداعي للالتزام «بالحل السلمي والتفاوضي» رغم انقضاء أربع سنوات دامية على اعتماد الحل العسكري من دون جدوى.

قد يمر وقت طويل ويستمر القتل والتدمير والتخريب في المنطقة، والتدمير الذاتي، وتتفكك وتتحلل الجغرافيا العربية ويعاد بناؤها خدمة للمشاريع الاستعمارية المشبوهة، ولتصل النار الى عقر دار مشيخات النفط والكاز العربية، الممولة والمزودة، مالاً وسلاحاً وبشراً، ويصبح الخطر يتهدد عروشها وبلدانها وأمنها واستقرارها ووحدتها الجغرافية، قبل ان تدرك بأن المفاوضات والحوار والحلول السياسية، هي الخيار الأمثل للخروج من الأزمات، وليس القتل والتدمير الذاتي ودعم الجماعات الإرهابية.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى