هجمات «داعش» و«النصرة»

ناصر قنديل

– من اللافت للمراقبين التزامن بين هجمات واسعة تشنها «جبهة النصرة» و«تنظيم داعش» على إيقاع الحرب التي تشنها السعودية على اليمن، وكأن جبهة واحدة تتحرك من غرفة عمليات واحدة، تحمل جدول أهداف موحد، يرتبط بحصول السعودية على ما تحركت في حربها لنيله. وعندما يتوقف السعوديون يبدو أن جبهات القتال في سورية والعراق تعيش حال البرود، إما لأن التوقف السعودي هو جس نبض للمدى الذي أنتجته جولة حرب وفرص الحصول على أثمان تفاوضية، فتصدر الأوامر لـ«داعش» و«النصرة» بأقنية معقدة تنطلق من محمد بن نايف إلى شيوخ مكة وعبرهم للدعاة المنتشرين بين تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» أو عبر عادل الجبير فواشنطن فأنقرة حيث غرف عمليات مشتركة تجمع الأتراك مع كل من «داعش» و«النصرة». أو يحصل العكس، أن «داعش» و«النصرة» بعد كل هجوم يحتاجان وقتاً لهضم الإنجاز، فتسير الحركة عكسية، توقف السعودية جولة حربها لأن حربها ضجيج وعجيج بلا طحن، ومهمة حربها تأكيد الحضور من دون وهم تحقيق أهداف، بينما الرهان الحقيقي على ما تحققه «النصرة» وما يفرضه «داعش».

– يستطيع متابع الحرب السعودية على اليمن أن يتحقق بسرعة من عبثية الرهانات والأوهام السعودية على تحقيق أهداف مباشرة، على مستوى السيطرة على جزء حاسم من الجغرافيا اليمنية بعد وقائع أيام الحرب التي تقارب الشهرين، أو على مستوى لي الذراع السياسية للثوار اليمنيين الذين أبدوا قدرة على الصمود والثبات والتمسك بخطاب سياسي لا يلين ولا يتراجع تحت ضغط الضربات، بل ينجح في الامتصاص والاحتواء لحين القدرة على تنظيم هجمات معاكسة، أو تقدير الحاجة لها، ويصير الرهان السعودي على نجاحات «داعش» و«النصرة» بخلق وقائع جديدة ضاغطة في العراق وسورية يملك السعوديون مباشرة وعبر الدور الأميركي وتأثيره على تركيا وقطر، الفرصة لضبط العائدات وتوزيعها بين الساحات اليمنية والسورية والعراقية، فيصير توقف «داعش» و«النصرة» متزامناً مع توقف الحرب السعودية، بربطهما بمكاسب سياسية عنوانها اليمن حيث ضغط الحرب الجوية فقط، والعراق وسورية حيث الضغط بري فقط، لتصير حرب جيش واحد تخاض براً في سورية والعراق وجواً في اليمن، وفق معادلة القصف التمهيدي في اليمن والهجوم على الرمادي وتدمر بعد جسر الشغور وإدلب.

– شكلت حرب القلمون هجوماً معاكساً لمحور المقاومة في قلب هذا الاشتباك، ونجحت في تحقيق أول إنجاز إستراتيجي لها بفصل جنوب الحدود اللبنانية السورية عن شمالها، وبالتالي منع قطعها من جهة، ومنع تواصل قوات «النصرة» و«داعش» المتمركزة في شمال القلمون مع سفوح جبل الشيخ حيث الجيش «الإسرائيلي» من جهة مقابلة، وما يمكن أن يغير وجه المنطقة كلها إذا ما تحقق، وهذا النجاح شكل ضربة قاصمة لحلم التواصل الذي انتظره وقاتل من أجله قادة تنظيم «القاعدة» طوال سنتين، وكانت كل العمليات «الإسرائيلية» ضد الجيش السوري والمقاومة لإبقاء هذا الحلم حياً، وأمام الخطوات اللاحقة المتوقعة في حرب القلمون ومخاطر تحولها لحرب متدحرجة نحو ريف حمص وصولاً للرقة، تعود السعودية لإشعال حرب اليمن وتعود وحدات «داعش» لمهاجمة الرمادي وتدمر، لوضع عقدة تجعل الحرب محكومة بخط دفاع متمكن يحول دون تقدم المهاجمين من القلمون، فتربط قيادة «داعش» وحداتها التي ما زالت في القلمون بوحداتها الموجودة في الرقة والأنبار، وتملك بالتالي خريطة قتال تتناسب مع حجم التوقعات للمعارك المقبلة.

– ما تجمع عليه الصحافة العالمية الأميركية والبريطانية والفرنسية وكذلك الإيرانية أن الفشل في الحرب على «داعش» سواء في سورية أو العراق لا يحسب على محور المقاومة، بل على أميركا والتحالف الذي تقوده، وأن الحرب بقيت ضد «داعش» طيلة عام يكاد يمضي على ولادتها، حرب أميركا وحدها، وأنه كان يستحيل أصلاً الدخول على خط الحرب من دون تنسيق مع قوة قامت حتى الآن بخمسة آلاف غارة وقال رئيسها أن «داعش» في طريق التقهقر والانهيار، فيلتفت العالم صوب إيران وسورية والعراق ويقول لقد فشلتم، يكفي الانتباه إلى أن أميركا التي استولدت «داعش» في كنف تركيا، لاستنزاف حلف المقاومة وإخضاعه، أرادت احتكار الحرب لتتمكن من السيطرة على مجرياتها، لكن تحقيق أي نجاحات لحساب «داعش» في ظل مسؤولية أميركا عن الحرب، يسقط قيادتها ويفتح الباب لدخول حلف المقاومة بحساباته هو لا بحسابات التنسيق مع أميركا. ولذلك يبدو الهجوم المعاكس في محوري تدمر والرمادي، مهمة ستتصدى لها قوى المقاومة وخصوصاً كل من سورية والعراق، لكن على قاعدة عدم احترام المحرمات الأميركية، فالحشد الشعبي سيكون حاضراً بقوة في العراق، والقصف الجوي في سورية على مناطق سيطرة «داعش» لن يخضع للتنسيق مع أميركا.

– التناغم بين مواصلة حرب القلمون وبدء الهجوم المعاكس في الرمادي وتدمر، مسؤولية سيتصدى لها الجيشان السوري والعراقي وكل منهما معه الحليف الإيراني والقوى الشعبية والمقاومة.

– سنشهد نهاية الشهر مع موعد حوار جنيف الخاص باليمن، نهاية جولة لا بد أن تكون الوقائع فيها من القلمون إلى تدمر والرمادي قد قالت شيئاً جديداً، وعندها سنسمع حديثاً سعودياً عن هدنة إنسانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى