«النووي السعودي»… ورسائل الوهم الخائبة

كثُر الحديث مؤخراً ـ بحسب ما تناقلت وكالات الأنباء ـ عن توجّه المملكة العربية السعودية إلى باكستان، للتقدم منها بطلب شراء قنبلة نووية جاهزة، وذلك في حال سُمح لإيران بالاحتفاظ بالبرنامج النووي الإيراني السلمي، واحتفاظها بالأبحاث المتعلقة به. علماً أن نشر هذه المعلومات، ليس وليد الساعة، لا بل جاء في أعقاب احتدام الخصومة الإيرانية ـ السعودية في المنطقة. أو أنّ هذه المعلومات كانت، في سياق نتيجة طبيعية لاقتراب موعد التوقيع المزمع ما بين إيران والدول الستّ، وذلك قبيل نهاية حزيران المقبل. إنما كانت هذه التسريبات في أوقات سابقة لهذا وذاك.

إذا تخطينا موضوع التوقيت، إلى الخوض في الهدف الأساس من هذه التسريبات الحديثة، فإننا نعتقد أن توقيت نشرها اليوم، ينطوي على مجموعة من الدلالات والرسائل السعودية. وفي غير اتجاه في آن واحد، بحيث نستطيع إدراجها، وإلى من يعنيهم الأمر، ضمن ثلاثة بنود:

ـ رسالة معنوية: تتوجه السعودية بهذه الرسالة، إلى الداخل السعودي ومعه الخليجي، والعربي بشكل عام، إلى أنه ما أرادت المملكة أن تُوصف به بعد عدوانها المستمر على اليمن، بأنها «مملكة الحزم»، فإنها بالفعل أضحت كذلك. لا بل أن المملكة قد قطعت فعلاً، لا قولاً المرحلة السابقة في زمن الملك عبد الله، بحيث أن زمن الأفعال قد حلّ وزمن الأقوال قد ولّى!

ربما يعتقد الحكم الجديد في السعودية، أن هذا قد يُدغدغ آمال بعضٍ من الشعوب العربية والإسلامية، وأنها والحال كذلك، فإن «مملكة الحزم» قد أصبحت اليوم، بوصلة الشعوب العربية والإسلامية في استرداد العنفوان والكرامة العربيين المفقودين منذ ما قبل أربعينات القرن الماضي على أقلّ تقدير.

ولكن، ربما أن الحكام الجدد في المملكة العربية السعودية قد تناسوا، أنّ من يريد أن يضطلع بدور محوري كهذا في المنطقة، فإنه عليه ـ وعلى أقل تقدير ـ أن يحمل همّ العالم العربي وقضاياه المحورية، وذلك ابتداءً من فلسطين والصراع مع الكيان الصهيوني. ولكن إن تجاوزنا ذلك أيضاً، وتماشينا مع منطق «الدواعش»، بأن الوصول إلى الكيان الصهيوني مسألة لاحقة، لا سابقة! وبالتالي فإنّ الأمة يجب أن تتخلّص من «أدرانها الداخلية» قبل الخارجية… فإنّ «المملكة الحازمة» ـ وبهذا المنطق الذي تسير به اليوم ـ لهي أضحت أكثر ضعفاً ووهناً من قبل. وخير دليلٍ على ذلك، تخبطها الحالي في الوحول اليمنية، وإيغالها في سفك الدم اليمني، ومن دون تحقيق أيّ مكاسب وأهداف تذكر، والتي يمكن من خلالها أن تصبح معها، ذات مهابة واعتزاز عند من ترسل لهم هذه الرسالة النووية. أضف إلى ذلك أيضاً، أنّ استجداءها الجيوش من باكستان وتركيا والسنغال وماليزيا… وغيرها من باقي الدول، يُعمّق الشعور المعاكس لدى الشعوب العربية والإسلامية، بأن هذه الاستجداءات، ما هي إلّا دليل العجز والضعف والوهن وكل ما تعاني منه. لا بل أن تطور الميدان في اليمن سيُعرّي «حزمها وعزمها» أكثر فأكثر لدى الشرائح الإجتماعية الخليجية والعربية، وحتى الإسلامية على حدّ سواء.

لا بل أن انفجار فقاعة تضخيم دورها المأمول لديها، ستصيبها بندوبٍ لا مجال للتفصيل فيها الآن.

ـ رسالة إغرائية ـ التفافية: ربما يكون هذا التسريب السعودي، عن إمكانية شراء القنبلة النووية، ومن باكستان تحديداً، يهدف في ما يهدف إليه، إلى توجيه رسالة إلى باكستان ـ الدولة الممتنعة عن تلبية الطلب السعودي في الاشتراك في الحرب البرية على اليمن. بأن باب الإغراء المادي الدسم قد فُتح على مصراعيه، وأن المساعدات السعودية السابقة لها، لا تساوي شيئاً أمام هذه الصفقة الكبرى. علّ ذلك يجعلها تُعيد النظر في قرارها ذاك.

السؤال المطروح: هل يمكن لباكستان أن تستجيب لذلك؟ وهل أن ذلك سيخدم المصالح الباكستانية العليا؟ وهل أن القرار الباكستاني في هذا الشأن تحديداً، لهو قرارٌ داخلي صرف؟

لا أعتقد البتة أن القيادة الباكستانية الحالية ـ وبغضّ النظر عن دفء العلاقة مع المملكة ـ هي اليوم في وارد الاستجابة لهذا العرض السعودي الدسم. والأسباب تكاد لا تُعدّ ولا تحصى في هذا المضمار. فأولى الصعوبات فنية تكنولوجية تتعلق بما لا تملكه المملكة من عقول وقدرات تستطيع التعامل مع برنامج نووي متكامل. ولكن إن تخطينا ذلك، فإن هذه ستعدّ سابقة خطيرة في تجارة الأسلحة فوق التقليدية، والتي تفتح على محاذير، ذات نتائج وتداعيات خطِرة جداً في العلاقات الدولية. هذا فضلاً عن أن ذلك، سيعد خرقاً للأعراف والقوانين الدولية في تسهيل التعاون بين الدول في التكنولوجيا النووية السلمية فقط، وذلك من خلال المنظمات النووية ذات الصلة، والتي لا تسمح بذلك، هذا فضلاً عن أن هكذا قرار استراتيجي، لن يكون بمقدور باكستان أن تتخذه بعيداً عن معادلات الصراع القائمة اليوم في المنطقة والعالم برمّته على حدّ سواء. لأن ذلك سيجعل من سوق السلاح النووي ـ ليس مطروحاً أمام دولٍ، تكاد تفقد صفتها كدولة ـ إنما قد يتعدّاها إلى منظمات عالمية قد تملك صفات دولية أكثر من بعض الدول بحدّ ذاتها. والتي تتربع السعودية على عرشها جميعاً في هذا المجال!

ماذا يعني ذلك؟ إنها الرسالة الثانية، ذات النتائج المعكوسة أيضاً، والتي لن تجرؤ السعودية على تبنّيها ـ وبشكل رسميّ ـ نظراً إلى أنها تُدرك جيداً حدود الملعب الذي يُسمح لها أن تلعب على مساحته في المنطقة والعالم أيضاً.

ـ رسالة تحذيرية ـ تبليغية: تتوجه الرسالة النووية السعودية إلى إيران تحديداً، أن ما تدّعيه السعودية، بأن هناك انتفاضة حقيقية في السياسة الخارجية للملكة العربية السعودية. وأن حدود هذه الانتفاضة تخطّت السياسة إلى الاستراتيجيات التي ستعتمدها المملكة من الآن فصاعداً. وعليه، فإن المحاولة الإيرانية للحصول على قنبلة نووية، أو حتى الاحتفاظ ببرنامج نووي سلميّ، قد تدفع المملكة إلى فعل نووي، يفوق نظيره الإيراني. وذلك قد يكون قد تم ـ على عكس ما يعتقده البعض ـ بشكلٍ منسق مع أميركا في الزمن الفاصل والضيّق المتبقي من انتهاء مهلة التوقيع في نهاية حزيران المقبل. وربما تكون محاولة لرفع مستوى الضغوط على المفاوض الإيراني، خصوصاً أنّ الأخير يدرك تمام الإدراك، أن أميركا تريد الالتفاف على النصر الإيراني في مفاوضاتها معها، وذلك بعدما رضخت لفصل السلة النووية عن دور إيران الإقليمي في المنطقة. بحيث أنّ أميركا تسعى إلى الالتفاف على ذلك من خلال دعم الدور السعودي المواجه لإيران في المنطقة، إلى أبعد الحدود. وأن هذه الأخيرة لا قيود أميركية عليها، حتى لو كانت نووية!

لا نعتقد البتة، أنّ هذه الرسالة الاحتيالية الأميركو ـ سعودية، سيكون لها أي تأثير على المفاوض الإيراني في هذه المرحلة تحديداً، خصوصاً أن إيران العارفة بدهاليز السياسة الأميركية الاحتيالية والضبابية، ستنطلي عليها تهويلات كهذه. فيكفي استذكار أنّ أميركا لا تجرؤ على بيع سلاح تقليدي للسعودية، أو لأيّ دولة عربية أخرى، قد يكسر التفوق التقليدي للكيان الصهيوني على هذه الدول كافة. ومن ناحية أخرى، فإن أميركا ومن خلفها الكيان الصهيوني، يدركان الرمال المتحركة التي تقف عليها السعودية اليوم، بفعل الداخل المخيف ـ بحسب أوباما من جهة ـ وإمكانية ارتداد كرة النار اليمنية عليها من جهة ثانية.

هذا في ما خص السلاح التقليدي. فكيف بالنووي؟ هذا محال. والتساؤل الثاني يتعلّق بأميركا والكيان الصهيوني معاً. فهل أن الأولى تُريد لإيران أن تنقلب على تعهّداتها في الاتفاق النووي العتيد؟ وذلك تحت ذريعة التكافؤ مع المملكة النووية. وهل أن الفرار الأميركي من الهجوم على إيران في المرحلة السابقة، والعجز الصهيوني عن الانفراد بتوجيه ضربة استباقية للبرنامج النووي الإيراني، سيصبحان أسهل في زمن التخلّي عن التعهّدات الإيرانية، وبذريعة محقة هذه المرة، والتي ستجعل من السبحة النووية بعدها، يمكن لها أن تكرّ إلى دولٍ أخرى؟

هذا الأمر لا تحبّذه أميركا، ولا يستسيغه الكيان الصهيوني أيضاً. وبالتالي فإن هذه الرسالة ليست ذات معنى، ولن تصل إلى من يعنيهم الأمر بكل تأكيد.

خلاصة القول، تسير السياسة السعودية اليوم ـ مع الأسف الشديد ـ خبط عشواء في زمن البحث عن الدور الإقليمي المنشود، من أميركي متخفّفٍ ماكرٍ، يريد لهذه المنطقة الاحتراب الطائفي والمذهبي لعشراتٍ من السنين الآتية، وذلك كلّه لإصابة هدفين لم يُقرءا بالتأكيد ضمن استراتيجية أوباما للأمن القومي الأميركي الأولى عام 2010، وهما: ضمان الأمن للكيان الصهيوني بأقل تكلفةٍ على أميركا، ودمج هذا الكيان بمنظومة أمنية، صهيونية ـ عربية لتضييع بوصلة الأمة عن فلسطين وقضيتها المحقة وإبعادها وطمسها… فهل ستستيقظ «مملكة الحزم» من سباتها العميق؟

باحث وكاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى