معركة دفاع لا معركة هجوم

يوسف موصللي

منذ اليوم الأول للحرب على سوريةً، ومع كل خسارة كبيرة لمدينة أو منطقة، وكل مجزرة أو وقوع جنود سوريين تحت الحصار، وعدوان مباشر من «إسرائيل» أو تركيا، بعد كل مصاب جلل ألمّ بنا كان يسأل كثيرون: لماذا لا تعلن الدولة السورية الحرب وتستهدف كل دولة تعاديها؟

تكمن الإجابة في أن الدولة السورية تخوض اليوم معركة دفاع لا هجوم وهذه هي الأسباب:

1 – بعد الانتقال من عالم ثنائي القطب يفرض على كل دولة ترغب بدور أن تصطف في شكل تام ضمن أحد محورين وأن تقبل بأن يقطف ثمن مجهودها في الصراع الدولة الكبرى المشكّلة لهذا المحور أو ذاك إلى عالم أحادي القطب وفيه خياران، الأول التخلي عن السيادة لمصلحة الرفاهية المشروطة بالتبعية الكاملة، والثاني الاحتفاظ بالسيادة مع دفع أثمان باهظة في المقابل ، ننتقل اليوم إلى عالم متعدد الأقطاب فيه لكل دولة كبرى أو اقليمية أو حتى صغيرة دور مساوٍ لمجهودها ومقدراتها تماماً .

2 – في قلب هذا الانتقال تماماً، اندلعت الحرب على الدولة السورية التي كانت تشق طريقها صعوداً لأخذ دور كبير على صعيد المنطقة في هذا العالم الجديد، ولعل أبرز عنوان يختصر هذا الطموح هو مشروع ربط البحار الخمسة المتوسط – الأحمر- الخليج قزوين – الأسود الذي طرحته الدولة السورية وتشكل فيه عقدة الربط في النقل والاقتصاد وصولاً للتنمية الشاملة للمنطقة.

3 – حملت هذه الحرب عناوين مختلفة باختلاف الأطراف المشاركة بها، فهدف أميركا إسقاط السيادة السورية وإعادة تشكيل دولة موالية لها أو استنزافها وتأخير صعودها لاحقاً مع تأخير صعود دول أخرى حليفة كروسيا والصين وايران، وهدفها بالنسبة للدول الاقليمية هو توسيع نفوذها عبر وسيلة الحرب، مستغلة مناخ عدم الاستقرار المصاحب للانتقال نحو العالم الجديد الذي لا يكفي فيه الاعتماد على القطب الحاكم سابقاً لتحصيل الرفاهية والدور في المنطقة.

4 – قبل مواجهة هذا العدوان وأثناءه، لم تكن الحرب من مصلحة الدولة السورية، بل على العكس تماماً، لأن الاستقرار هو البيئة المثالية لصعودها بالاعتماد على امكاناتها الذاتية المتكاملة مع امكانات المنطقة، لذا كان لا بد من الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الاستقرار إلى أن تمر العاصفة.

5 – ولهذا، كان من الحكمة عدم الانتقال إلى الهجوم بل الالتزام بالدفاع للحفاظ على ما أمكن من النفس الطويل في حرب الاستنزاف هذه، وقبول الخسارات التكتيكية وإن كانت كبيرة وبالغة وتطاول كل مقدرات الوطن من قدرات بشرية واقتصادية وعسكرية وبنية اجتماعية وثقافية وتشويه ممنهج لكل ما يمكن تشويهه ومحي معالمه.

6 – ذلك أن الانتصار الوحيد الممكن إنجازه هو الانتصار الأخير والانتصار الأكبر، هو الصمود والحفاظ على السيادة للانطلاق منها لاحقاً في العالم الجديد، وتحقيق الازدهار والتنمية من دون منة من أحد ومن دون التبعية لأحد خصماً كان أم حليفاً.

7 – هنا من الضروري جداً أن يتحقق الوعي لأسباب خوضنا هذه الحرب، أولاً لسنا من أعلن الحرب بل هي فرضت علينا، لذا كان أمامنا خياران إما الاستسلام وإن كان بشكل تسوية وفقدان السيادة ومعها الأمل بالتنمية والازدهار، أو الصمود وتحقق النصر الاستراتيجي غالي الثمن مرحلياً وعظيم النتائج في المستقبل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى