«… وسقط السلطان»

نسيب أبوضرغم

في مقالة بعنوان: «سقوط السلطان أردوغان الأول»، أشرنا إلى أن أردوغان آيلٌ إلى السقوط الحتمي بمشروعه الإمبراطوري، حيث أنه في الأساس حارس للمصالح الأطلسية في تركيا، ولم يعُد في نزوته السلطانية يخدم هذه المصالح، لأن طموحه إلى السلطنة والهيمنة الطورانية الجديدة، هي أمور ليست في حساب أسياده في الأساس، ولن تكون في حسابهم على طاولة المفاوضات.

عُزلَ أردوغان، لم يعد على خط المفاوضات، ولم يَكُنْ ولن يكون على خط الاتفاقات، عُزِل عن حلفائه وجيرانه، وهو في طريقه إلى أن يعزل عن شعبه،

لقد خرج أردوغان على الأتراك من جهة ومشغليه الأطلسيين من جهة ثانية بمشروع يخرج في الأساس والمشكل عن دور العميل راعي المصالح الأجنبية، إضافة إلى أن هذا المشروع الإمبراطوري ذا المضمون الإخواني، أمر خارج عن ثقافة الأتراك وأهدافهم، وها هو «السلطان» يصطدم بالحائط ويخر على ركبتيه بعد أن تهشّم أنفه، ذلك أنه أمام خيارين:

الأول: أن يسعى إلى إقامة تحالف مع واحد من الأحزاب الفائزة في وقت يقف كل حزب من هذه الأحزاب في الطرف النقيض له، بمعنى أن عملية الائتلاف مع أي من هذه الأحزاب عملية قاتلة سياسياً لحزب العدالة والتنمية. ومن حيث أن الشروط التي تنتظر أردوغان من هذه الأحزاب هي شروط ذات ثقل سياسي مُبرّح عليه، لأنها تناقض بالكامل اتجاهه وجميع المفاهيم التي دأب على نشرها طيلة فترة حكم حزب العدالة والتنمية. أما الأحزاب الوازنة التي تواجهه هي:

– حزب الشعوب الديمقراطي كردي حصل على 12.94 في المئة من الأصوات.

– حزب الشعب الجمهوري حصل على 25.60 في المئة من الأصوات.

– حزب الحركة القومية حصل على 16.39 في المئة من الأصوات.

أمام أردوغان أن يختار بين أن يتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي أو حزب الشعب الجمهوري، وكلاهما يطرحان مشاريع سياسية داخلية وخارجية متناقضة مع مشاريع حزب العدالة والتنمية، ولكنهما لا يمانعان من الائتلاف إذا ما تحققت شروطهما، علماً أن هذه الشروط إذا ما تحققت فإنها تحول حزب العدالة والتنمية وأردوغان على رأسه إلى جثة سياسية.

أما في ما يتعلق بحزب الحركة القومية، فمسألة الائتلاف بينهما غير واردة على الإطلاق نظراً إلى أن حزب الحركة القومية يعتبر أردوغان خائناً لقيم العلمانية والدولة التركية العلمانية.

حزب الشعب الجمهوري يطرح منذ البدء إقفال الحدود وعدم التدخل في الشأن الداخلي السوري، وإعادة المهجرين السوريين إلى سورية وإقفال المخيمات، وكل هذه المطالب تشكل طعنة في مشاريع أردوغان التي جعل منها مضمون حراكه السياسي الهادف إلى إقامة الطورانية الجديدة.

إضافة إلى التناقض العميق في المشاريع السياسية بين الأحزاب الفائزة وحزب العدالة والتنمية، فإن طبيعة أردوغان الاستئثارية تجعله لا يستطيع أن يحتمل عبدالله غول، شريكه في حزب العدالة والتنمية، فكيف به متحالفاً مع خصومه السياسيين.

ثمة ما يحمل على الاعتقاد، بأن نتائج الانتخابات التي أجريت في السابع من حزيران لم تكن صناعة الإرادة الشعبية التركية فقط، بل ثمة بعد أطلسي في الموضوع ولا سيما الأميركي.

يبدو أنّ المشغّل لم يدرك الحدود التي وضعها له المُشغّلِ، إذْ غاب عن ذهنه أن الدمى لا قدرة لديها على أن تكون ذاتية الحركة، وأن تكون لديها مشاريعها، خصوصاً تلك التي لا مكان لها في استراتيجية المشغلين.

كان على أردوغان أن يدرس أكثر نكبة جلال بايار وعدنان مندريس، ربما كان قد وفر على نفسه وعلى محيطه الكثير من المصائب، ويبدو أن رياحاً معاكسة أخذت تشق طريقها بعد أن أجبرت الشراع التركي على الهبوط.

الاحتمال الثاني: هو في أن يعود أردوغان إلى صفوف المعارضة، بعد أن يرى أن لا بد من هذا الخيار إذا أراد أن يتحاشى مشهد جثته السياسية. وهذا الخيار سيؤدي إلى إجراء انتخابات جديدة، تقديرنا بأنها ستفضي إلى نتائج أكثر درامية من النتيجة التي وصل إليها أردوغان وحزبه البارحة.

لقد هوى الرأس الرابع بعد الحمدين ومرسي، وبقي رأس سورية شامخاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى