حراك أميركي لدخول الجيش إلى عرسال!

روزانا رمّال

تقول مصادر عسكرية واكبت المرحلة التي كان فيها وزير الدفاع السابق فايز غضن يتلقى التقارير عن وجود فرع قوي لتنظيم القاعدة ينمو في بلدة عرسال البقاعية، ويتمدّد منها لبناء وتنظيم خلايا داخل لبنان، وخصوصاً في مدينة طرابلس، أنّ الأميركيين لم يكونوا بعيدين عن هذه التقارير وكانوا عموماً يوافقون الجهات الرسمية اللبنانية في تقديراتها ومخاوفها وغالباً ما كانوا يقدّمون تأكيدات من جانبهم تصبّ في الاتجاه ذاته، وأحياناً كانوا هم من ينقل التحذيرات إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية عن تحركات مشبوهة لمجموعات «القاعدة»، ومعلوم أنّ شادي المولوي الذي يقود فرع تنظيم «داعش» في لبنان أوقفه الأمن العام اللبناني بموجب معلومات مصدرها أميركي قبل أن تقوم القائمة في عاصمة الشمال بقيادة تيار المستقبل للضغط من أجل الإفراج عنه وصولاً إلى تدخل رئيس الحكومة آنذاك نجيب ميقاتي فدخل المولوي طرابلس «أسيراً محرراً وبطلاً فاتحاً».

تروي المصادر حكاية عرسال مع الجيش على إيقاع الموقف الأميركي بوجود مرحلتين من التعامل الأميركي، الأولى كان فيها الحماس والتشجيع الأميركيين على درجة عالية لقيام الجيش بخطوات عسكرية حاسمة لمنع «القاعدة» من التمركز والتجذر في تجمعات النازحين السوريين وخصوصاً في عرسال كبوابة لبنانية على الداخل السوري وكمشروع إمارة منفصلة مستقبلية للقاعدة تمتد حتى الضنية وجرودها وصولاً إلى البحر.

أما المرحلة الثانية، فهي البرود الأميركي تجاه أي عمل قد يقوم به الجيش اللبناني والتحذير من كونه تغطية لدور حزب الله ومشاركته في سورية ودعماً غير مباشر لسورية، وتشير المصادر إلى أنّ الموقف الأميركي في المرحلتين لم يتم بالتنسيق مع الأطراف المحلية، وخصوصاً تيار المتسقبل الذي كان يقول دائماً إنّ عرسال خط أحمر، ملوّحاً بخطر الفتنة.

الفتور الأميركي نحو دور حاسم للجيش في عرسال، تترجمه، برأي المصادر، المساعدات العسكرية التقنية واللوجستية وخصوصاً الصواريخ التي كان يطلبها الجيش لطائرات الحوامات التي كان يطلب تزويده بعدد من طرازاتها الحديثة من جهة، وبالصواريخ التي تطلق منها ومنصات وذخائر صواريخ للطائرات القديمة الموجودة بحوزته.

بعد حماس البدايات ووصول التفاوض إلى مراحل متقدمة، تراجع الأميركيون واكتفوا بتقديم معونات أخرى لا تغيّر وجه المعركة ولا تعكس التشجيع على خوضها، تقول المصادر.

أما عن التوقيت السياسي لهذا التبدّل في حال وجوده، فتقول المصادر إنه جاء بالتزامن مع تقدّم «جبهة النصرة» سياسياً وعسكرياً في معارك الجولان السوري، والموقف «الإسرائيلي» الداعم لتشكيل حزام أمني من «النصرة» على طول حدود الجولان، كما كشفت الصحافة «الإسرائيلية» وتحدّث عن ذلك علناً وزير حرب العدو موشي يعالون.

وبالرغم من تراجع الحلم «الإسرائيلي» بعد عملية المقاومة النوعية في مزارع شبعا، ازداد الفتور الأميركي مع إعلان السعودية وتركيا وقطر وفرنسا مواقف تدعو إلى التمييز بين «النصرة» و«داعش» معتبرة أنّ هناك مجالاً للتعاون مع «النصرة» بوصفها مكوناً من المعارضة السورية يمكن دمجه في الحلّ السياسي، ومعلوم أنّ القوة الفاعلة لـ«النصرة» موجودة في القلمون وتشكل عرسال عاصمتها ومنها تغذي وجودها وحروبها في دمشق وحمص وأريافهما غرباً حتى طريق دمشق ـ درعا وشرقاً حتى طريقي دمشق ـ بيروت ودمشق ـ حمص وشمالاً حتى تدمر وجنوباً حتى القنيطرة.

عندما بدأت حرب القلمون وبدأ حزب الله ومعه الجيش السوري بتحقيق التقدم لم ترصد المصادر اللبنانية ذات الصلة بمتابعة الموقف الأميركي تغييراً إيجابياً نحو تشجيع الجيش على هو أبعد من التنبه لحماية مواقعه من هجمات عكسية للجماعات المنسحبة من ساحات المواجهة، مع التأكيد على الحفاظ على موقف الجيش المتوازن بين الأطراف السياسية اللبنانية المختلفة وخصوصاً حزب الله وتيار المستقبل في ظلّ التباين الكبير بينهما حول دور مرتقب للجيش في عرسال يراه الأميركيون حاجة لحزب الله.

تقول المصادر أنّ تغييراً بدأ بالظهور في اليومين الماضيين في الرسائل الأميركية نحو ضرورة تولي الجيش مهمّاته في دخول عرسال وبسط سلطته عليها وتزيين ذلك باعتباره مدخلاً إلى تقديم صورة للجيش تجمع اللبنانيين، رغم تفرقهم السياسي.

تربط المصادر هذا التغيير الأميركي بتطورين هما ما جرى في ساحات القتال في القلمون من جهة، والتفوق النوعي المفاجئ والسريع لمقاتلي حزب الله على الإرهابيين بصورة تخالف التقديرات المتداولة في الغرب عن جسم تنظيم القاعدة ومقدراته القتالية، وبلوغ المعركة مرحلة تحولت فيها عرسال إلى قنبلة موقوتة قد تفجرها القاعدة في الجسد اللبناني، انطلاقاً من البقاع في أي وقت وربما باستهداف بلدات مسيحية وليس تجمعات شيعية تبدو محصنة ومحمية، من دون استبعاد قفزة مفاجئة لمئات المقاتلين نحو مدينة زحلة رهاناً على تحريك جوارها الممسك بطريق بيروت ـ دمشق حيث لتنظيم القاعدة الكثير من الخلايا النائمة وحيث يسهل تحويل البيئة المناصرة لتيار المستقبل إلى بيئة حاضنة لـ«النصرة»، على خلفية التحريض المذهبي والتسلل نحو البقاعين الغربي والأوسط من الخلف بدلاً من المجيء من خلف الحدود السورية، فزحلة ليست هدفاً صعباً لمن يعرف تداخل الجغرافيا البقاعية.

هل يتصاعد التبدل في الموقف الأميركي بعد الضربة التي تلقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كمشغل إقليمي لجبهة النصرة والذي خسر موقعه القابض على مقدرات تركيا، الدولة الأهم في المنطقة في الحسابات الأميركية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى