سليمان وجعجع بانتظار حصرم رأياه في حلب

كتب المحرر السياسي

كان حلم المرشح سمير جعجع أن يصبح صاحب حق الفيتو في تسمية المرشح الرئاسي التوافقي ظناً منه أن ترشيحه سيصير مقدمة للبحث الرئاسي الجدي في انتخاب رئيس توافقي، وكان تفاهمه مع الرئيس سعد الحريري أنّ الفشل في حشد الأصوات اللازمة لفوزه بعد تأمين النصاب الصعب أو المستحيل، سيمنحه حق البقاء مرشحاً، لحين التوافق على رئيس يتمّ التراضي عليه بينهما بالتشاور مع العواصم الصديقة، خصوصاً باريس والرياض.

حلم جعجع الحقيقي كان أكبر، فذلك هو الحدّ الأدنى أو بوليصة التأمين، فالمعلومات التي لدى جعجع أنّ التحضيرات لهجوم الشمال ومثله هجوم الجنوب على سورية من البوابتين التركية والأردنية قد اكتملت، وأنّ إشارة الانطلاق التي بدت باندفاعة تركية وأردنية في توقيت واحد أعقب سقوط يبرود بيد مقاتلي الجيش السوري ومقاتلي حزب الله، سوف تحقق زلزالاً عسكرياً، كما كانت المعلومات التي بحوزة جعجع، تشبه ما جرى عام 1982 وجعل انتخاب سلفه في «القوات» بشير الجميّل ممكناً.

كانت عيون جعجع وقلبه في حلب بانتظار سقوطها بعد كسب، ومثلها محافظة حوران والتدفق نحو ريف دمشق والعاصمة نفسها، فسقط الحلم في حمص، وتلاشت التهديدات التركية والأردنية المفترضة برسائل إنذار سورية للحكومتين.

صار حلم جعجع حصرماً حلبياً، بينما كان الرئيس ميشال سليمان ينتظر برود حماسة جعجع، الذي قال فيه سليمان كلاماً يتعدّى بكثير ما يمكن أن يعلق به رئيس للجمهورية على كلام مرشح رئاسي، لطمأنة جعجع الحليف أنه ليس منافساً بل مجرّد لاعب احتياط في حال فشل الحلم الذي يعيشه جعجع، وبين سليمان وجعجع شقيق مشترك هو فؤاد سليمان رفيق درب جعجع وشقيق سليمان، وهو أحد الذين وردت أسماؤهم في التحقيقات بمتفجرة سيدة النجاة في انطلياس وفقاً للتحقيقات الأولية، والذي أخرج من التحقيق بقدرة قادر.

كان حلم سليمان أن يقتنع جعجع بلا جدوى مواصلة الرهان، وأن يحقق ترشيحه إغلاق الطريق على فرص تقديم العماد ميشال عون كمرشح توافقي، فيصير الفراغ هو الفزاعة التي يحملها الموفدون الدوليون والإقليميون إلى بكركي، لتغيير موقف البطريرك بشارة الراعي الرافض للتمديد والمنادي بالرئيس القوي.

باريس والرياض اللتان شجعتا على ترشيح جعجع وشجعتا الحريري على تبريد خطوط الاشتباك مع عون، وفتح قنوات تفاوض معه حول الرئاسة للحصول منه على أقصى ما يمكن الحصول عليه، كانتا تظهران جدية في السير بخيار التمديد، وبينما كانت آمال جعجع تنتظر سقوط حلب ودرعا، كان يكفي سليمان سقوط حلب لكنها مرة أخرى قصة الحصرم الحلبي.

رضخت بكركي للتهويل بالفراغ وقبلت التمديد، لكن لم تنجح على رغم انضمامها إلى حلف التمديد بتوفير النصاب وبالتالي الانتخاب، لأن تعديل الدستور مثله مثل انتخاب الرئيس الجديد يحتاج إلى نصاب الثلثين وفوقه إلى تصويت الثلثين، فالعقدة عند العماد عون ولم ينجح التهويل بتذليلها، وبقي سليمان مرشحاً استفزازياً لا يختلف عن جعجع بعيون المقاطعين.

سقط جعجع وسليمان بالحصرم الحلبي، فظهرت خطة باريس والرياض الحقيقية بطبقتها الثالثة، انطلاقاً من إدراك مسبق بحدود ما سيجري في سورية وبانتظار ما يجري.

الفيتو الروسي ـ الصيني أمس يقول ما يعرفه الفرنسيون والسعوديون من أنّ شيئاً لن يتغيّر على الساحة الدولية يسمح بإضعاف سورية، وأنّ الملف النووي الإيراني الذي يحدّد بوصلة التفاهمات على رغم قوس الأزمة الأوكرانية يسير بسرعة، وأمس كان أحد أيام تقدّم هذا الملف وفقاً لبيان وكالة الطاقة الذرية عن التوصل إلى تفاهمات جذرية، والوضع الميداني يحمل كلّ يوم جديداً لمصلحة الجيش السوري، والأهمّ هو ما جرى في حمص التي شكل استردادها من قبل الجيش ضربة قاصمة للرهانات العسكرية على المواجهات في سورية.

باريس والرياض تعرفان أنّ الكلام شيء والأفعال والوقائع شيء آخر، وجاء وقت مشروعهما الأصلي بنسخته الحقيقية، بعد استعمال جعجع وسليمان وخداع بكركي، والمشروع هو إمساك لبنان برئاسة الحكومة، التي تتحوّل إلى رأس الدولة المعنوي بوقوع الفراغ في رئاسة الجمهورية، ويصير القياس، بغياب صلاحيات حقيقية لرئيس الجمهورية وكذلك لرئيس الحكومة بمعزل عن حكومته، للبعد المعنوي الذي يحوزه رئيس الحكومة بغياب رئيس للجمهورية.

الخطة الأصلية هي ارتهان لبنان لرئيس حكومة يقود البلاد، والمفاوضة على الإفراج عن منصب الرئاسة لحساب رئيس توافقي ضعيف، من موقع تحميل المسيحيين مسؤولية الفراغ، وفي السياسة التصويب على العماد عون كمسؤول رئيسي.

مع خروج العماد سليمان من قصر بعبدا ستسقط ورقة ابتزاز رئيسية وتفقد مفعولها، ومع ذبول ورقة سمير جعجع، سيصير الوضع المسيحي متوتراً لانتخاب رئيس جديد وتستعيد الكنيسة ضغطها لحساب الانتخاب، ويصير على الرياض وباريس مواجهة وضع تبدوان فيه في موقع السطو على منصب يخصّ المسيحيين، ووضعه بحسابات عرجاء خارج منطق الميثاق الوطني اللبناني.

بعد الانتخابات الرئاسية في سورية ستتضح ماهية الموقف الأميركي من الرئاستين اللبنانية والسورية، والرابط بينهما، وطبيعة التفاوض المقبل بعدما تركت واشنطن المسرح لباريس والرياض ما قبل الفراغ.

في هذا الوقت، يستقبل لبنان عملياً الشغور يوم الأحد المقبل، بعدما انتهت جلسة الأمس كما كان متوقعاً، لن يسلم رئيس الجمهورية الذي انتخب بعد 7 أشهر من الشغور في عام 2008 أحداً الرئاسة، على رغم إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنّ الجلسة ستبقى مفتوحة حتى انتهاء ولاية الرئيس، وعندما يتوافر أي جديد سيوجه الدعوة فوراً لعقد جلسة. لكن ذلك لن يتحقق، فالساعات الـ 42 المتبقية ستشهد مشاورات واتصالات استعداداً لاستقبال فخامة الشغور، وإناطة صلاحيات رئاسة الجمهورية بمجلس الوزراء مجتمعاً.

توجه دولي ضدّ تعطيل المؤسسات

وفي السياق، أكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أنّ الانتخابات الرئاسية اللبنانية لن تنضج إلا بعد التوافق الإقليمي برعاية دولية، مشدّدة على أنّ الأمور ستأخذ وقتاً إلى أن ينجلي مشهد الانتخابات الرئاسية في كلّ من سورية ومصر، لافتة إلى أنّ هذه التطورات سترمي بظلالها على لبنان للوصول إلى رئيس توافقي يرجح أن يُنتخب في شهر أيلول المقبل.

واعتبرت المصادر أن التوجه الدولي لن يوافق على تعطيل المؤسسات في لبنان، والاتجاه لأن يبقى لبنان مستقراً سياسياً وأمنياً.

ودعت إلى عدم تسييس الشغور في موقع الرئاسة وإلى عدم مقاطعة المسيحيين المجلس النيابي ومجلس الوزراء، لأنّ من شأن ذلك أن يتحوّل إلى إشكالية سياسية.

لا خوف على الوضع الأمني

وأكد وزير الداخلية نهاد المشنوق أن لا خوف على الوضع الأمني إذا وقع الفراغ وأنّ المسيحيين أعقل من أن يعطلوا مجلس الوزراء.

جلسة الثلاثاء على المحك

وتتَّجه الأنظار إلى عمل مجلس النوّاب التشريعي بعد 25 أيّار مع إعلان النواب المسيحيين أنهم سيُعطّلون العمل التشريعي. ودعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى عقد جلسة تشريعية لاستكمال درس وإقرار مشروعي القانونين المتعلقين بسلسلة الرتب والرواتب في العاشرة والنصف من قبل ظهر الثلاثاء في 27 أيار الجاري، نهاراً ومساء. وأكدت مصادر نيابية في كتلة التحرير والتنمية لـ«البناء» أنّ جلسة سلسلة الرتب والرواتب ستعقد إذا كانت ميثاقية بحضور المسيحيين، فالرئيس بري لن يعقد جلسة تشريعية بغياب مكوّن أساسي. وعادت المصادر إلى عدم عقد الرئيس بري أيّ جلسة عندما قاطعت كتلة المستقبل الجلسات بذريعة عدم التشريع في ظلّ حكومة تصريف الأعمال.

وأكدت مصادر نيابية في تكتل التغيير والإصلاح لـ«البناء» أنّ التكتل سيجتمع يوم الاثنين المقبل ويأخذ موقفاً من الشغور في رئاسة الجمهورية وكيفية تعاطيه مع جلسات المجلس النيابي وحضوره لاجتماعات مجلس الوزراء.

وأكد عضو كتلة المستقبل النائب محمد قباني لـ«البناء» أن جلسة الثلاثاء على المحك، معتبراً أنّ النواب المسيحيين سيأتون إلى الجلسة المخصصة لمناقشة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، باعتبار أنّ هذا الموضوع هو حياتي واجتماعي بامتياز، وعدم حضورهم، سيحمّلهم المسؤولية عن تعطيل الامتحانات الرسمية.

من ناحية أخرى أكد قباني أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية ستنتقل إلى مجلس الوزراء، معتبراً أنّ مجلس الوزراء يصبح في حالة تصريف أعمال إذا استقال ثلث أعضائه، مشيراً إلى أنّ هناك اتجاهاً لدى الوزراء المسيحيين بعدم الحضور لا المقاطعة.

في المقابل، أعلن نواب القوات اللبنانية أمس من المجلس النيابي أنهم لا يستطيعون المجيء إلى الجلسات والتشريع وكأنّ رئيس الجمهورية موجود، إلا إذا تعرّض مسار المؤسسات لأيّ خطر وهو باب شديد الاستثناء.

وأكد النائب طوني أبو خاطر لـ«البناء» أنّ تزامن جلسة السلسلة مع الشغور الرئاسي يجعلنا نصبر قليلا،ً فمن تأنّى نال وتمنّى، لا سيما أنّ سلسلة الرتب والرواتب التي يقرّ الجميع بأحقيتها، بحاجة إلى درس طويل لتسير الأمور بشكل صحيح، لأنها إذا أقرّت كما هي ستدخل لبنان في مأزق اقتصادي كبير.

السلسلة والامتحانات أولى الضحايا

بات من شبه المؤكد أنّ أولى ضحايا هذا التعطيل سيكون ملف سلسلة الرتب والرواتب بعد أن دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى جلسة في 27 الجاري لاستكمال مناقشة بنود السلسلة، وفي حال حصلت المقاطعة وتعطلت الجلسة التشريعية، فالضحية الثانية ستكون الامتحانات الرسمية حيث يُتوقع أن تذهب هيئة التنسيق النقابية نحو مقاطعة الامتحانات إذا لم تُقر السلسلة ضمن الحد الأدنى من المطالب المرفوعة، وبذلك يكون فريق 14 آذار قد أدخل البلاد مرة جديدة ليس فقط في الفراغ الرئاسي، إنما أيضاً في عملية تعطيل مقصودة لمجلس النواب ستؤدي بصورة مؤكدة إلى إدخال البلاد في مرحلة من التأزم الاجتماعي وإعادة الاحتقان الشعبي إلى الشارع، عدا عن تعطيل عمل معظم الإدارات والمرافق العامة.

وأعلنت رابطة موظفي الإدارة العامة بعد اجتماعها أمس عن الإضراب العام يومي 26 و27 الجاري والاعتصام أمام مبنى الـ TVA في وزارة المالية وأمام وزارة التربية.

عهد جديد

وكانت جلسة انتخاب التي لم يؤمّن لها نصاب الـ86 نائباً من 128، شهدت غياباً تاماً لنواب الوفاء للمقاومة وحضوراً باهتاً لنواب التغيير والإصلاح في بهو المجلس، ما استدعى رفعها من الرئيس بري الذي عقد اجتماعاً في مكتبه ضمّه ورئيس الحكومة تمام سلام والرئيسين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة بحث في الانتخابات الرئاسية والاستعدادات لمواجهة الشغور الرئاسي، وأكد أنّ تحصين لبنان سياسياً يبدأ بإنجاز الاستحقاق الرئاسي ويستدعي رفع مستوى المسؤولية الوطنية لإنجاز الانتخاب وبدء عهد جديد.

ميزان الاستقرار في لبنان

من جهة أخرى، تفاعل حديث رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لقناة «المنار» وقوله: «إننا يجب أن نكون مثلثاً ثلاثي الأضلاع أنا ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري والسيد نصرالله، ولا يمكن أن يكون المثلث مفككاً».

وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أنّ العماد عون يقصد بهذه المواقف أن هذه القوى تؤثر على ميزان الاستقرار في لبنان، ولم يقصد العماد عون بتسمية الثلاثي اختزال الشخصيات الأخرى. فيما رفضت مصادر في 8 آذار رداً على سؤال «البناء» التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كلام العماد عون. وإذ سألت أين رئيس مجلس النواب من هذا الكلام، ظنت أنّ بعض الأسماء قد تكون سقطت سهواً.

الجلسة ما قبل الأخيرة لمجلس الوزراء

في سياق متصل، عقد مجلس الوزراء بعد ظهر أمس جلسة له في السراي الحكومي على أن يعقد بعد ظهر اليوم الجلسة الأخيرة له خلال ولاية الرئيس سليمان في بعبدا.

وبحث المجلس في جلسته أمس في السراي الحكومي جدول الأعمال المؤلف من مئة بند، وأقر سلسلة تعيينات هي سوزان الخوري حنا مديراً عاماً للأحوال الشخصية، وهدى سلوم لإدارة مصلحة السير، وعمر حمزة مديراً عاماً للبلديات ومجلس إدارة مستشفى بيروت الحكومي كما أقر تنفيذ طرقات في البترون وكسروان بعشرات ملايين الدولارات. كذلك وافق على اقتراح وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إصدار جوازات سفر جديدة وإلغاء الحالية تقدر قيمتها بـ400 مليون دولار.

واليوم يعقد مجلس الوزراء جلسته الأخيرة خلال عهد الرئيس سليمان وهي ستكون جلسة بروتوكولية مع جدول أعمال يتضمن 41 بنداً.

الراعي يغادر اليوم إلى فلسطين المحتلة!

وعشية حلول الفراغ في قصر بعبدا، ومع الذكرى الـ14 لعيد المقاومة والتحرير، يبدأ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اعتباراً من اليوم زيارة إلى فلسطين المحتلة هي الأولى لبطريرك ماروني منذ قيام دولة الاغتصاب في فلسطين.

ومن المتوقع أن يغادر البطريرك اليوم إلى الأردن لينتقل من هناك إلى الضفة الغربية المحتلة عبر معبر اللنبي، حيث يخضع المعبر للسيطرة الكاملة لسلطات الاحتلال «الإسرائيلي» وسيزور أولاً القدس ثم بيت لحم وبعدها يزور حيفا والناصرة وعكا ويافا.

وبينما لم تنفع كل الدعوات والاتصالات التي حصلت مع بكركي لإقناع البطريرك الراعي بالعدول عن الزيارة لما تحمله من مخاطر قد يتم استغلالها من جانب العدو «الإسرائيلي» لاعتبارها وكأنها نوع من التطبيع معه واعتراف باحتلاله لأراضي فلسطين وتشريد شعبها. خصوصاً أن الاحتلال «الإسرائيلي» بما يعرف عنه من استغلال لحالات أقل بكثير من زيارة البطريرك بهدف تقديمها وكأنها تهدف إلى التطبيع، ولذلك يبدي مصدر قيادي قلقه من أن يلجأ العدو إلى خطوات إعلامية لاستغلال الزيارة واعتبارها تبريراً لاحتلاله وتطبيعاً لاغتصاب أرض فلسطين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى