«السيدة العجوز»… قصة بطلٍ يستعيد أمجاده

عاد يوفنتوس إلى موقعه الطبيعي في قمة الكرة الإيطالية محققاً لقبه رقم 31 في الأوراق الرسمية والـ33 لدى جمهوره.

وأثبت اليوفي للجميع أن فوزه بالألقاب طيلة الأعوام الثلاثة الماضية لم يكن على سبيل الحظ ولكن بناءً على خطة واضحة ينفذها النادي بعدما كرّر فوزه باللقب هذا العام وللموسم الرابع على التوالي على رغم الظروف التي مرّ بها في بداية الموسم بالرحيل المفاجئ للمدرب كونتي وتعيين آليغري بدلاً منه، وهي الخطوة التي أغضبت جماهير الفريق وأصابت الجميع بالتشاؤم قبل انطلاق الموسم.

عودة «السيدة العجوز» الحقيقية كأحد كبار الكرة الإيطالية بدأت فعلياً منذ عام 2010 وتحديداً عندما اتخذت شركة Exor المالكة لأكبر حصة من أسهم النادي، والتي يترأس مجلس إدارتها جون الكان أحد أفراد عائلة إنييلي المرتبطة مع يوفنتوس بعلاقة تاريخيه وطيدة بتغيير إدارة الفريق بالكامل ليترأّس النادي مجدداً أحد أبناء العائلة الكبيرة، وهو أندريا إنييلي ويتولى بيبي ماروتا منصب المدير العام والمخطط الرئيسي لسياسة الفريق المادية والكروية وفابيو باراتيشي منصب المدير الرياضي بعد رحيل الأخيران عن نادي سامبدوريا بنهاية موسم 2009-2010.

ماروتا قرّر وقتها الاستعانة بالمدرب لويجي ديل نيري، الذي كان أحد عوامل نجاح ماروتا في سامبدوريا والذي تأهل وقتها على يده لدوري الأبطال في محاولة لإعادة الفريق لأمجاده مرة أخرى بعد عدة مواسم لا تليق بتاريخ «السيدة العجوز»، آخرها احتلال الفريق للمركز السابع في الدوري.

ولأن موارد اليوفي تأثرت بشدّة منذ أزمة الكالشيوبولي عام 2006 وهبوط الفريق للدرجة الثانية، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعصف بمعظم الأندية الأوروبية، قرّر ماروتا التعامل مع الأمر من الناحية المادية ومن دون أي عواطف، فقرر الاستغناء عن عدد كبير من لاعبي الفريق على رأسهم الفرنسي دافيد تريزيغيه والإيطالي ماورو كامورنيزي، بسبب ضخامة راتبهما وانخفاض مستواهما بحكم السن والتعاقد مع عدد كبير من اللاعبين الشباب على سبيل الإعارة مع وجود حقّ شراء بنهاية الموسم لمن يثبت جدارته مثل ماركو موتا وفابيو كوالياريلا وترواري لاعب آرسنال، وغيرهم.

ليهبط بمتوسط أعمار الفريق بصورة ملحوظة بالإضافة إلى خفض النفقات أيضاً مكتفياً بالتعاقد مع لاعب واحد فقط بمقابل مادي كبير نسبياً، وهو الصربي كراسيتش، إلا أن الموسم لم يسير بالشكل المأمول، وصادف الفريق سوء حظ كبير بإصابة أفضل لاعبي الفريق وقتها كوالياريلا بقطع في الرباط الصليبي، ليحقق الفريق المركز السابع ويفشل في التأهل للبطولات الأوروبية وهو ما يعني صعوبة التعاقد مع النجوم وخسارة الفريق مصدر دخل جديد.

بعدها قررت شركة Exor الوقوف مع الفريق التي تملكه بعد موجة الغضب الواسعة التي اندلعت وسط أنصاره، لتقرّر ضخ مبلغ 120 مليون يورو على سبيل القرض منزوع الفائدة، لتقرّر الإدارة اللجوء لابن النادي المخلص أنطونيو كونتي ليحلّ محل ديل نيري، ويبدأ عصر النهضة الحقيقي لليوفي بعد سنوات عجاف.

وواصل ماروتا عمله في تصفية اللاعبين منعدمي الفائدة للفريق وأصحاب الرواتب العالية نسبياً، والذي لم يستغنِ عنهم الفريق لعدم القدرة المادية على شراء البديل وبدأ ماروتا بمساعدة كونتي في التعاقد مع لاعبين من أصحاب الكفاءة العالية والرواتب المعقولة أمثال فيدال وليشتنشتاينر، وكانت الضربة الكبرى هي التعاقد مع المخضرم بيرلو من دون مقابل بعدما رفض ميلان التجديد له لأكثر من موسم وحيد وهي السياسة نفسها التي استمرت بعد ذلك.

وضم أبطال الكالتشيو بوغبا ويورنتي في صفقات انتقال حرّ ثم الأرجنتيني المخضرم تيفيز مقابل 9 ملايين يورو فقط حصل عليها مانشستر سيتي للاستغناء عن الأباتشي، كما ابتسم الحظ ليوفنتوس أيضاً كنتيجة للعمل والتخطيط بافتتاح ملعبه الجديد في أيلول عام 2011 ليصبح أول نادي في إيطاليا يمتلك ملعبه، وهو ما يوفّر مصدر دخل كبير للنادي لعدم دفع القيمة الإيجارية للجهة مالكة الملعب بالإضافة إلى حصوله على القيمة الإعلانية كاملة حيث يمنح القانون الإيطالي مالك الملعب نسبة منها.

أظهر كونتي بصماته سريعاً على الفريق ونقل شخصيته القتالية التي طالما امتاز بها لاعباً إلى الفريق فأصبح الفريق يقاتل حتى الدقائق الأخيرة وتغلب على مشكلة غياب الهداف بتحويل الفريق كله إلى هدافين فسجل أهداف يوفنتوس في الموسم الأول لكونتي 20 لاعباً ووفي الثاني 15 لاعباً وأخيراً 17 لاعباً في الموسم الأخير له وهي نسبة كبيرة جداً في عالم كرة القدم.

مع الرحيل المفاجئ لكونتي في تموز الماضي وبعد يومين من بداية المعسكر الإعدادي للموسم الجديد لجأ ماروتا لماسيمليانو آليغري المدير الفني السابق لميلان، وهو القرار الذي استقبله جمهور يوفنتوس بغضبٍ شديد وصل إلى تجمع عدد من الجماهير عند مقر تدريبات الفريق، وأطلقوا الشتائم تجاه المدرب الجديد بل وقذفوا السيارة التي كان يستقلها بالبيض والطماطم.

آليغري تعامل مع الموقف بذكاء وواقعية شديدة، فلم يتحدث إعلامياً عن الأمر واكتفى بالتركيز في عمله، في البداية استمر في اللعب بطريقة 3-5-2 التي كان ينتهجها كونتي على رغم عدم اقتناعه بضرورة الاعتماد عليها في كل المباريات بحسب ما صرح بعد ذلك ومع اهتزاز النتائج نسبياً قام بتغيير الطريقة إلى 4-3-1-2 ليضع بصمته على الفريق بشكلٍ تدريجي من دون أن يحدث أي اهتزاز في الفريق ويجني ثمار ما زرعه كونتي من حماس وشخصية البطل داخل الفريق ولكن مع تطويره خططياً إلى أقصى مدى.

وقاد آليغري الفريق للمزيد من الإنجازات فحافظ على لقب الفريق كبطلاً لإيطاليا للموسم الرابع على التوالي كما قاد الفريق للقب كأس إيطاليا بعد 20 سنة من الغياب إضافة إلى الوصول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا بعد غياب دام 12 سنة حتى وإن كانت موازنة الفريق أقل بكثير من منافسيه في البطولة الأوروبية.

على رغم أن «السيدة العجوز» لا يزال غير قادر على مقارعة الفرق الإسبانية والإنكليزية والألمانية في سوق الانتقالات، إلا أن الأمور المالية للفريق أصبحت في تحسّن ملحوظ، فازدادت الموارد بالمشاركات الأوروبية وتحقيق النتائج الإيجابية في البطولة بخلاف امتلاكه لملعبه الخاص إضافة إلى عقود الرعاية.

ووقع الفريق على عقدي رعاية خلال أشهر قليلة مع شركتي جيب وسامسونغ وأديداس بعدما قررت الإدارة الابتعاد موقتاً من الشركات الإيطالية التي تعاني من مشاكل مادية بحكم الأزمة الاقتصادية وأصبح يوفنتوس وكعادته دائماً هو النادي الإيطالي الوحيد الذي يدار بشكلٍ مؤسسي ولا يخضع لأهواء رئيس النادي وحالته المادية كما هي حال الجميع مثل ميلان بيرلسكوني وإنتر موراتي ثم الأندونيسي توهير حالياً ونابولي دي لاورنتس ولاتسيو لوتيتو وغيرهم.

يوفنتوس الآن أمامه تحدٍّ جديد، وهو معادلة رقمه القياسي، والذي تحقق في الثلاثينات من القرن الماضي بالفوز بلقب الدوري 5 سنوات متتالية، بالإضافة إلى استمرار التفوّق على الصعيد الأوروبي بالمنافسة على اللقب الأوروبي الغائب عن خزائن النادي منذ عام 1996.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى