«أنقذوا شعب سورية من براميل النظام المتفجرة!»

ِهشام الهبيشان

تزامناً مع الوقت الذي أعلنت فيه بعض الدول الشريكة بمؤامرة الحرب على سورية سعيها للحشد دولياً لإدانة الدولة السورية تحت عنوان «أنقذوا شعب سورية من براميل النظام المتفجرة»، سقط مئات الشهداء والجرحى نصفهم من الأطفال، حصيلة سقوط ما يقرب من خمسة آلاف قذيفة هاون وصاروخ من أصناف متعددة، ليس أولها صواريخ مدافع جهنم ولا آخرها قذائف الهاون أطلقتها المجاميع المسلحة الرديكالية التابعة لهذه الدول على أحياء مدينة حلب الغربية منذ مطلع شهر حزيران الحالي ولليوم، سقوط آلاف القذائف والصواريخ التي أطلقتها المجاميع المسلحة الرديكالية خلال الأيام القليلة الماضية على أحياء مدينة حلب ينسحب أيضاً على مدن سورية أخرى تعرضت هي الأخرى في الفترة الأخيرة لسقوط مئات وآلاف القذائف على أحيائها، والتي أطلقتها المجاميع الإرهابية المسلحة المدعومة بأجندة خارجية.

الحشد الدولي للدول الشريكة بالحرب على الدولة السورية لإقرار قرار الإدانة الذي لم تكتمل معالمه بعد ليس غريباً وليس طارئاً على هذه الدول، فعلى مدار أربعة أعوام وأكثر، وجدت سورية نفسها في خضم حرب عالمية في أشرس صورها، حرب معقدة ومركبة للغاية أسقطت فيها كلّ المعايير الإنسانية، عشرات الآلاف من الإرهابيين العابرين للقارات، وملايين الأطنان من الأسلحة التي دمروا بها مدن وقرى سورية بكاملها، فقتلوا أهلها وضربوا مقومات حياة المواطن السوري، وحاربوه حتى في لقمة عيشه اليومية، حرب قوامها الكذب والنفاق والمصالح الصهيو ـ أميركية، وليس لها أي علاقة بكلّ الشعارات المخادعة التي تتستر بها، ففي سورية تمّ تجهيز تفاصيل المؤامرة، على مراحل وحلقات، وبمشاركة دول عربية وإقليمية، وعلى رغم كلّ ذلك، أثبتت سورية المستقلة بشعبها وبجيشها وبدولتها الوطنية أنها قادرة على الصمود، فصمدت على رغم كلّ التحديات الداخلية والخارجية، وها هي اليوم «تقف شامخة على أهبة الانتصار» ـ «تذكروا هذه الجملة واحفظوها بقواميسكم».

إنّ المعركة في سورية لم تكن يوماً معركة مع مجموعات إرهابية عابرة للقارات، بقدر ما كانت ولا تزال معركة مع نظام عالمي جديد يرسم للمنطقة، وينسج خيوط مؤامرته في سورية ليعلن قيامه بقيادة قوى الإمبريالية العالمية والماسونية اليهودية الصهيونية، بنسيجها اليهودي ـ المسيحي المتطرف «المسيحية المتصهينة»، فهذه المؤامرة تعكس حجم الأهداف والرهانات المتعلقة بكلّ ما يجري في سورية، وهي الأهداف المرسومة تتداخل فيها الحسابات الدولية مع الحسابات الإقليمية، كما تتداخل فيها ملفات المنطقة إلى أقصى الحدود، إلا أنّ الجيش السوري صمد وكسر بصموده كلّ الرهانات الشرقية والغربية الإقليمية والعربية، فالجيش السوري حقق إنجازات كبيرة وهائلة في الميدان أذهلت العالم وغيرت سياسات ورسمت معادلات جديدة، لا يستطيع أحد القفز فوقها، والأهم من ذلك كله هو تلاحم الشعب والجيش والقيادة السياسية في معركة ضارية قادتها ومولتها ورعتها تسعون دولة في العالم، لكنّ إرادة الشعب السوري المتمسّك بأرضه والمؤمن بقضيته والمتفهم لحقيقة وطبيعة المؤامرة، أبعاداً وخلفيات، أفشل خطط الأعداء وأسقط أهدافهم بالتضحيات الجسام.

فقد كشفت تقارير شبه رسمية، وتقارير مراكز دراسات عالمية أنّ عدد الدول التي تصدر المرتزقة إلى سورية تجاوز اثنين وتسعين دولة وأنّ هناك غرف عمليات منظمة ضمن بعض المناطق المحاذية لسورية، لتدريب وتسليح هؤلاء المرتزقة ثم توريدهم وتسهيل عبورهم من أغلب المنافذ الحدودية، وخصوصاً الحدود التركية، والتي تحدثت هذه الدراسات عنها بإسهاب، شارحة كيف سمحت تركيا بعبور الآلاف من المرتزقة، لذلك من الطبيعي أن نجد اليوم كمّاً هائلاً من الإرهابيين المرتزقة قد دخل سورية، بهدف ضرب المنظومة السورية المعادية للمشروع الصهيو -أميركي، وضرب الفكر العقائدي المقاوم لهذه المشاريع، وخصوصاً المنظومة العقائدية للجيش السوري واستنزاف قدراته اللوجيستية والبشرية، كهدف تتبعه أهداف أخرى في المنظومة الاستراتيجية للمؤامرة الكبرى على سورية، لأنّ تفكيك الدولة يستلزم تفكيك الجيش ومن ثمّ المجتمع ومن ثمّ الجغرافيا، وكان هذا الرهان هو الهدف الأساس من عسكرة الداخل السوري.

وعندما نعود بالذاكرة إلى سنوات عجاف مضت، نلاحظ أنّ الهجمة الشرسة والحرب الشعواء على سورية، تلك كانت تستهدف في شكل أساسي، «العقيدة البنائية والفكر الاستراتيجي للشعب وللجيش السوري وثوابت الدولة وأركانها الأخرى، من مبادئ وطنية وقومية جامعة وشعب مقاوم زرع في فكره ووجدانه الحسّ الوطني والقومي، والأهم هو نهج السلطة السياسية التي زرعت هذه الأفكار وأصبحت قاعدة لبناء سورية القوية، سورية عنوان المقاومة والقلب العروبي النابض، ومن هنا أدركت القوى التآمرية، أنها من دون تدمير وتمزيق سورية واستنزافها، لن تصل إلى مبتغاها وهدفها الأعظم المأمول بتدمير محور المقاومة، وتنصيب «إسرائيل» سيداً للمنطقة العربية والإقليم ككلّ، وكلّ هذا سيتم، بحسب مخططها، من خلال نشر آلاف الجماعات الإرهابية المسلحة على امتداد الأراضي السورية.

ولكن تماسك وتلاحم القوى الوطنية في الداخل السوري والممثلة بثلاثية الجيش والشعب والقيادة السياسية، والتي تؤمن جميعها بقضيتها والمتفهمة لحقيقة وطبيعة هذه الحرب أبعاداً وخلفيات، فهذا التماسك أجهض خطط المتآمرين وأسقط أهدافهم بالتضحيات الجسام، فالمؤسسة العسكرية السورية، وعلى رغم كلّ ما أصابها، أرسلت رسائل واضحة وأثبتت أنها مؤسسة عميقة ووطنية وقومية جامعة لا يمكن إسقاطها أو تفكيكها ضمن حرب إعلامية، أو خلق نقاط إرهابية ساخنة في مناطق متعدّدة لمواجهتها.

أمام كلّ هذه التضحيات الجسام التي قدمها السوريون، فإنّ الحرب التي أرادتها هذه القوى التآمرية على الدولة السورية لن تنتهي، وما دامت أدواتها الإرهابية وأوراقها القذرة موجودة على الأرض السورية، ولهذا تؤمن الدولة السورية اليوم بأنّ حجم إنجازتها على الأرض واستمرار معارك تطهير أراضيها من رجس الإرهاب «بكل الوسائل والسبل المتاحة»، وبالتوازي مع ذلك المضي قدماً في مسيرة الإصلاح والتجديد للدولة السورية مع الحفاظ على ثوابتها الوطنية والقومية، هو الردّ الأنجع والأفضل والأكثر تأثيراً اليوم على هذه القوى، التي بدأت تقرّ تدريجياً بفشل مشروعها، مع زيادة حجم الخسائر التي تتلقاها على الأرض السورية.

ختاماً، علينا أن نقرّ جميعاً وبعيداً عن الحشود الدولية وخطط المتآمرين بأنّ صمود الجيش السوري والتلاحم بين أركان الدولة وشعبها وجيشها للحفاظ على وحدة الجغرافيا والديموغرافيا من الأعداء والمتآمرين والكيانات الطارئة في المنطقة والتي تحاول المسّ بوحدتها، ما هو إلا فصل من فصول آتية سيثبت من خلالها السوريون أنهم كانوا وما زالوا وسيبقون بتكامل وحدتهم، صفاً واحداً ضدّ جميع مشاريع المتآمرين، وسيستمرون في التصدي لهذه المشاريع، إلى أن تعلن سورية أنها أسقطت المشروع الصهيو ـ أميركي، وانتصرت عليه، وهذا ليس ببعيد بل يبدو أنه قريب جدّاً.

كاتب وناشط سياسي – الأردن

hesham.awamleh yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى