رومية تكشف مآزق آل الحريري والمشنوق «رقماً صعباً»

روزانا رمّال

بدون سابق إنذار غطت إطارات السيارات والنيران المشتعلة سماء بعض المناطق اللبنانية من عكار الى طرابلس والناعمة فصيدا وبيروت، والسبب الاحتجاج على فيديوات تعذيب لسجناء إسلاميين، بثت بدون مناسبة أيضاً، وانتشرت كالنار في الهشيم بين أيدي اللبنانيين، فهزت مشاعر ذويهم بطبيعة الحال والمؤيدين لهم الذين لديهم ارتباطات متشدّدة تجمعهم بأصحاب العقيدة والتوجه والتيار الفكري الذي ينتمون اليه، على الرغم من انّ بعض من عذب في التسجيلات المجهولة التوقيت والمصدر والأسلوب متهم بالإرهاب والقتل.

عسكرياً لا يمكن تقبّل فكرة إقدام عناصر من قوى الأمن او من فرع المعلومات أو من ايّ عنصر ينتمي إلى مؤسسة أمنية حول العالم على تعذيب معتقل او سجين، واعتبار انه يقوم بمهام او واجب من خلال تصويره بهذه الوضعية، وهذا بالتأكيد غير موجود في ايّ واجب وطني مهما بلغ، وبالتالي فإنّ الذي انتشر بين ايدي اللبنانيين خلال 24 ساعة هو عمل مشبوه بشكل كبير لا يتعلق بالفيديو بحدّ ذاته انما بتداعياته التي تحكي عن نفسها.

عملياً استدعى الفيديو المنشور رداً من أعلى المستويات السياسية في لبنان، أبرزها من رئيس وزراء لبنان السابق سعد الحريري ووزراء من تياره أبرزهم اشرف ريفي الوزير الذي كان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي وله باع طويل في التعامل مع الإسلاميين بحكم مركزه الأمني السابق الذي لم يستطع ليوم واحد الخروج عنه لا بينه وبين نفسه ولا بين ارتباطاته ولا في عيون اللبنانيين أنفسهم، وفي بلد كلبنان حيث يستزلم فيه المواطن لأيّ زعيم او حاكم او كلّ رئيس جهاز أمني لبناني سابق له رجاله في المؤسسة ولو غادرها، فيظلّ يؤثر ويتدخل ويتوسط ويستطلع، وهذا لا ينسحب فقط على المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، إنما على المؤسسات الأمنية والعسكرية الأخرى.

الأكيد انّ العناصر التي قامت بهذا الدور تعمل لحساب فكرة او جهاز استخبارات أو رئيس أعلى رتبة يوفر الحماية ويطلب، فالوظيفة تعتبر صعبة المنال لتعلقها بحسابات طائفية فئوية، وفي عدة أحيان يحرص العنصر او العسكري على تأجيل طلب مأذونية من رئيسه حتى، فكيف بتصوير مشاهد تعذيب لأخطر الأشخاص على السلم الأهلي في لبنان ونشرها كهاو او إبقائها في جهازه الخاص حتى للاستمتاع وهذا غير وارد.

يجند العنصر الأمني في لبنان او المأمور لخدمة بلده ووطنه، أو أنه مجند لخدمة رئيسه الأعلى رتبة وخبرة منه، او لخدمة عمله بحدّه الأدنى للحفاظ عليه كمصدر رزق من دون تشويش او خروج عن الواجب الوطني العسكري مع انضباط كامل في مؤسسته، وبالتالي الأكيد انّ قيام العناصر بهذا العمل هو تصرف جريء وشجاع جداً وملتزم جداً، وليس سلوكاً فردياً متهوّراً ولافتاً إلى درجة انه لا يشبه سلوك ايّ عنصر أمني عادي، بل أقرب الى سلوك عنصر امني لا يهاب ولا يستهاب من ايّ تحقيق مقبل، ومستعدّ للمواجهة او موعود بالحماية او بوعود اخرى بشكل أكيد، وبالتالي فهوعنصر «واحد» من اصل «كل» مجند للخدمة «x» من الناس او فكرة.

اما سياسياً فقد استطاعت الفيديوات خضّ البلاد بشكل كلي حتى طغت بلمح البصر على ملفات التعيينات في لبنان ومصير الحكومة ورئاسة الجمهورية والاستحقاقات المقبلة، وتصدّرت ردود فعل وزير العدل أشرف ريفي التي استهدفت وزير الداخلية نهاد المشنوق حتى ظهر الخلاف بينهما والمنافسة الى أعلى السطح والمستويات حتى عبّر المشنوق عن رغبته بالاستقالة اذا اضطر الأمر.

المشنوق جادّ في هذا الكلام لأنه مرتاح بشكل أكبر عملياً، فهو استطاع ان يثبت للبنانيين انّ هناك في سجن رومية اكذوبة تدعى المبنى «ب» وأمر بحسم الموضوع حتى هلل اللبنانيون له ولإنجازه واعتبرت الأوساط حينها انّ هذه نقطة سوداء في سجل أشرف ريفي مدير عام قوى الأمن الداخلي سابقاً، الذي لم يحالفه الحظ ربما بالتوفيق الى الحصول على إجماع حول الخطوة او ربما لم يبادر اليها.

المشنوق مرتاح أكثر أيضاً بسبب علاقاته الجيدة نسبياً مع كلّ الفرقاء في لبنان هذه العلاقة التي تمكنه من التخطيط لأرضية سليمة في المستقبل نحو ايّ طموح سياسي تتلقفه الاطراف بجدية داخلياً، وقد استطاع ان يعكس بهذا مقبولية خارجية كتحصيل حاصل يبدو انّ روسيا ستقطفها كفرصة للتأسيس مع حيثية جديدة غير آل الحريري في لبنان، نتيجة محادثاتها الجديدة مع السعوديين كطارئ مفاجئ دخل الى عقل ومستقبل سعد الحريري بشكل تطلب المواجهة وهذه المواجهة لا يمكن ان تكون إلا من الداخل بشكل مفيد وأكيد.

نهاد المشنوق هو ضحية في هذا الملف الذي عكس أولا المنافسة داخل التيار الواحد والانقسام، وثانياً القدرة على افتعال وبرمجة خصومه لتحرك خطير ومنظم لهذه الدرجة بتوقيت يتقاطع مع متغيّرات إقليمية حساسة من أجل الحفاظ على المكانة والدور مهما كلف الثمن.

أين يقف محمد بن نايف في هذه الصراعات سؤال يعرف الجميع جوابه؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى