الانتفاضة الشعبية السورية وانهيار رهانات أعداء سورية والمقاومة

حسن حردان

شكّلت المشاركة الواسعة منقطعة النظير للمواطنين السوريين الموجودين في لبنان في انتخابات الرئاسة السورية، الحدث الذي استقطب أنظار الجميع، والمفاجئ لأصدقاء سورية وأعدائها.

فأصدقاء سورية لم يتوقعّوا هذا الإجماع من المشاركة، والذي كان بمثابة انتفاضة شعبية بكل ما للكلمة من معنى ضدّ كل الدول والقوى التي سعت إلى سلب الشعب السوري إرادته واستقلاله الوطني، وإعادته إلى زمن الوصاية الاستعمارية بوساطة قوى إرهابية لبست ثوب الدين.

أما أعداؤها، فكانوا يعتقدون أن المشاركة ستكون ضعيفة، انطلاقاً من تصوّر خاطئ بنوه في مخيلتهم، بأن السوريين عموماً يقفون ضد دولتهم ورئيسهم بشار الأسد، وأن وجودهم في لبنان يتيح لهم حرية عدم المشاركة.

لكن كل من تابع مسار الأزمة، ودقّق في الوقائع منذ البداية، بعيداً عن حملات التضليل والتعمية التي مارستها القنوات الفضائية المرتبطة بحلف أعداء سورية، يدرك أن غالبية الشعب السوري بقيت تقف إلى جانب الدولة الوطنية السورية المقاومة بقيادة الرئيس بشار الأسد، وأن هذه النسبة في الداخل السوري عُبّر عنها في الانتخابات النيابية والاستفتاء على الدستور، وبلغت 57 في المئة. على رغم أن هناك مناطق عديدة في سورية لم يتمكن المواطنون فيها من المشاركة بسبب وقوعها تحت سيطرة الجماعات المسلحة، وكذلك وجود نحو مليونين ونصف مليون نازح سوري إلى دول الجوار بينهم مليون في لبنان ونحو مليون آخر بين الأردن والعراق. والباقي بين تركيا ودول بعيدة عن سورية.

غير أن هذا الإجماع من قبل المواطنين السوريين في لبنان على المشاركة في التصويت لمصلحة الرئيس بشار الأسد، له دلالات ونتائج هامة على مسار الأزمة في سورية، وعلى الوضع في لبنان والمنطقة عموماً.

فعلى صعيد الدلالات، يمكن القول إن السوريين في لبنان الذين يملكون حرية الاختيار والتعبير لوجودهم في بيئة لبنانية منقسمة بين مؤيد لسورية ومعارض لها، وسلطة غير موحدة في موقفها من سورية، أسقطوا عبر انتفاضتهم الانتخابية كل الذرائع التي استند إليها الغرب وحلفاؤه في معارضتهم الانتخابات، كونها ـ بزعمه ـ ستجري تحت الضغط والإكراه.

ولهذا، فإن أحداً بعد الآن لن يستطيع أن يشكك بنزاهة الانتخابات وبقرار الشعب السوري في المشاركة والتصويت بحرّية وبنسبة كبيرة لإعادة انتخاب الرئيس الأسد.

وهذه الدلالة هي التي تفسر خروج قوى «14 آذار» عن طورهم لأنهم أصيبوا بالخذلان والخيبة، وانهارت رهاناتهم التي بنوها على افتراضات غير موجودة في الواقع.

وإذا كانت المشاركة السورية الكثيفة وغير المسبوقة في الانتخابات قد عبّرت عن أصالة الشعب السوري ووطنيته وعروبته ورفضه التدخلات الخارجية في شؤونه، فإنها تشكل صفعة قوية للدول والقوى التي تآمرت على سورية، وحاولت إثارة الفتنة بين فئات هذا الشعب، وكشفت زيف ادّعاءاتهم عن احترام إرادة الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره والتعبير عن رأيه واختيار من يقوده، وفضحت نفاق الدول الغربية وأميركا التي تدّعي الدفاع عن الديمقراطية والحرية، فظهرت هذه الدول على حقيقتها، تعمل على تعطيل الانتخابات لأنها كانت تعرف أن المشاركة ستكون كبيرة، وأن نتائجها لن تكون لمصلحتها. أما على صعيد النتائج التي ستتولد عن هذه الانتفاضة الشعبية السورية فأبرزها:

أولاً: ستؤثّر إيجاباً على المشاركة في الانتخابات في 3 حزيران على نحو كبير، خصوصاً حيث التسهيلات العملية الانتخابية متوافرة بشكل كبير في سورية، وتمكّن السوريين من الاقتراع في الأماكن التي يتواجدون فيها بغضّ النظر عن مكان ولادتهم.

ثانياً: سقوط كل المنظومة السياسية والدعاية المضللة التي فُبرِكت على مدى سنوات الأزمة من قبل الدول والقوى التي قادت الحرب الإرهابية ضد سورية، وحاولت التشكيك بشرعية الرئيس الأسد وتصويره على أنه فاقد الشرعية الشعبية ولا يحظى إلا بتأييد قلة من الشعب السوري، فالرئيس الأسد يملك شرعية شعبية قوية قل نظيرها بين رؤساء الدول في العالم، وهذا السقوط لمنطق أعداء سورية وادعاءاتهم يترافق مع الانهيارات المتواصلة لجماعاتهم الإرهابية في سورية والتقدم المستمر للجيش السوري في الميدان، ما يجعلهم أمام حقيقة وحيدة، ألا وهي التسليم بفشل مخططهم وانهيار أحلامهم، وبالتالي التسليم بالهزيمة وانتصار سورية قيادة وجيشاً وشعباً.

ثالثاً: إن سورية ستصبح في وضع قوي بفضل هذا التوحد والإجماع الوطني والشعبي على مواجهة الإرهاب ورفض التدخلات الخارجية، ما سيمكّنها من تسريع عملية الحسم مع الجماعات المسلحة الموجودة في بعض المناطق. ويسهل عملية إعادة بناء سورية بشراً وحجراً.

رابعاً: إسقاط مشروع الفتنة الطائفية والمذهبية وتعزيز وحدة الشعب السوري وتكريس عروبة سورية وما يعنيه ذلك من انتصار كبير لحلف المقاومة الذي تشكل سورية أحد أهم مرتكزاته، وبالتالي هزيمة استراتيجية «إسرائيل» والولايات المتحدة اللتين راهنتا على إسقاط سورية والمقاومة لتعويم المشروع الأميركي الشرق أوسطي وتصفية القضية الفلسطينية وجعل «إسرائيل» تتسيّد كل المنطقة.

خامساً: تحفيز إجراء المصالحات في المناطق التي يوجد فيها غالبية من المسلحين السوريين، لأن هؤلاء سيشعرون أنهم باتوا يغردون لوحدهم خارج إجماع الشعب السوري، وأن المعركة انتهت، ولديهم فرصة وحيدة متاحة توفرها لهم الدولة السورية وهي التسليم لها وتسوية أوضاعم قبل فوات الأوان.

سادساً: إن سورية تسير في طريق تثبيت دولتها الوطنية وتعزيز وحدتها وتحقيق النصر على أعدائها، وهذا يجعلها قادرة على استعادة عافيتها وبناء ما هدمته الحرب، واستطراداً تعزيز دورها العربي والإقليمي.

hassan.hardan56 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى