الأمين… والدفاع الهجوميّ

أحمد طيّ

عندما يكون الدفاع عن النفس مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالدفاع عن سيادة وطن، يكون المشهد راقياً رقيّ النضال على الجبهة. وعندما ينتقل التحدي من كونه شخصياً ليشمل تحت جناحيه كلّ الحريصين الحقيقيين على الحرّيات، يكون هذا التحدي شجاعاً حد الوقوف بعزّ في مواجهة تنين الزيف.

هذا ما اختصره أمس رئيس مجلس إدارة صحيفة «الأخبار» الزميل ابراهيم الأمين، قُبيل انسحابه من جلسة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وقبيل أن يعرّيها وجاهياً ويظهر زيفها. هذه الجلسة التي كانت الأولى للمحكمة الدولية للاستماع إلى الأمين وإلى الزميلة «الأخبار»، بتهمة «تحقير المحكمة وعرقلة سير العدالة».

دقائق معدودات كانت كافية للأمين ليكون أميناً على الحريات، لا سيما حرية الصحافة، فدافع عن نفسه وعن وطنه، ثم انسحب هادئاً مطمئناً، تاركاً التخبط والتلعثم ينالان مجدهما في محكمة وُجدت فقط لطمس «الحقيقة» لا لإظهارها.

أمس، كان الأمين على موعد مع امتثال طوعيّ أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وربما ظنّت هذه المحكمة أنّ الأمين سيكون ضعيفاً، مغلوباً على أمره، «مُساقاً» إليها، لكنه فاجأها بهدوئه القويّ، وخطّته المُحكمة التي اعتمدت النظرية الشائعة التي تقول: الهجوم… أفضل وسيلة للدفاع.

دقائق معدودات كانت كافية للأمين أمس من المونتفردي لأن يقول في وجه ملتحفي أثواب العدالة: «القاضي يفرض عليّ أموراً قمعية، وأنا أرفض ما يجري…سألتزم بحقّيّ بالصمت الكامل، وأرفض توكيل أيّ محامٍ من قبل المحكمة».

وشدّد الأمين على أنه حاضر بالنيابة عن نفسه وعن شركة «الأخبار»، لافتاً إلى أنه لم يفهم بعض ما جاء في القرار الاتهامي، وقال: «لا أحتاج إلى الاستماع لهذا القرار طالما لا يحق لي مناقشته».

وإذ أشار إلى أنّ حضوره إلى الجلسة لم يكن بمحض إرادته الحرّة، بل أقرب إلى «مذكرة جلب»، ذكّر الأمين، وعلى مسمع كل الحاضرين في المحكمة، بأنه يعتبر هذه المحكمة غير شرعية، وأنّها مؤسسة لم تضمن يوماً سلامة العالم.

وسريعاً شرع الأمين بإعطاء الأمثلة، فلفت إلى أنه و«على مسافة 100 كيلومترٍ حيث توجد أرض اسمها فلسطين، لا يمكن أن يقرّر شعبها مصيره، ولا يتحرّك مجلس الأمن لملاحقة مجرمي الحرب من الصهاينة، فكيف لعاقل أن يحترم قرارات مجلس الأمن؟ إنّ مجلس الأمن هذا أراد من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أن تكون أداة سياسية ليس إلا».

وذكّر الأمين بعدوان تموز عام 2006، إذ شنّت «إسرائيل» حينذاك حرباً على لبنان، وارتكبت مجازر أدت إلى مقتل 1200 شخص، ولم يحاسبها أحد. «وخلال العام الماضي، ارتُكبت مجازر مروّعة طاولت لبنانيين، فقط بسبب انتمائهم الطائفي، مع الإشارة إلى أنّ القتلة يحظون بدعم أكيد من لبنان والمنطقة والعالم الذين يدعمون المحكمة»، متسائلاً في هذا الخصوص: «هل تريدون أن نوافق على قرارات محكمتكم».

أبدع ابراهيم الأمين في استثمار ظهوره أمام المحكمة الدولية أمس، وكان هجومه خير دفاع، وانسحابه خير إباء، ونجح في تعرية المحكمة وإظهارها كأداة قمع وقهر، وتنفيذ مآرب سياسية تبدأ من أقبية مظلمةٍ في واشنطن، ولا تنتهي بين «غُلمانٍ» في لبنان!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى