زاسيبكين لـ«البناء»: ما يهمّنا برنامج الرئيس اللبناني لا شخصه

هتاف دهام

انصبّ الخلاف الروسي – الأميركي حول الأزمة الأوكرانية في المنطقة. فمنذ أن فتح الغرب جبهة أوكرانيا أصبحت المشكلة أصعب في سورية، إذ لم تعد هناك اتصالات جدية حول الحلّ السياسي في سورية، خلافاً للموقف الروسي.

يهاجم الغرب روسيا لأنها تمارس سياسة مستقلة، فيما هو لديه أجندة خاصة وأهداف استراتيجية تتعلق بمحاولات فرض الهيمنة على مناطق عديدة في العالم. كل ذلك لم يثنِ روسيا عن دعمها سورية والرئيس بشار الأسد في حربه ضدّ الإرهاب والقوى المتطرفة المدعومة من الغرب، مع تأكيدها أهمية الحلّ السياسي للأزمة وإجراء الحوار الوطني.

وعلى عكس الانتخابات الأوكرانية التي اعتبرتها روسيا محاولة لإعطاء شرعية لوضع غير شرعي، دعمت موسكو الانتخابات الرئاسية السورية، ورفضت أي مقايضة بين الاعتراف بالرئيس السوري وبين الاعتراف بالرئيس الأوكراني.

ولما كان لبنان بين مطرقة الخلاف الايراني – السعودي وسندان الأزمة السورية، فإنّ الاهتمام الروسي ينصبّ على ضرورة تحييد لبنان عما يجري في سورية والعمل على حماية الاستقرار وانتخاب رئيس للجمهورية بتوافق لبناني- لبناني.

وفي السياق، يؤكد السفير الروسي الكسندر زاسيبكين في حديث لـ«البناء» أنّ روسيا لا ترغب بأن يكون هناك تأثير سلبي للأزمة الأوكرانية في الملفات الأخرى، بما في ذلك الوضع في سورية، لأننا بذلنا جهوداً كبيرة طوال السنوات الثلاث للانتقال إلى التسوية السياسية في سورية وفي الوقت نفسه نلاحظ أنّ الأزمة السورية على غرار الأزمة الأوكرانية تنبع من المصدر ذاته أي الطموح الغربي بالهيمنة كما حدث في يوغوسلافيا والعراق وليبيا.

وإذ رأى زاسيبكين «أنّ هناك تشابهاً بين الأحداث في سورية والأحداث في اوكرانيا، قال: «نحن لدينا الاقتراحات لمواجهة الأزمتين في الطريقة نفسها من خلال وقف العنف وإجراء الحوار الوطني».

ويشير إلى أنّ الذي يختلف أنّ النظام الحاكم في سورية صامد ومقاوم، فقوى المعارضة المسلحة والمقاتلون الأجانب المنتمون إلى الأطراف الخارجة لم يتمكنوا من إسقاط النظام، بيد أنّ النظام في أوكرانيا قد سقط.

الزحف الجماهيري لانتخاب الأسد يؤكد التلاحم والالتفاف حوله

يرفض السفير الروسي الحديث عن مقايضة بين الاعتراف بالرئيس السوري وبين الاعتراف بالرئيس الأوكراني. قائلاً: «الأسد منذ البداية وإلى الآن هو رئيس شرعي، أما في أوكرانيا فالانتخابات محاولة لإعطاء شرعية لوضع غير شرعي».

ويشدّد على أنّ الزحف الجماهيري لانتخاب الأسد يؤكد التلاحم والالتفاف حول الرئيس الأسد، فالشعب السوري يريد الاستقرار ووقف الحرب، ولن يسمح بوصول القوى المتطرفة التي كانت تمارس الانتهاكات في المناطق السورية لجهة الذبح والقتل، إلى السلطة، فعلى رغم الموقف الغربي الذي أكد ضرورة تنحّي الأسد والذي لا يخدم ولن يخدم الحلّ السلمي في سورية، فإن الالتفاف السوري حول الأسد كان واضحاً في الانتخابات الرئاسية التي أجريت.

لم تعد هناك اتصالات جدية حول الحلّ السياسي في سورية

وقال: «عندما طرحنا مع الأميركيين والدول الغربية والمشاركين في عملية جنيف، ضرورة الحلّ السياسي كان هناك توافق حول هذا السيناريو. وكنا نعتقد أننا من الممكن أن نستمرّ بذلك عبر جنيف 3 و4 و5، إلا أنّ الغرب فتح جبهة جديدة في أوكرانيا وأصبحت المشكلة أصعب. ومنذ تلك الفترة لم تعد هناك اتصالات جدية حول الحلّ السياسي في سورية، على رغم أننا نريد تعيين مبعوث جديد لسورية خلفاً للأخضر الابراهمي، ونريد تحديد موعد جديد لجنيف 3».

وأمل بأن تعطي الانتخابات الرئاسية السورية «دافعاً جديداً لجهود الحلّ السياسي، فنحن نرحّب بالتوافق بين السوريين أنفسهم، وهناك تجربة المصالحات الداخلية، ونحن سنواصل النهج نفسه الذي اعتمدناه في بيان جنيف».

محاولات إيجاد معارضة معتدلة في سورية فشلت

وعن احتمال أن يطلب الرئيس الأميركي باراك أوباما من الكونغرس أن يساعد المعارضة المسلحة، سأل: «هل في سورية معارضة مسلحة معتدلة؟ فكلّ المحاولات لإيجاد هذا النوع من المعارضة فشل في الماضي، والفصائل المسلحة في المعارضة هي الفصائل المتطرفة وكلّ الأقاويل عن تعديل ميزان القوى هي من الأوهام أو من المناورات للمماطلة وإطالة أمد الأزمة».

الحق الإيراني في استخدام الطاقة النووية السلمية

لا يخفي السفير الروسي أهمية المفاوضات الإيرانية مع الدول الست، وأشار إلى أنّ مضمون المفاوضات الإيرانية مع الدول الست مفيد للجميع إذا تمّ الحلّ، لا سيما أنّ هناك تشدداً على الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، ما ينعكس إيجاباً على الأجواء الدولية، مع التأكيد على الحق الإيراني في استخدام الطاقة النووية السلمية وتثبيت هذا الحق.

وإذ أشار إلى أنّ الهدف المرغوب بالمفاوضات يتجاوز مصلحة المشاركين والمجتمع الدولي ككلّ، أكد: «أنّ إدخال الملف الإيراني في الملفات العالقة الأخرى غير مفيد».

الاستحقاق الرئاسي قرار لبناني – لبناني

لا تخفى على أحد تداعيات الوضع في سورية على لبنان. ولذلك من الطبيعي وفق السفير الروسي اتخاذ إجراءات لتحييد لبنان عما يجري، مع تأكيد اهتمام بلاده الشديد بلبنان واستقراره.

لا يتحدث السفير الروسي عن أفضلية لشخصية سياسية على شخصية أخرى للرئاسة الأولى، فروسيا لا تتدخل في الأسماء، ولا يجوز وفق زاسيبكين «أن يزكي أيّ طرف خارجي اسماً معيّناً أو أن يضع فيتو على اسم آخر، لأنّ من شأن ذلك أن ينعكس سلباً، فعلى القوى الخارجية تشجيع القوى السياسية اللبنانية على إنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون التدخّل في التفاصيل، فالاستحقاق الرئاسي يجب ان يحصل بقرار لبناني- لبناني، مع إشارته إلى أنّ عملية التشاور بين القوى السياسية ستستغرق الوقت لتنضج وهذا من خصوصيات المطبخ السياسي اللبناني».

ما يهمنا البرنامج السياسي للرئيس

وجزم زاسيبكين أنّ أياً من الدول الخمس والسعودية وإيران لا يقف ضدّ إجراء الاستحقاق الرئاسي، مشيراً إلى إشارات إيجابية لجهة التطورات الإقليمية وتحديداً الإيرانية – السعودية التي قد تكون عاملاً مساعداً، إلا أن الاستحقاق في النهاية هو في صلب عملية التشاور بين اللبنانيين.

وشدّد على أنّ رئيس الجمهورية «يجب أن يكون نتيجة التوافق السياسي بين القوى الأساسية، حول القضايا الأساسية والأجندة الداخلية، فالمهم بالنسبة إلينا البرنامج السياسي للرئيس لا اسم الرئيس، لجهة معالجة الوضع الأمني والحفاظ على الاستقرار».

وإذا كان البعض يعتبر أنّ الزمن الراهن هو زمن الجيوش من مصر إلى سورية فلبنان، فإنّ زاسيبكين يعود إلى ما حصل في إطار «الربيع العربي»، عندما كانت المراهنات في المرحلة الأولى على القوى السياسية الإقليمية الجديدة قوى ليبيرالية وفي الوقت نفسه إسلامية تقليدية «الإخوان المسلمين» أشار إلى أن من التجارب التي حصلت «اتضح أن من الصعب جداً تأمين الاستقرار والإصلاح المطلوبين للناس من طريق هذه الجماعات، فتمّ اللجوء إلى الاعتماد على الجيش كما حدث في مصر»، أما في لبنان فيقول زاسيبكين: «إذا حصل ذلك لكلّ حادث حديث».

الغاز والنفط شأن استراتيجي

لا يقتصر الاهتمام الروسي على الشأن السياسي اللبناني، بل يطاول الجانب الاقتصادي. ترغب روسيا في تطوير التعاون الاقتصادي مع لبنان الذي يتطلب أجواء سياسية مناسبة، فالغاز والنفط في بحر المتوسط شأن استراتيجي ويتعلق بمصالح لبنان في الدرجة الأولى والشركات التي ستشارك في التنقيب واستخراج النفط والغاز من بينها الشركات الروسية، تتطلب أجواء مناسبة وهذا يتوافق ومصالح جميع المشاركين في المستقبل في استخراج النفط.

لا أفق للتصعيد العسكري

وفي الشأن الاوكراني يؤكد السفير الروسي «أنّ مصطلح موالين لروسيا غير دقيق في أوكرانيا لأنّ الشعب الذي يريد الأمن والاستقرار هو المستهدف من قبل القوات التي تتصرف تحت أوامر لسلطات غير شرعية في كييف».

وشدّد على أنّ الوضع في أوكرانيا، «يجب أن يعود إلى الوجه السياسي، فالتصعيد العسكري لا أفق له وسيؤدي ذلك إلى دمار. نحن نعلم من تجربة الدول الأخرى أنّ الحلّ السياسي هو الأساس. وفي أوكرانيا يوجد اتفاق وقع في شهر أبريل حول وقف العنف وتهديد الأجواء وإجراء حوار بين الأوكرانيين، يجب العودة إليه».

ما يحصل في كييف انقلاب

في رأي زاسيبكين أن ما يحصل في كييف «هو انقلاب بتشجيع وتأييد من الدول الغربية وبأهداف غربية وتحالف مصالح واغتصاب للسلطة من المرتبطين بالغرب».

وإذا كانت الانتخابات التي حصلت في أوكرانيا لإعطاء الشرعية لسلطات غير شرعية في كييف، كما قال زاسيبكين، «فإنّ الحوار بين الأوكرانيين وتعديل الدستور المطلوب، بهدف تأمين الحقوق والمصالح المتساوية لكافة الاقاليم في أوكرانيا، لم يحدث».

روسيا جاهزة للتعامل مع الواقع وتحترم خيار الشعب الأوكراني هذا ما يقوله السفير الروسي الذي شدد على أن بلاده «تهتم بالافعال لا بالمواصفات، والافعال اليوم في كييف تتجه إلى تصعيد الأوضاع لا إلى تخفيض حدة التوتر».

الغرب يهاجم روسيا لأنها تمارس سياسة مستقلة

وإذا كانت روسيا قد تقدمت بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يدعو لإنهاء فوري للعنف في اوكرانيا، فإن زاسيبكين رأى: «أن لا تفاهم في مجلس الأمن حول ذلك، لأنّ الغرب لديه أجندة خاصة وأهدافه الاستراتيجية متعلقة بمحاولات لفرض الهيمنة على مناطق عديدة في العالم، ويهاجم روسيا لأنها تمارس سياسة مستقلة».

ولما كانت أوكرانيا جسراً بين روسيا وأوروبا اقتصادياً وعبرها ينقل معظم الغاز الروسي إلى أوروبا، أكد زاسيبكين «أنّ أوكرانيا في وضع متدهور اقتصادياً ولذلك يجب أن يكون هناك مساعدات، ولكن يجب أن يكون هناك اتفاق معين على هذه المساعدات ويجب معالجة موضوع الغاز، وموضوع الشراكة مع الأوروبيين التي أصبحت ذريعة للانقلاب، والتي تحولت من المسألة الاقتصادية إلى المسألة الأمنية والسياسية».

ولفت زاسيبكين إلى أنه «إذا تحققت هذه الشراكة ربما تكون لها انعكاسات سلبية على روسيا لجهة تصدير البضائع الأوروبية إلى أوكرانيا».

الاتحاد الأوروـ آسيوي قفزة نوعية

وفي السياق يتحدث زاسيبكين عن الاتحاد الجمركي لجمهوريات عدة في الاتحاد السوفياتي السابق، والذي تحول مؤخراً إلى اتفاق حول اتحاد الأوروـ آسيوي الموقع بين روسيا وبلاروسيا وكازاخستان وربما ستنضم أرمينيا وقيرغيزيا وهذه قفزة نوعية في علاقات التكامل بين هذه الجمهوريات ويفتح مجالاً أوسع للتنقل الحر للقوى العاملة والبضائع بين هذه الجمهوريات. وهذا سيكون الأساس لتكامل اقتصادي كان منذ عشرات السنين الماضية بين هذه الجمهوريات.

ودعا زاسيبكين «أوكرانيا إلى إيجاد مكانها بين هذه المستجدات الاقتصادية»، وأكد أن الهدف في المستقبل «أن تكون المنطقة موحدة اقتصادياً من البرتغال إلى الشرق الادنى لروسيا، فنحن نتخذ في الدرجة الأولى خطوات في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وإذا انضمت أوكرانيا إلى هذه الوحدة يكون ذلك مفيداً لها، فالتكامل الاقتصادي خلال القرن العشرين كان في هذا الإطار».

التعاون مع الصين استراتيجي

ولفت إلى أن روسيا ترى أنّ التعاون مع الصين في مجال الغاز وفي مجال الطاقة النووية والطيران والمجالات الأخرى، هو خطة استراتيجية لعشرات السنين، وبخاصة أنّ هذا يتعلق بالمناطق الشرقية لروسيا، وتطوير هذه المناطق من النواحي كافة. ولا يعتبر السفير الروسي توريد الغاز للصين بمثابة فقدان الأسواق الأوروبية، فالتعاون مع الصين لن يلغي التعامل مع الدول الأوروبية ولن يؤثر سلباً.

البريكس من أنجح التجمعات

تسعى روسيا وفق سفيرها في لبنان إلى التعددية والمشاركة في تجمّعات، فالمصلحة الاقتصادية أدت إلى تشكيل تجمع بريكس، ثم شاهدنا تفاهمات سياسية علاوة على المصالح الاقتصادية، فتجمع البريكس من أنجح التجمعات في العالم المعاصر، ومنظمة شنغهاي هي تجمع يستفيد منه جميع المشاركين به في مجالات عدة، والأهم بالنسبة لزاسيبكين أن هذه التجمعات ليست مثل الحلف الأطلسي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى