الكباش الروسي ـ الأميركي في المنطقة

محمد أحمد الروسان

تفيد معلومات أجهزة متابعة لمجريات أوضاع المؤسسات الأمنية الفدرالية في الولايات المتحدة الأميركية، وبعد استعصاء بل فشل الرؤية الأميركية وبعض العربية في سورية، وما حدث ويحدث في أوكرانيا وما بعد الضمّ الروسي الناعم للقرم من دون إطلاق رصاصة واحدة وخسارة جندي روسي واحد، أنّ ثمّة مصادر إعلامية على مستوى عال وعلى علاقات بمصادر عليمة في مجلس الأمن القومي الأميركي والبنتاغون الأميركي، سرّبت معلومات دقيقة لبعض وسائل الميديا المقرّبة والموثوقة، إذ نشرت الأخيرة حديثاً تقريراً أمنيّاً بلغة صحافية وعلى شكل تحليل إخباري ورد فيه: أنّ الـ«سي آي إيه» اتجهت وتتجه نحو إنشاء محطات استخبارية جديدة في الخارج ورفدها بالعناصر البشرية كمحللين للمعلومات من الداخل الأميركي ومن مواطنين خبراء من مواطني الدول الحليفة التي تستضيف مثل محطات استخبارية أميركية كهذه، عبر مذكرات تفاهم استخباريّة، بخاصة في دول الجوار السوري. كما تسعى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لتوسيع محطاتها الخارجية الراهنة وتطويرها ورفدها بالمزيد من المحللين ضمن عملية مستمرة وإعادة هيكلة تنظيمية وإصلاحات حقيقية فيها.

في تقديري كمتابع دقيق لمعظم التفاصيل أنّ ذلك يُعد جزءاً مهماً من استراتيجيات استخباريّة طويلة المدى، لـ«السي أي إيه» في الخارج الأميركي وفي القواطع والمثلثات الإقليمية لعمل المحطات القديمة المراد تحديثها على نحو شامل، والجديدة المنوي إنشاؤها ضمن رؤية مستحدثة أو البدء في عمليات الإنشاء والتأسيس ووضع الخطط والبرامج. وأسهب في الإيضاح التقرير الآنف ذكره، المنشور في مجتمع الميديا الموثوق والمقرّب في الداخل والخارج الأميركي منذ مدد زمنية، لجهة زمن عمليات التوسع الخارجي لأنشطة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بخاصة بعد حوادث أيلول الأميركي الأسود عام 2001، وإنشاء الحكومة الأميركية السريّة في 12 أيلول 2001 بقيادة ديك تشيني ورامسفيلد، لناحية إنفاق الأموال الطائلة سائلة وعينية وزيادة في عدد الضباط والمحللين وعناصر جمع المعلومات في الخارج وعلى أرض الميدان العملياتي، مع تنفيذ المزيد من العمليات العسكرية السرية وضربات جوية بواسطة طائرات من دون طيار مع بدء ما يسمى بـ«الربيع العربي».

كما أفادت معلومات استخبارية متابعة للشأن الاستخباريّ الأميركي، بأنّ مديرية التخطيط والسيطرة الاستراتيجية في «سي آي إيه» عقدت ورشاً عديدة أنتجت دراسات تتميّز بالطابع الإستراتيجي الأمني، عالي الدقة والموضوعية في تطوير القدرات الأميركية والعناصر البشرية المؤهلة والمدربة وتحديثها، وقدرات مواطني الدول الحليفة لها في العالم، بخاصة في الشرق الأوسط، عبر نشر المزيد من المحطات الاستخبارية الرئيسية الجديدة والفرعية، المستولدة بفتح اللام والمستولدة بكسر اللام لفروع أخرى وتطوير الموجود راهنا ًمنها.

بسبب الإخفاقات الأمنية الاستخبارية، وعبر فجوة إشكالية المعلومات الاستخبارية التي عانت وتعاني منها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لجهة الأخطاء في التخمينات والتقديرات، ولا سيما في المشهد الصيني، والكوري الشمالي، والمشهد التايلندي ومناطق جنوب شرق أسيا، وحيال المسرح الإيراني والباكستاني، والمسرح الأفغاني والعراقي والمصري،

والتركي والسوري، والمسرح الأوكراني وعقابيله المستمرة، والعلاقات الروسية الصينية ومسارات تطورها، وفي الملف اللبناني والمقاومة وحزب الله، وفي ملف الدولة الأردنية والحراك السياسي الفاعل داخل مؤسسات الدولة الأردنية الرسمية والشعبوية… فالوكالة فشلت فشلاً ذريعاً، إن لجهة تقديم المعلومات الضرورية والكافية التي تتمتع بالصدقية والدقة، في وقتها المناسب والداعمة قرارات الإدارة الأميركية، خاصةً قرارات مجلس الأمن القومي الأميركي، ووزارة الخارجية الأميركية، ومؤسسة البنتاغون، ودعم تخمينات مجمّع الاستخبارات الأميركي وتقديراته، فكانت النتائج مخيبة للآمال وغاية في السوء.

الاختراقات الأمنية الاستخبارية لأروقة الوكالة نفسها ومنشآتها من قبل شبكة الاستخبارات «الإسرائيلية» مستمرة على قدم وساق الآن مع أجهزة «الموساد» و«الشين بيت» و«آمان»، إذ درجت هذه الأجهزة على تقديم تخمينات وتقديرات أمنية وسياسية مغلوطة، لتضليل الاستخبارات الأميركية ومراكز القرار السياسي الأميركي، لجهة مجريات الأوضاع في الشرق الأوسط، وأوضحنا وفي أكثر من تحليل سابق، كيف كان كل من السفير جيفري فيلتمان المساعد السياسي الراهن لبان كي مون، ودينيس روس الفاعل والمتفاعل بعمله الراهن مستشاراً غير معلن لشعبة الدراسات في الموساد «الإسرائيلي»، يفبركان تقاريرهما إلى رئيس مجمّع الاستخبارات الأميركي – إذ كان قليل الاهتمام بها ولم يكترث بتفاصيلها – من خلال مكتب الاستخبارات والبحوث التابع للخارجية الأميركية، حيال الملف الإيراني، والملف السوري، والملف اللبناني-حزب الله، وملف الأوضاع الفلسطينية ومآلاتها، وملف الحراك السياسي الفاعل في الدولة الأردنية وآلية تفاعل مجتمع الاستخبارات الأردني معه.

كما فشلت الـ«سي أي إيه» في التخمينات والتقديرات لردود أفعال شعوب وحكومات الدول الحليفة والصديقة، لناحية توجهات السياسة الخارجية الأميركية، فتجذّر العداء لأميركا وزاد وتفاقم، ولم تستطع إدارة الرئيس باراك أوباما حتّى هذه اللحظة وضع استراتيجية مواجهة التحوّلات والتقلبات، في أمزجة القيادات السياسية للدول وأمزجة شعوبها. إذ أدّت تحوّلات السياسة الخارجية التركية، على المستوى التكتيكي والاستراتيجي، إلى إرباك جميع حسابات السياسة الخارجية الأميركية ذات العلاقة والصلة بملفات الشرق الأوسط، والشرق الأدنى، والبلقان، والقوقاز الشمالي والجنوبي على حد سواء.

كان لردود الفعل القوية والمنسجمة مع رؤية الدولة للشارع الأردني المسيس بأطره الشعبوية والإعلامية والسياسية والحزبية والعشائرية، الرافض أي تدخلات أميركية في شؤون دولته بما يخص حراكه الداخلي، أن أربكت أيضاً السياسة الخارجية الأميركية التي تنظر إلى الملف الأردني كمخرجات للملف الفلسطيني، والرهان يكون على تماسك الجبهة الداخلية الأردنية، ضدّ محاولات أميركية تمارس في الخفاء والعلن على الدولة الأردنية للقبول ببعض مخرجات مفاوضات التقريب السريّة الراهنة بين الفلسطينيين و«الإسرائليين» عبر أطراف أخرى غير معلومة، وبعيداً عن إعلان تشكيل الحكومة الفلسطينية، والتلويح دائماً وأبداً بالورقة الاقتصادية وما تعاني منه الموازنة العامة للدولة من سوء، مع التذكير بأن الملك عبد الله الثاني كان ولا يزال يعتبر أنّ القبول بما ترمي إليه هذه الضغوط بمثابة انتحار سياسي، مما يؤكد باستمرار أن الدولة ورأسها يرفضان ويقاومان مقاومة الرجل المستميت، ضغوطاً سريّة وعلنية عبر إغراءات وتهديدات تنوء تحت قوّتها وثقلها أوتاد الأرض، والسؤال الآن هو: هل ستصمد الدولة الوطنية الأردنية في مواجهة هذه الضغوط إن لجهة الموضوع الفلسطيني وتشابكاته مع الداخل الأردني، وان لجهة المسألة السورية والوضع الجديد في العراق بعد الانتخابات الأخيرة؟

تساوقاً مع مخطط استراتيجية وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التوسعي بشراهة ، وما يلقي بأعباء نوعية على كاهل البعثات الدبلوماسية الأميركية في العالم والشرق الأوسط بخاصة، وعلى كاهل موازنة الدفاع والأمن الأميركية، تتحدث معلومات سرّبت إلى تلك الميديا المقرّبة والموثوقة، ضمن هذا النسق والسياق وتحت عنوان الهندرة الأمنية لـ«سي أي إيه» وتعزيز عملها الخارجي، إذ أصدر وزير الحرب الأميركي قراراً واضحاً برفع مخصصات العمليات السرية الأميركية في اليمن وإيران، وسورية وأوكرانيا وتايلند والحدائق الخلفية للفدرالية الروسية عامة. إذ تهدف هذه العمليات السريّة الأميركية الى تدمير الأهداف المعادية والعمل على بناء الشبكات الصديقة وإنجاز الاستطلاعات وجمع المعلومات وإعداد وتمهيد المسرح الميداني، استعداداً للعمليات والمواجهات المحتملة المقبلة، وبرزت التقارير الأمنية المسرّبة عمداً الى بعض مجتمع الميديا المقرّب الواسع الانتشار، بسبب نوعية المعلومات وكمّها، على نحو متزامن مع إقصاء بعض كبار ضبّاط الاستخبارات داخل مجاميع الاستخبارات الأميركية في الداخل والخارج.

تم تحميل من أقصي الضحايا مسؤولية نقاط الضعف كلّها والأخطاء والاختراقات الأمنية الاستخبارية العسكرية، وما ترتب عليها من نجاحات لحزب الله اللبناني في تعزيز قدراته العسكرية، وصعود حركة طالبان باكستان وطالبان أفغانستان من جديد وبقوّة، وصعود حركة أنصار الشريعة في ليبيا، وصعود الجماعات المسلحة في سيناء من أنصار جماعة بيت المقدس وغيرها وفي درافور وما يحصل في داخلها سرّاً الآن، وحركة بوكو حرام وتصاعدها في نيجريا، ونشاطات للجماعات المسلحة في الجزائر وهي في تصاعد، فضلاً عمّا يحصل في تونس في جبل الشعانبي، وما يحضّر الآن للمغرب وموريتانيا، وملف دولة جنوب السودان «إسرائيل» وأفريقيا .

تقول معلومات استخبارات، إنه بعد تفاقم الأزمة الأوكرانية وثبات النسق السياسي السوري، ومضي الدولة الوطنية السورية في برامجها السياسية والعسكرية، وتماسك الجيش العربي وتماسك القطاع العام السوري وتنفيذ استحقاق الثالث من حزيران على نحو ناجز، وبناءً على توصية مشتركة شارك في بلورتها وزير الحرب الأميركي، ورئيسة مجلس الأمن القومي الأميركي سوزان رايس بالتعاون مع جون برينان، أصدر قائد القيادة الوسطى الأميركية، قراراً لوحدات القيادة الوسطى بضرورة استخدام وحدات القوّات الخاصة لتنفيذ المزيد من العمليات السريّة في منطقة الشرق الأوسط خاصة والعالم عامة، إذ تقوم القيادة الوسطى الأميركية بإعداد متزايد للبنى التحتية التي سوف ترتكز عليها العمليات السريّة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية راهناً وفي المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط، وباقي مناطق العالم ذات العلاقة والصلة بالرؤية الاستراتيجية الأميركية، فثمة عمليات سريّة نُفّّّذت وعمليات أخرى قيد التنفيذ، وأخرى ما برحت تخضع لمزيد من الدراسة، وبالتنسيق مع الاستخبارات «الإسرائيلية» وبعض الدول العربية الحليفة لواشنطن، كلّ حسب قيمته ودوره وحاجة أميركا إليه.

بالعودة الى تلك التقارير نلحظ اعتماد دولة جيبوتي العربية نقطة انطلاق للعمليات السريّة الأميركية الموجهة ضد اليمن والصومال ومنطقة خليج عدن ومناطق شرق أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي، لذلك وعبر القيادة الوسطى الأميركية أنشئت قاعدة عسكرية أميركية حديثاً وطوّرت في جيبوتي إلى جانب الموجودة منذ سنوات، ونشر فيها مزيد من أسراب طائرات أميركية بلا طيار، وهي القاعدة ذاتها التي تنطلق منها الغارات ضد بعض الأهداف اليمنية والصومالية، كما ساهمت أثناء مواجهات القوّات السعودية مع الحوثيين في الحرب الأخيرة في محافظة صعدة اليمنية، الخاصرة السعودية الضعيفة.

ويعترف قادة الجيوش الحربية الأميركية بوضوح أنّ العمليات السريّة الأميركية الراهنة والمقبلة، سوف تزيد الشرق الأوسط سخونةً على سخونة، وبالتالي سوف تؤدي الى تصعيد عسكري في مختلف مسارحه وبؤره الملتهبة. ويضيف أحدهم أنّ لهذا التصعيد العسكري المتفاقم تاثيرات حيوية وإيجابية لناحية تحفيز خطط المساعدات العسكرية والاستخبارية الأميركية ودعمها، إذ تسعى واشنطن من خلالها الى تعزيز المصالح الأميركية القومية في المنطقة، ودعم حلفائها «الإسرائليين» والمعتدليين العرب. كما تؤكد قيادة الجيوش الحربية الأميركية على أنّها ستعمل على نشر المزيد من القواعد العسكرية الأميركية، إذ تتمركز فيها أسراب الطائرات من دون طيار، وتبنى القدرات التكنولوجيا المتطورة المربوطة بالأقمار الاصطناعية، الطائرات من دون طيار، والقدرة على الاستطلاع وجمع المعلومات ذات القيمة الاستخبارية في المنطقة، ومتابعة دقيقة لمختلف الأهداف ذات القيمة الإستراتيجية والتكتيكية في المنطقة أيضاً.

الأخطر في المسألة أنّ القيادة الوسطى سوف تستهدف المسرح الليبي الآن، بعد دخول وحدات من القوّات الخاصة الأميركية والفرنسية والبريطانية والجزائرية الى الجنوب الليبي، واستهداف المسرح الأيراني، وربما المسرح السوري لحظة الخيار صفر، رغم أن البعض يستبعد ذلك، عبر تنفيذ برنامج عمليات سريّة وبالتنسيق مع «الإسرائليين»، كما تعد برنامجاً سرياً خاصاً بباقي مناطق الشرق الأوسط، وفي الساحات السياسية العربية القويّة والضعيفة على حد سواء، حيث تشكل الساحات السياسية العربية الضعيفة تحديداً أهم نقاط الانطلاق والتمركز الأميركيين في المنطقة التي أضحت مفتوحة على كل شيء إلاّ الاستقرار.

تتحدث المعلومات بإسهاب عن سيناريو استهداف المسرح الإيراني في حال فشل جنيف ـ إيران النووي، إذ ستنطلق العمليات السرية المرجوة من مختلف الاتجاهات المحيطة بإيران سواءً برضى الدول المحيطة أو من دون موافقتها، فمن المحتمل الأنطلاق من أذربيجان وتركيا والعراق وإقليم كردستان العراقي وأفغانستان وباكستان وتركمانستان وأرمينيا وبحر قزوين وبحر العرب وأخيراً من مياه الخليج.

المؤسسة السياسية والاستخبارية والعسكرية في العاصمة الأميركية، وبالتماهي والتساوق والتنسيق مع جنين الحكومة الأممية البلدربيرغ ووول ستريت وشركات النفط الكبرى، تسعى جميعاً إلى تدمير الوجود الروسي في المنطقة، وهو الهدف من الأزمة التي خلقها وأحسن خلقها بخبث مجتمع الاستخبارات الأميركي والبريطاني والفرنسي بالتعاون مع البنتاغون والاستخبارات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الأميركية في أوكرانيا، كنتيجة للاستعصاء في المسألة السورية وتماسك صلابة الموقف الروسي والصيني منها، وإصرار النسق السياسي السوري نحو انتخاب الأسد الثالث من خلال دولة الشعب. دولة الجميع، لا دولة الفرد ولا دولة الفئة ولا دولة الطبقة ولا دولة المسؤولين الكبار، ولا دولة التجار وكبار القادة والضبّاط، ولا دولة البرجوازية الطفيلية من جديد، بل دولة البرجوازية الصناعية السورية دولة البرجوازية الوطنية، بإسناد الوطنيين السوريين والشرفاء العرب والحلفاء وغيرهم.

محامٍ، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

www.roussanlegal.0pi.com

mohd ahamd2003 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى