دعونا نحارب العملاء الأحياء

وليد زيتوني

خلال الحرب التي دارت بين قرطاجة وروما، خسر القائد هميلقار برقة إحدى المعارك واضطر للانسحاب، طالباً الإذن من القائد الروماني سحب قتلاه لدفنهم. ردّ القائد الروماني بالرفض قائلاً عبر الرسول: «على هميلقار أن يهتمّ بالأحياء، لا بالأموات». وبعد فترة وجيزة، جرت معركة كبرى انتصر فيها القائد القرطاجي واضطر القائد الروماني للانسحاب، طالباً من هميلقار برقة الإذن بسحب قتلاه. أذن هميلقار بذلك قائلاً: «نحن نحارب الأحياء لا الأموات». نص مقتبس بتصرف من المحاضرات العشر .

قد يكون هذا النص أفضل ما يجاوب على النقاش الدائر حول دفن العميل «الإسرائيلي» أنطوان لحد.

نحن أيها السادة، نملك من الأخلاق والقيم والمناقب النابعة من أصالة شعبنا ما يكفي للترفع عن معركة الأموات. نحن نقاتل من أجل أرضنا وشعبنا وكرامتنا وعزنا. نقاتل ونفتخر أنّ لنا شهداء يسقطون، يجبلون بدمهم تراب الأمة لتزهر قيمنا ونهضتنا، جاعلين منها رسالة حق وخير وجمال لهذا العالم.

قد يكون الموقف الرافض بالسماح لدفن هذا العميل على الأرض المحرّرة، درساً للعملاء الآخرين الأحياء. لكن علينا الانتصار على الأحياء المتبقين منهم الذين أسماهم سعاده «يهود الداخل». إن المعركة طويلة وشاقة تتطلب أكتاف جبابرة وسواعد أبطال. ولقد اثبتم خلال فترات صراعنا المستمر أنكم تملكون إرادة الانتصار.

لم يكن أنطوان لحد وحيداً في عمالته، وهذا ليس مبرّراً، بل إنّ من كان خلفه وأمامه وعلى يمينه ويساره العشرات العشرات. أنطون لحد لم يكن أكثر من دمية أرسلها بعض من أسموهم الكبار من سياسيّينا آنذاك، لتلهو بها «إسرائيل» كما تشاء وساعة تريد. العميل المكشوف أقلّ ضرراً من هؤلاء الموجودين بين ظهرانينا اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً. هؤلاء الذين يتصدّرون المراكز العليا ويعملون بحسب أجندة العدو، وعلى إيقاعه، وبناء لرغباته. لم يتجرّأ أنطون لحد ليكون عميلاً مكشوفاً لو لم يكن من هو فوقه عميلاً مستوراً، أو على الأقلّ لو لم يكن لهذا «الفوق» مشروعاً ومصلحة في إرساله إلى حيث كان، خدمة لهذا المشروع وتلك المصلحة.

لم تكن جماعة «قوة لبنان في ضعفه» ولن تكون أقلّ ضرراً من العملاء المكشوفين، فهؤلاء شرّعوا وما زالوا أبواب البلد أمام الغزو الصهيوني لمرات عدة. وهؤلاء مَن جعل الدولة غير قادرة على حسم وضعها، فأوقعوا البلد في الفوضى تمهيداً للوصول إلى مشروع التقسيم الذي عمل العدو على تحقيقه. فكانوا له أكثر من مساعد ومعين.

لم تكن جماعة «قدم بالفلاحة، قدم بالبور» أفضل حالاً من الجماعة السابقة. فمشروعها التقسيمي لم يسقط من ذهنها ولو للحظة واحدة، بل يقوم موقفها دائماً مع من يقترب أكثر من تحقيق التقسيم. فهي دائماً وأبداً تتربّص لتحقيق غايتها تحت شعار «الاستتار بالمألوف».

لم تكن جماعة «التعاون مع الشيطان» لربح الحرب وصولاً إلى غاية التقسيم على قاعدة طائفية، أقلّ ضرراً من لحد، بل هي راعيته ومشجعته. لم يزل شعار «من المدفون إلى كفرشيما»، وشعار «حالات حتماً» يجلجل على وسائل إعلامها. وإنْ خبت هذه الشعارات لمرحلة فإنها كالجمر تحت الرماد تنتظر اللحظة الحاسمة والريح المواتية للاشتعال.

دعونا أيها السادة، نبحث عن أبناء السفارات، وعملاء البترودولار، جماعة تجار الأرض والشعب، جماعة لكلّ جماعة أمّ حنون. هؤلاء هم أخطر من أنطوان لحد وجماعته.

إننا في هذه المعمعة، وفي هذا النقاش، وفي هذه المناسبة نقول: ألم يسمع هؤلاء بمقولة «لكلّ خائن حبيب» ولكلّ «لحد بشارة»؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى