من قال إنكم عاجزون؟

بشارة مرهج

الكيان الصهيوني الغاصب لا يراوغ في موضوع القدس التي يعتبرها عاصمة أبدية له. وإذا كان يقوم بتزوير معالمها وتغيير هويتها على طريق التهويد الكامل فلأنه يعتبر الأمر حتمياً حيث لا معنى للكيان ما لم تكن القدس درته وعاصمته. ولذلك هو لا يحفل بأي اتفاق أو تفاهم دولي حولها ويمضي في خطته غير آبه بمواقف الآخرين وان كان يتمهل أحياناً كي يستوعب ردود الفعل. وفي هذا السياق نفسه تبرز قضية المسجد الأقصى الذي يندرج تقويضه في مقدم الأهداف الإسرائيلية الثابتة تمهيداً لبناء الهيكل المزعوم مكانه، على اعتبار أن لا معنى للقدس من دون الهيكل. فالمسألة هنا، بالنسبة للكيان، لا تقيدها اعتبارات زمنية، أو عوامل سياسية، أو قوانين دولية، وإنما هي مرتبطة بالإيمان والوجود وغير قابلة للتسوية أو المساومة.

وعلى هذا الطريق الواضح يسير الكيان الغاصب منذ عشرات السنين. يتجاهل قرارات الأمم المتحدة والوضع الخاص للمدينة التي يحتلها ويمضي في تغيير معالمها خطوة خطوة ليصل إلى مبتغاه على أنقاض البيت الفلسطيني المدمر والعائلة الفلسطينية المهجّرة. وهو إذ يحول حياة المقدسيين إلى جحيم، فيقتل أطفالهم، ويصادر أموالهم، ويغوي مراهقيهم بالمخدرات، ويحبس عنهم الدواء والهواء والغذاء، ويحرمهم من رخص البناء، ويسحب أوراقهم الثبوتية، ويسومهم صنوف العذاب فلكي يزرع في رؤوسهم فكرة الرحيل.

والمسجد الأقصى الذي يحتل مكانة سامية مقدسة لدى المقدسيين وسائر الفلسطينيين والعرب والمسلمين لا يعنى لدى الكيان الصهيوني بالمقابل سوى بناء يجب الاستيلاء عليه أو عائق تنبغي إزالته، مرة عبر إشعال الحرائق فيه وتحميل المسؤولية لمعتوهين أو متطرفين قصة باروخ برنشتاين 1969 ، وأخرى من خلال هجمات مباشرة يقوم بها مستوطنون مسعورون يستبيحون كل المقدسات والقوانين والاعتبارات الإنسانية، يتعرضون للمصلين من نساء ورجال، فيما آخرون يعملون على كسر الأقفال، وتحطيم الأبواب، وتشويه النوافذ، وإحراق السجاد، وتلويث الجدران وما عليها من آيات قرآنية كريمة بعضها تعود كتابته إلى مئات السنين.

أما رجال الأمن وأعضاء الكنيست فهم الآن، وبعد انقضاء مرحلة المعتوهين والمتطرفين، يقفون بكل صفاقة وتصميم على أهبة الاستعداد لمساعدة المعتدين وإسباغ الشرعية على أعمالهم الشنيعة.

كل ذلك يحدث ويتكرر خلال العقود الماضية ومع ذلك ثمة من يتجاهل، وثمة من يستهتر، واليوم ثمة من يدعي التفاجؤ مستهولاً ما يجري وكأنه استثناء، وتلك هي قمة الأفك والرعونة.

والحقيقة أنه ليس من جديد سوى زيادة منسوب الاعتداء الذي سيتكرر وسط عجز ليس له مثيل من جانب من يتعين عليهم ممارسة واجبهم في التصدي للاعتداء. فهؤلاء يدعون افتقارهم لوسائل الدفاع ناهيك الهجوم فيلجأون للشكوى لدى الأميركي الذي لا يجسر على رفع عينيه بوجه الحاكم «الإسرائيلي» الذي بات يتدخل في شؤون الكونغرس الأميركي ويعتبره فرعاً من فروع الكنيست «الإسرائيلي».

أما المخيم الفلسطيني الذي يستنشق الغبار منذ عام 1948 فلا يطلب منهم التصدي للخطة «الإسرائيلية» بالسلاح الموجه على الشقيق العربي الآخر وإنما التصدي بالسياسة حيث الخيارات واضحة وممكنة وفعالة. فالأمر، إذا اجتمع أصحاب الفخامة والجلالة والسمو، لا يحتاج سوى إلى كلمة واحدة تقول للحكام العنصريين في تل أبيب:

«مرة أخرى تدخلون فيها الأقصى نقطع العلاقات الأمنية والديبلوماسية والسياسية والثقافية التي عقدناها معكم ذات ليل بهيم.

مرة أخرى تدخلون فيها الأقصى نعود إلى المقاطعة الاقتصادية الشاملة التي شهدت على أوجاعكم وتطوع رؤساء البيت الأبيض لإسقاطها قبل أن تشد الخناق على اقتصادكم.

مرة أخرى تدخلون فيها الأقصى نرفع قبضتنا الثقيلة عن الفلسطيني ليتحرك من دون خوف على ظهره وطفله وبيته».

من قال إن ليس لديكم الأسلحة التي ترد العدوان؟ ارفعوا أيديكم عن المقاومة تكفّرون عن ذنوبكم وتبلون البلاء الحسن.

من قال إن النار ليست قريبة منكم؟ إنها أقرب مما تتصورون. اسألوا حكام أوروبا الذين استثمروا في نار القهر والإرهاب التي تحرق ديارنا فإذا بها ترتد عليهم وتشغل حكوماتهم ومؤسساتهم وجمعياتهم وتذكّرهم بأن العالم قرية صغيرة لا يمكن للحي الغربي فيها أن يكون بمنأى عن الحريق الهائل الذي يكاد يأكل الأخضر واليابس في الحي الشرقي.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى