روسيا الاتحادية… وتحديد معالم المرحلة

محمد نادر العمري

التسريبات ا علامية عن مصادر روسية بتشكيل حكومة سورية وإجراء تغييرات جذرية وانتخابات برلمانية مبكرة، لم تكن زلة لسان، ولا سيما أنها استُبقت بتصريحات أوروبية نوعية من قبل النمسا ومن ثم بريطانيا وألمانيا والتي تضمّنت اعترافاً ضمنياً بالرئيس بشار ا سد رئيساً شرعياً لسورية، وترافق ذلك مع تأكيد الرئيس الروسي قبول سورية إدخال قوى معارضة إلى السلطة ودعوة الرئيس ا سد لتوحيد جهود جميع القوى لمكافحة ا رهاب والمساهمة في العملية السياسية مستبقاً زيارة المبعوث الدولي لسورية ستيفان دي ميستورا لسماع موقف الحكومة السورية من مبادرته التي تضمّنت تشكيل اللجان ا ربع بتأكيد ثبات الموقف السوري في أولوية مكافحة ا رهاب، والدعوة الروسية إلى عقد جلسة لمجلس ا من لبحث ا زمة السورية على رغم تصاعد التصريحات المتبادلة مع الولايات المتحدة.

هذه المتغيّرات وغيرها من المؤشرات قد تشير إلى حدوث تطوّر قد يطرأ على ا زمة السورية وفي مجال مكافحة ا رهاب، فأوروبا التي تباكت على وضع اللاجئين السوريين، ودخلت في دائرة السجالات المتناقضة بين سياسيّيها ومؤسساتها ودولها حول آلية استقبالهم وتوزيعهم، تخشى اليوم من لجوء ا رهاب إليها وتمكّن ا رهابيّين الفارّين من سورية من الوصول إلى عمقها الحيوي وتشكيل خلايا حيوية فيها تهدّد أمنها الوجودي واتحادها القابل للانهيار في أية لحظة.

وفي الجانب ا خر، الولايات المتحدة ا ميركية التي وإنْ لم تغيّر في استراتيجيتها غير المعلنة في استثمار ا رهاب، إلا أنها تكون قد توصّلت إلى شبه اتفاق مع الروسي حول العناوين العريضة للملف السوري من دون معالجة التفاصيل، ولا سيما بعد التوصل إلى اتفاق بين السداسية الدولية مع إيران حول برنامجها النووي، والدور ا ساسي للروس في إنجاز هذا الاتفاق، والنشاط الذي شهدته الدبلوماسية الروسية في ا شهر الثلاثة الماضية سورياً مع ا طراف الحكومية والمعارضة كافة وقوى المجتمع ا هلي، وإقليمياً من خلال إيجاد صيغة توافق بعد سماع وجهات نظر الفاعلين المؤثرين والمتدخلين في ا زمة السورية، ودولياً وبخاصة مع الولايات المتحدة التي بدأت تفقد زمام المبادرة لمصلحة الروسي في الساحة السورية، وفي ما يتعلق ببعض الملفات الدولية من أوكرانيا وصولاً إلى اليمن، مهيئة بذلك الظروف لزيادة نفوذها وقدرتها على إحداث منعطف حقيقي في ا زمة السورية من خلال التحضيرات لمؤتمر أو ملتقى «موسكو 3» وقدرتها على إنجاحه شكلاً ومضموناً والتوصل إلى نقاط قد تكون نواة لـ«جنيف 3» أو «دمشق ـ 1».

ولكن في ظلّ ذلك لا بدّ من التوقف عند عدد من التساؤلات التي يمكن يّ متابع للأزمة السورية أن يطرحها عند الحديث حول تشكيل الحكومة المقبلة وإحداث هذه التغييرات:

أولاً: هل سيكون إنشاء هذه الحكومة بعد مؤتمر «موسكو 3»، كنتيجة أولية ودلالة على نجاحه؟ وما هو شكل هذه الحكومة وتسميتها، هل ستكون حكومة انتقالية أو حكومة وطنية؟ وهل ستضمّ بين كوادرها نسيج متكامل من ا طراف كافة بما في ذلك حزب البعث وقوى المعارضة في الداخل والخارج وقوى المجتمع ا هلي، كما نص بيان «جنيف 1»؟ ما هو الدور المنوط بهذه الحكومة والصلاحيات التي قد تتمتع بها؟

ثانياً: تشكيل حكومة جديدة هل هو وصول إلى اتفاق كامل بين الولايات المتحدة ا ميركية والاتحاد الروسي لحلّ ا زمة السورية دفعة واحدة، أو من خلال سلة حلول متكاملة؟ أو تكون مجرّد بداية انطلاق للمسار السياسي وتأجيل البحث في الملفات ا خرى رهناً للمتغيّرات الميدانية وتوازن القوى؟ بما يعني استمرار الحرب على سورية واستنزاف مزيد من ا مكانات والموارد البشرية والمؤسساتية والاقتصادية السورية. وهل سيتزامن أيّ تفعيل للحلّ السياسي مع وجود إرادة حقيقية لمكافحة ا رهاب؟

ثالثاً: هل ما تمّ طرحه هو عبارة عن دمج بين ا فكار الإيرانية والروسية حول مبادرة متكاملة بموافقة أميركية؟ أم أنها خطوة استباقية لما تضمّنته وثيقتا المبعوث الدولي لسورية حول تشيكل اللجان الأربع؟ أو أنها تنسجم وتتوافق معها وتأتي لتسهيل عملها؟

ا شهر الثلاثة المقبلة على ا قلّ كفيلة بتوضيح معالم ما ستشهده ا زمة السورية من احتمالات وتفاصيل قد تصل بها إلى بوادر الوصول لبرّ ا مان، أو قد تأخذ المنطقة برمّتها نحو مزيد من الاستمرار في الحروب والصراعات والتقسيم والتوتر.

هذا يتوقف على عوامل عديدة من أهمها: داخلياً من خلال صمود المؤسسة العسكرية في التصدّي للإرهاب وقدرتها على إحداث المزيد من النقلات الميدانية في تحرير المناطق المحتلة من قبل التنظيمات ا رهابية والتزوّد بأسلحة نوعية من شأنها تسريع وتيرة ا نجازات العسكرية، وانتشار المصالحات المحلية التي من شأنها تحقيق المزيد من التشابك الاجتماعي بغض النظر عن الاصطفافات السياسية في المواقف، وتوحيد وتنسيق جهود المعارضة وإعلاء مصلحة الوطن على مصالحها الشخصية أو الحزبية، وانفتاح بشكل أكبر على رؤيتها واقتراحاتها والاتجاه نحو المزيد من الخطوات وا جراءات التي تعزز دورها في الحياة السياسية، والحفاظ على صمود الاقتصاد السوري.

إقليمياً: زيادة وارتقاء التنسيق إلى أعلى المستويات وبالجوانب كافة مع الدول التي تعاني من ا رهاب وبخاصة مصر والعراق، وإيقاف تمويل وتدريب المجموعات المسلحة من قبل بعض الدول الكيان الصهيوني، السعودية، تركيا، قطر، ا ردن التي بدأت تتمرّد نتيجة تراجع النفوذ الأميركي وخذلانها في بعض الملفات في المنطقة على حساب توسع النفوذ الروسي والصيني وا يراني.

دولياً: وجود إرادة دولية حقيقية من شقين متوازيين متكاملين، ا ول: التنسيق مع الحكومتين الشرعيتين في العراق وسورية لمكافحة ا رهاب وتفعيل القرارات الدولية ذات الصلة. والثاني: تهيئة ا جواء للبدء بعملية سياسية تفضي إلى حوار سوري ـ سوري من دون أي تدخل خارجي يحفظ سيادة سورية ووحدتها وهويتها.

متخصص في العلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى