لبنان يعيش ديمقراطية كاملة

روزانا رمّال

بعيداً من مناقشة الحراك اللبناني وظروفه وما يمكن أن يترتّب عليه من نتائج في لبنان، تُفيد المقارنة بين النظام اللبناني الحالي والأنظمة العربية السابقة أو المخلوعة التي شهدت حراكات مشابهة ومطالب سبقت مطالب اللبنانيين بكثير وباتت تعتبر نموذجاً يقدم لمراكز الدراسات والبحوث الدولية لمناقشة نمو وتطور الأنظمة، بالتوازي مع تطور الحياة والفكر البشري ومطالب السكان، وصولاً إلى دراسة عمر هذه النماذج بين حدّ أدنى وحدّ أعلى للعيش أكثر وقت ممكن.

تشكل الأنظمة التي سقطت أنظمة أحادية المنهج أو الحزب، فكان الحزب الحاكم في مصر برئاسة حسني مبارك الحزب الوحيد القادر على الفوز بالسلطة، رغم وجود أحزاب عريقة في مصر ونخبة من المفكرين، لكن في النهاية تمّ إسقاط هذا النظام الذي لا يعتبر إسقاطاً في الواقع إنما هو تبديل في استراتيجية راعي هذا النظام الذي يبدو أنه قرر الاستغناء عن منهجية دامت عقوداً ليستبدلها بخطة رقم «ب».

حتى الساعة لم يحصل تغيير جذري لجهة الحصول على حقوق سياسية في مصر لم يكن المصريون قادرين على الحصول عليها في عهد مبارك بل إنّ بعضها أصبح أسوأ لجهة حرية المرأة تحديداً بعد انتخاب محمد مرسي الذي تمت الإطاحة به أيضاً.

المثال المصري ليس وحده الموجود، فالنظام الليبي أيضاً سقط بالقوة نفسها التي أسقطت النظام المصري بين تبعية واستغلال لمشهد داخلي ثائر لينسحب المشهد على اليمن وقد سبقت الكلّ تونس لتبدأ مرحلة مطالبة بتغيير أنظمة برمتها.

إنّ تطبيق الديمقراطية في العالم العربي ليس أمراً سهلاً، فعلى سبيل المثال بين الديمقراطيتين البريطانية والفرنسية فوارق دقيقة وتطبيقهما يتطلب ظروفاً مختلفة تراعي تاريخ الدولتين، فبين دولة نظامها ملكي يتقاسم والدمقراطية حصصاً، نرى نظاماً آخر عصري ثابت، وأنظمة الحكم في أوروبا تختلف عنها في أميركا لكنّ الجميع يتفق على أمر واحد وهو أنّ النظام الديمقراطي يعني مشاركة الشعب في اختيار من يحكمه.

لبنان يعيش أبرز أوجه الديمقراطية ولا يمكن تعميم التجارب العربية عليه بتاتاً، هذا لا ينتقص من مشروعية المطالبين بالحقوق المعيشية بل يدعم طريقهم لإيجاد ضالتهم.

فبالنظر إلى مجلس النواب اللبناني المنتخب من الشعب فهو يضم على سبيل المثال:

كتلة نيابية وازنة تمثل شارعاً واسعاً محبّاً للمقاومة وداعماً لها، مضحياً بالغالي والنفيس من أجلها فقدم أبناءه وأراد أن تكون المقاومة ممثلة في المجلس النيابي، فكانت كتلة الوفاء للمقاومة.

كتلة نيابية وازنة لحركة السيد موسى الصدر التي أراد محبوه ألا تنطفىء، فدخلوا المجلس النيابي برئيس حركة أمل نبيه بري، علها تفيد اللبنانيين بالتجربة المنفتحة على كلّ الطوائف والجامعة للمقاومة في آن واحد كحركة مؤسسة للمقاومة فكانت كتلة التنمية والتحرير.

كتلة وازنة في المجلس النيابي تمثل الرئيس الراحل رفيق الحريري وارتأى محبوه من اللبنانيين أن يبقوا على زعامته حاضرة في شخص نجله سعد الحريري، فكانت كتلة المستقبل. كتلة تضمّ حزب القوات اللبنانية التي يرأسها سمير جعجع المتهم باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رشيد كرامي، إضافة إلى ضلوعه بمجازر خلال الحرب الأهلية. كتلة وازنة للتيار الوطني الحر الذي يضمّ الجنرال العائد من المنفى والذي أراد أن يعود من بوابة الشعب الذي أكد على ذلك، فانتخب العماد عون رئيساً لتيار دخل المجلس ومن المرة الأولى من الباب العريض.

الحزب التقدمي الاشتراكي، وقد أرادت فئة من اللبنانيين أنّ رئيسه النائب وليد جنبلاط ممثلها الوحيد مثلها مثل زعامة آل فرنجية وغيرها، وأكثر منهما أمثلة عن ديمقراطية كاملة تمثل إرادة الشعب اللبناني وبالتالي فإنّ الحالة في لبنان لا يمكن تجاهلها وهي الشعب برمته ولا يمكن اعتبار الحراك بالمنطق هو الشعب كله لأنه جزء بسيط منه. هكذا تقول الأرقام جدياً وإذا كانت اللعبة الديمقراطية قادرة على التغيير فعلاً في لبنان ليس أمام الحراك اليوم إلا صندوق انتخابي قادر على إثبات أنه أصبح حالة شعبية عارمة فعلى هؤلاء الشباب الترشح والتقدم والتحدي نحو صناديق الاقتراع وبعدها إذا نجحوا يكونوا قد أكدوا على التغيير في لبنان. أما إذا لم تتغير الوجوه والمرشحون والطبقة السياسية وعلى أي قانون كان، وإذا لم يمتنع اللبنانيون عن إعادة انتخاب زعمائهم فهذا يعني أنّ هؤلاء الشبان ليسوا جزءاً من تغيير يشبه ما جرى في مصر وتونس واليمن وليسوا إلا حركة واعدة عليها احترام إرادة الشعب اللبناني مهما كانت خطيرة على لبنان ومستقبله كخيار فاسد ومترهل.

إرادة الشعب وصندوق الانتخابات أهم تحدّ ولا شيء يعلو احترام إرادة الشعوب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى