بقرار دولي: نهاية الـ«ستاتيكو» في لبنان وبدء مرحلة التسخين الرئاسي

روزانا رمّال

المؤشرات والمتغيرّات التي يشهدها الوضع اللبناني تتصاعد، وفي تصاعدها لا يمكن أخذها كأحداث عادية أسبابها كامنة فيها كأزمة نفايات افترضت النزول إلى الشارع والاحتجاج، لأنّ المشهد أبعد من حصره بحراك ليس وحده مؤشراً على انّ هناك شيئاً ما يتحضّر في لبنان وله، وهو على ما يبدو دخوله مرحلة جديدة في المنطقة وعليه ان يكون جاهزاً لبلورة أوضاعه واستحقاقاته سريعاً.

المشهد في لبنان يشهد حراكا ساخناً في الشارع من جهة، وحراكاً سياسياً ودولياً ايضاً يجعل منه نقطة استقطاب جدية بعد فترة طويلة من الغياب عن تصدّر واجهة الأحداث، وقد عمد المراقبون لأكثر من سنتين على اعتبار الدول الكبرى والإقليمية لديها ما هو أهم من الورقة اللبنانية، حتى جاءت عدة زيارات ومواقف لتلفت الانتباه، فماذا تعني مثلاً زيارة رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون للمرة الأولى إلى لبنان؟ وماذا تعني نوايا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالتوجه إل لبنان في هذا الوقت؟ وماذا يعني أيضا موقف سابق من البيت الابيض وحديث دقيق للرئيس الأميركي باراك اوباما والملك السعودي سلمان اللذين وعلى الرغم من الأزمة اليمنية وخصوصيتها والوضع الحساس الذي تعيشه المملكة حرصا على ان يصدر عنهما موقف يؤكد ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان؟

شهر غير عاديّ يمرّ على لبنان تعكسه إعادة تسخين حركة وموقع لبنان بعد ما يقارب العامين من الجمود، حيث لم يكن مطلوباً حينها من اللبنانيين إلا المساكنة على قاعدة التناقض والاختلاف، لكن من دون ان يتحوّل الى اشتباك. وكان أبرز دليل على الستاتيكو السابق الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، والذي كان مطلوباً برضى سعودي، بالرغم من كلّ الخلافات المحورية على أبرز ملفات المنطقة، خصوصاً سورية والداخل على صعيد العمل الحكومي وغيره.

كلّ تلك المرحلة كانت مزوّدة برسائل سفراء دول كبرى ومتوسطة ووصغرى كالولايات المتحدة والسعودية والدول الاوروبية وغيرها ان حافظوا على الاستقرار الداخلي وعلى ضرورة حماية الحكومة، وهي آخر ما تبقى من مؤسسات صالحة لإدارة شؤون البلاد، بعد الفراغ الرئاسي، وفي ظل التعطيل المتمادي للمجلس النيابي الممدّد.

الحراك المدني الحاصل في لبنان والتصريحات والمواقف المتواترة حول ضرورة انتخاب رئيس في لبنان، والتي جاء أبرزها على لسان السفير السعودي في لبنان على عواض العسيري، وقبلها ما صدر عن لقاء أوباما سلمان في واشنطن اكد انّ الملف الرئاسي في لبنان أصبح على نار حامية، وبات مطلباً إقليمياً ودولياً.

تحريك الملف الرئاسي بعد غياب يعني ربطه بسلسلة ملفات تؤثر عليه مباشرة، ضمن سلة المنطقة والنقاط المحسوبة للحلفاء والحلفاء المتقابلين، فكانت البداية مع الملف الايراني النووي وحلحلته والإعلان عن خروجه من مرحلة الخطر في المسلك القانوني الذي كان من المفترض ان يمرّ فيه، اي نجاحه يسمح بقراءة تصعيد في سورية يليه تحضير لحلّ سياسي فيها، وكانت قد سبقته مساع لحلّ سياسي لليمن يطبخ على وقع تصعيد أوقع خسائر فادحة ومفاجئة بالتحالف العربي الذي تقوده السعودية.

وعلى هذا الأساس، وإذا كانت سورية تتهيأ لحلّ ما سبقته روسيا لقلب الطاولة بثبات غير مسبوق لمواقفها المؤيدة للرئيس الأسد، ولباب مفتوح من الدعم للجيش السوري وللدخول الى الارض السورية، فإنّ لبنان هو أول الدول المتاثرة بهذه النقاط، ما يعني «استعدّ للتصعيد» الذي يجري في الشارع اللبناني اليوم من استنفار إعلامي ومدني لديه وظيفة واضحة «التصعيد والتوتير»، ولا «للمفاوضات مع الحكومة»، يعني انّ هناك من لا يريد الحلّ اصلاً، بل التسخين.

الستاتيكو انتهى وانتخاب رئيس للجمهورية بات ضرورة لأسباب قد تخرج من أييد بعض الأطراف الدولية، والأهمّ في رأيهم أنه إذا كان الاتفاق النووي قد تمّ، فهذا يعني حتماً استثماره في المكان المناسب لما يعود على حلفاء إيران بالفائدة، وإذا كان هذا هو المتوقع فإنّ المستفيد من رئيس لبناني قريب من حزب الله هو سورية وايران حتماً، وهذا ما لا تريده الدول الكبرى أن يحصل.

تقدّم حزب الله في سورية ايضاً، وتأخر وقت الحسم الرئاسي سيأخذه على فرض اسم بحكم الانتصار لا المفاوضات، ولذلك فإنّ هناك من يريد منعه من صرف هذا الاعتماد في الداخل عبر ضغط شارع يأخذه اليوم إلى اتفاق ربما لن يتقدّم نحوه غداً، وبالتالي فإنّ التأخير لم يعد وارداً وعلى وقع خلافات الداخل، فإنّ تصعيد المواقف سيتواتر… اللهم إلا إذا استطاع الحوار إنقاذ الموقف، وهو الحوار الذي على ما يبدو ترتسم عليه معالم الدعم الإقليمي الذي يهمّه جداً الخروج من خلاله برئيس جامع بدلاً من رئيس قطب يضع هذا الفريق على ضفة خاسر أو رابح ويكرّس البلاد لحزب الله وحلفائه.

حلفاء واشنطن يتسابقون اليوم ويعلنون أهمية قطع الطريق على حزب الله وحلفائه من فرض رئيس بحكم أوارق قوة منحتهم إياها المتغيّرات الإقليمية الكبرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى