إيران في العراق… وروسيا في سورية… واللاجئون على شواطئ أوروبا!

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

بين أيدينا اليوم تقرير مؤلّف من ثلاثة مواضيع مختلفة. مختلفة المصدر والمحتوى أيضاً، وإن كان الشرق الأوسط ـ لا سيما سورية والعراق ـ القاسم المشترك بين هذه المواضيع.

ولعل النَّفَس الهجومي هو ما يتّسم به المقال الأول، الذي يدّعي أنّ ثمّة نفوذاً إيرانياً في العراق آخذاً في التمدّد. ولا تقف الادّعاءات هنا، إذ تزعم «هافنغتون بوست» بأن إيران تسعى إلى تقسيم العراق، وخلق دولة شيعية. فيما الغالبية الشيعية ترفض ذلك. ناقلةً عمّن أسمته مصدر أميركيّ عمل لسنوات طويلة مع الحكومة العراقية قوله إن الإحباط الإيراني يفسّر قرار السيستاني السنة الماضية استدعاء الشيعة «المتطوعين» للانضمام إلى الميليشيات التي تقاتل قوات «داعش». وإنّ أحد أسباب دعوة السيستاني هذه للميليشيات جاءت بهدف إبقاء الإيرانيين خارجاً، وهذا ما يدفع بالإيرانيين إلى الخروج من هياكل الحكم».

وتقول «هافنغتون بوست» أيضاً: «يتمظهر النفوذ الإيراني في نواحٍ عدّة. ويشمل ذلك سيطرة طهران على عدد من الميليشيات في العراق، فضلاً عن دور القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في تزويد المليشيات والجيش العراقي بالأسلحة، فضلاً عن الدعم الإيراني لعدد من الشخصيات الشيعية السياسية».

أما المقال الثاني فيتحدّث ـ مبالِغاً أيضاً ـ عمّا أسماه النفوذ الروسي في سورية. ناقلاً عن «BBC»، أنّ سفينة ضخمة للقوات البحرية الروسية رست في 20 آب على الشواطئ السورية، كما شوهدت سفينة الإنزال الروسية «نيقولاي فيلتشينكوف» تمرّ جنوباً في مضيق البوسفور. وقد رصدت طائرات المراقبة ـ وفقاً للمحللين الذين حلّلوا الصور ـ سفينة شاحنات ومركبات مدرّعة يُعتقد أنها في طريقها إلى سورية.

المقال الثالث يتحدّث عن أزمة اللاجئين السوريين إلى أوروبا، مهاجماً الدول الكبرى، وحتّى المنظّمات الدولية لا سيما الأمم المتحدة.

ما بين العراق وإيران

مارست إيران تأثيرها الهائل لسنوات عدّة على العراق، محوّلةً إياه ـ في جوهره ـ إلى دولة ضاربة عميقاً في شيعيتها ومنضوية تحت قيادة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي. لكن حركة احتجاجية جديدة اندلعت في الجنوب ذات الغالبية الشيعية، تعتبر دلالة رئيسية على تراجع نفوذ طهران في المنطقة، وأنه على آية الله العظمى علي السيستاني وحكومة رئيس الوزراء العراقي الحالية ـ خليفة المالكي ـ والمدعومة من الولايات المتحدة، اتخاذ خطوات فورية لإعادة استقلال العراق.

لم تعد أجزاء كبيرة من العراق تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد. تسيطر الجماعات الإسلامية المسلّحة على مساحات واسعة من المناطق السنيّة الواقعة غرب البلاد، بينما يقيم الأكراد منطقة حكم ذاتي خاصة بهم في القسم الشمالي الشرقي من البلاد.

ومع ذلك، نجد أنه في المناطق ذات الغالبية الشيعية في العراق، بما فيها المناطق الشرقية والجنوبية منها، لا تزال المواجهات السياسية مع إيران جارية على قدم وساق، في وقت تقوم الجمهورية الإسلامية بالتوقيع على الاتفاق النووي التاريخي مع المجتمع الدولي.

ويقول مصدر أميركي عمل لسنوات طويلة مع الحكومة العراقية أن الإحباط الإيراني يفسّر قرار السيستاني السنة الماضية استدعاء الشيعة «المتطوعين» للانضمام إلى الميليشيات التي تقاتل قوات «داعش». ويتابع المصدر عينه لـ«هافنغتون بوست» قائلاً: «أحد أسباب دعوة السيستاني هذه للميليشيات جاءت بهدف إبقاء الإيرانيين خارجاً، وهذا ما يدفع بالإيرانيين إلى الخروج من هياكل الحكم».

يتمظهر النفوذ الإيراني في نواحٍ عدّة. ويشمل ذلك سيطرة طهران على عدد من الميليشيات في العراق، فضلاً عن دور القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في تزويد المليشيات والجيش العراقي بالأسلحة، فضلاً عن الدعم الإيراني لعدد من الشخصيات الشيعية السياسية.

أما بالنسبة إلى السيستاني وغيره من اللاعبين على المسرح العراقي ممن يحبذون رؤية هذا التأثير يتضاءل، فقد شكلت لهم حركة الاحتجاج هذه فاتحة الفرص، وذلك وفقاً لمصدر حكومي عراقي كان قد صرّح لـ«هافنغتون بوست» رافضاً الكشف عن اسمه.

ويضيف المصدر: «يبدو من الواضح أن النجف مصمّمة جداً على الحفاظ على استقلاليتها عن إيران. وقد شعرت النجف أن هذه هي الفرصة التي تتيح لها ركوب موجة الحركة الاحتجاجية هذه».

وكان السيستاني قد دعا عبادي الشهر الماضي إلى الاستجابة لمطالب الحركة الاحتجاجية وذلك خلال خطابه يوم الجمعة.

وقد استمعت الحكومة جيداً لكلّ كلمة صادرة عن النجف. ويراقب المهتمون كلّ يوم جمعة مضمون خطبة السيستاني خلال الصلاة. واستجاب عبادي لمطالب الولايات المتحدة في التقليل من بعض المناصب الحكومية، بما فيها منصب نائب الرئيس، ما أدّى إلى تصعيد المعارضة الداخلية وبالتالي استقالة الرئيس السابق المالكي من منصبه السنة الماضية. وكان البرلمان العراقي قد حمّل المالكي المسؤولية المباشرة عن الخسارة المدوّية لمدينة الموصل أمام قوات «داعش».

أما حلفاء إيران الأقوياء في العراق، فهم يتراجعون إلى الخلف. وكان اثنان من قياديي الميليشيات الشيعية الأكثر قوة، حزب الله العراقي ومنظمة «بدر»، قد زارا مؤخراً رئيس السلطة القضائية، وهذا ما أكدته تقارير كيمبرلي كاغان عن المعهد العالي لدراسات الحرب بالقول: «إن للمليشيات الشيعية المدعومة من إيران، بمن فيها كتائب حزب الله، منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، مصلحة مباشرة في إحباط إصلاحات العبادي، خصوصاً محاولاته القضاء على موقع نائب رئيس الحكومة وبالتالي إسقاط الرئيس السابق نوري المالكي، الذي عمل جنباً إلى جنب مع الميليشيات لشهور عدّة»، كتب كاغان لـ«هافنغتون بوست» في 3 أيلول.

وكان كاغان ـ وهو مستشار سابق لجنرالات الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان ـ قد اقترح أن قادة الميليشيات المدعومة من إيران يأملون في ازدياد الضغط على القضاء العراقي وعلى رئيسه إلى حين توقف الإصلاحات. لكن يبدو أن السيستاني، عبادي وغيره من المشككين الإيرانيين قد أخذوا على عاتقهم تأليف تحالف فضفاض بهدف مقاومة هذه الجهود.

ويؤكد فيليب سميث، الخبير في دراسة الميليشيات الشيعية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومؤلف الـ«Blog» الخاص بحزب الله على موقع «Jihadology.net». أن المليشيات الشيعية لا تدعم جميعها إيران، ويتفق معظم هؤلاء مع السيستاني على معارضة الإيديولوجية الإيرانية لكافة مظاهر الحكم الثيوقراطي. وهذا يشكل فرصة للمخططين العسكريين الأميركيين الذين يراقبون العراق عن قرب بهدف تحديد شركاء للعمل ضدّ «داعش» ـ وكانوا قد عبّروا عن قلقهم لـ«هافنغتون بوست»، من أن موظفيهم في العراق قد يكونون عرضة ليس فقط لهجمات «داعش»، إنما أيضاً للمليشيات المدعومة من إيران. «قد لا أُفاجَأ لو عرفت أن المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية يبحثون في حالات عدم تقديم الدعم للميليشيات القومية العراقية وليس تلك الحليفة لطهران»، يوضح سميث من خلال بريد إلكتروني كان قد أرسله مؤخراً إلى «هافنغتون بوست».

وتؤكد زينب السواجي، وهي الناشطة العراقية الأميركية، أن حماسة الشعب العراقي نفسه، قد تُثار الآن بسبب الحركة الاحتجاجية التي تركز على مصالح دولتهم بشكل عام، بدلاً من التركيز على مصالح بعض الطوائف فيها.

وتشغل سواجي حالياً منصب المدير التنفيذي للمؤتمر الإسلامي ـ الأميركي، وتدير مراكز تسوية النزاعات في العراق وهي على تواصل دائم مع الأطراف السياسية الفاعلة على أرض الواقع.

«وبعد الاحتجاجات التي وقعت في بغداد وغيرها من المدن في البلاد، خفّت حدّة التوتر بين الأطراف السنيّة والشيعية المتنازعة»، تؤكد سواجي لـ«هافنغتون بوست»، وتضيف: «المسألة لا ترتبط بالإحساس بأن الشيعة يسيطرون على البلاد، فالشيعة هم من يشكون في شأن الفساد».

وتلفت إلى أن الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد قد أُجبرت على الرضوخ لمطالب الشارع والإسراع في تنفيذ الإصلاحات، وتتوقع أنه وفي مثل هذه الحال وعلى عكس الأيام المنصرمة، فإنه لن يكون في مقدور إيران حمايتهم من المعارضة الشعبية.

وتضيف سواجي: «لم تعُد إيران قوية كما عوّدتنا أن تكون».

قوات المشاة الروسية في سورية

كتب بات لانغ حول سورية، روسيا، البيت الأبيض و«داعش»:

كم ستذهب روسيا بعيداً في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد؟ إن المشاهدات الأخيرة للمدرّعات الروسية المصفّحة الجديدة في سورية، وأنواع أخرى لم يسبق لها أن سلّحت بها حليفتها، مقترحةً أنه وفي ظلّ معاناة نظام الأسد من الانتكاسات الجدّية، فإن موسكو عازمة على تحقيق التوازن العسكري بكلّ ما أوتيت من قوة.

وفي 20 آب، رست سفينة ضخمة للقوات البحرية الروسية على الشواطئ السورية، كما شوهدت سفينة الإنزال الروسية «نيقولاي فيلتشينكوف» تمرّ جنوباً في مضيق البوسفور. وقد رصدت طائرات المراقبة ـ وفقاً للمحللين الذين حلّلوا الصور ـ سفينة شاحنات ومركبات مدرّعة يُعتقد أنها في طريقها إلى سورية. نقلاً عن «BBC»

أعتقد أن التصنيف الصحيح لموظفي «BBC» أنهم «صحافيون حقيقيون».

لقد تحققتُ من بعض المعلومات المتوفرة من واشنطن ونيويورك، وتوصلتُ إلى استنتاج النقاط التالية:

ـ تعتقد الحكومة الأميركية أن روسيا قد اتخذت قرارها رفع مستوى تدخلها والمخاطرة بالدخول في صميم الحرب السورية.

ـ نطاق هذا التدخل وحجمه لا يزالان غير واضحَين إلى الآن.

ـ إن الدافع الروسي لزيادة حجم دور موسكو، مرتبط مباشرة بالاستياء الروسي من تركيز إيران الواضح على سورية.

ترى روسيا حاجتها إلى الحفاظ على وجود الحكومة السورية، معتبرةً أن البديل عن الدولة الديكتاتورية الحالية المتعدّدة الطوائف، لن يكون بالتأكيد نظاماً علمانياً ليبرالياً، بل تؤمن روسيا أن البديل الحتمي لهذا النظام سيكون دولة جهادية تديرها كلّ من «داعش» أو «النصرة».

وتؤكد روسيا أن إيران لا تركز في جهودها على سورية بما في الكفاية للإبقاء على الحكومة مع بشار أو من دونه. يعتقد الروس أن الإيرانيين يركزون في مجال إسقاط سياستهم وقوتهم في سورية على حماية الشيعة في لبنان أكثر من الإبقاء على حكومة علمانية في سورية. وتحقيقاً لهذه الغاية، يقوم الحرس الثوري الإيراني في سورية جنباً إلى جنب مع حزب الله ـ حليفهم اللبناني ـ بتصميم العزم على مكافحة غزو الجهاد السنّي في لبنان. وينعكس هذا بوضوح في الجهود الهائلة المبذولة حالياً من قبل القوات الشيعية، وإلى حدّ ما من الجيش اللبناني في منطقة القلمون، وتحديداً في بلدة الزبداني.

وغالباً ما يصنّف الإعلام الطائفة العلوية على أنها شيعية. غير أنها ليست كذلك. فهذه الطائفة تمثل بعض المعتقدات والأفكار التي لا يمكن وصفها من قبل السنّة المتشدّدين وبعض العلماء الشيعة، إلا بالهرطقة. وكان الدستور السوري قد خضع للتعديل من قبل بهدف السماح للأسد الأب بأن يكون رئيساً للبلاد، إذ إن الدستور كان يسمح لرئيس الجمهورية بأن يكون مسلماً، وكان الجميع يوافقون على أن العلويين هم مسلمون، فيما عدا الشيعة. ويهيمن العلويون على الحكومة السورية الحالية، والإيرانيون يدركون ذلك تماماً.

ولتصحيح هذا الوضع القائم، تزيد روسيا من حجم تدخلها للإبقاء على الحكومة السورية. وربما يعرض الروس توفير الوحدات الجوية الروسية بهدف الدعم الجوي للجيش السوري. كما يزعم الروس بناء منشأة بحرية أخرى في منطقة اللاذقية أي على الساحل السوري قي قلب الوطن العلوي. ويمكن أن يكون لهذا المرفق عدد من الوظائف الحيوية والمفيدة، غير أن حاجة الروس إلى مساحة كافية لنقل البضائع بحراً لتوسيع رقعة السيطرة الروسية في المنطقة واضح جداً.

وقد شارك سلاح الجو «الإسرائيلي» في توفير الدعم الجوي لـ«جبهة النصرة» بقيادة قوات المتمرّدين إلى الجنوب من دمشق. يبدو وضع هؤلاء المتمردين معقداً للغاية، وذلك مع دخول «داعش» إلى الأحياء الدمشقية الجنوبية. فهؤلاء قد أتوا من الغرب وتورطوا في قتال متمرّدي «جبهة النصرة» إلى جانب قتالهم ضدّ القوات الحكومية السورية.

إن دخول وحدات الجو الروسية على خط القتال في جنوب دمشق سيخلق مشكلات كبيرة من الممكن أن تؤدي إلى نشوب صراع بينهم وبين «الإسرائيليين».

إنه لمن الواضح للغاية أن مجرد وجود حلف شمال الأطلسي بصواريخه الدفاعية الجوية «باتريوت» في محافظة هاتاي التركية، أكبر دليل على تمكين «النصرة» والجهاديين من الإطباق على الأجزاء الكبرى من محافظة إدلب، وكذلك الجزء الأكبر من شمال محافظة حلب. من السهل جداً علينا أن نفهم آلية هذا التأثير. فبطاريات «باتريوت» تستطيع عبور الحدود بين سورية وتركيا. كذلك تستطيع طائرات الجو السورية عبور هذه المسافات المرصودة من الرادارات، غير أنها تجربة غير مشجعة كثيراً. ونتيجة لذلك، لم يلعب سلاح الجو السوري دوراً رئيسياً في تحجيم التقدّم الجهادي في تلك المنطقة. وهذا هو تحديداً، ما يضعه أردوغان في الحسبان من خلال مطالبته بالإبقاء على ترسانة الناتو الجوية متمركزة على الحدود التركية ـ السورية.

تواصل إدارة أوباما إثبات عدم قدرتها على فهم حقيقة بسيطة جداً، وهي أن الحياة كما المسائل السياسية تتطلّب القدرة على إيجاد البدائل المطلوبة والمستساغة. وفي هذه الحالة، يصرّ كلّ من البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع الأميركية على تحقيق رغباتهم في تدمير الحكومة السورية جنباً إلى جنب مع تدمير قوات «داعش» بالكامل.

كذلك، فإنه لمن الواضح أن الرئيس أوباما بدأ ينسحب تدريجياً من السياسية الخارجية، ويركز الاهتمام أكثر على ما يعتبره جدول أعماله المحلي الثوري. ومن المرجح أن يكون فوزه الساحق على نتنياهو ومنظمة «آيباك» في الاتفاق النووي الإيراني هو الخطوة الأخيرة في مسار أجندته الخارجية.

تعمل أجهزة الدولة السياسية الخارجية في مجال السياسات الرائدة وهذه الأجهزة موضوعة في أيدي أشخاص غير أكفاء كالجنرال ألين. وقد بلغ مسامعي أن كلّ اجتماع بين وكالات السياسة الخارجية في البيت الأبيض يبدأ بتنافس لغويّ موجه ضدّ بوتين والروس فيما أصبح يُعرف بتوليد التصوّر الذاتي النضالي الأسطوري ضدّ منافسهم. وفي مثل هذه الأجواء، لا يمكن توقع حجم ردود الفعل الأميركية حيال ازدياد النشاط الروسي على الأرض السورية.

لاجئو تغيير النظام على شواطئ أوروبا

كتب فياج براشاد لموقع «CounterPunch»: تتناقل مواقع التواصل الاجتماعي صوراً مريعة للاجئين من سورية ومن كلّ مكان، ممن جرفتهم الأمواج إلى شواطئ أوروبا. صورة واحدة على الأخص هي الأكثر رعباً ـ جثة الطفل إيلان الكردي ذي السنوات الثلاث. وهو القادم من مدينة عين العرب والذي أصبح الآن أكثر شهرة من خطوط المواجهة الأمامية بين «داعش» والميليشيات الكردية وتحديداً الـ YPG و PKK . ظهرت صورة هذا الطفل الكردي في وضعية الجنين. قلّة من يستطيع أن يحوّل عينيه بعيداً عن تلك الصورة من دون أن تدمع.

صورة كرتونية للرسام رأفت الخطيب للطفل إيلان الكردي، يظهر فيها جسد الطفل الذي تفصل الأسلاك الشائكة بينه وبين قارات العالم أجمع.

أطفال من أمثال إيلان الكردي قابلون للنسيان في مخيلة العالم. فآلاف الأطفال السوريين قد لقوا حتفهم منذ بدء الصراع. كما يموت آلاف الأطفال في النزاعات المسلّحة حول العالم. وأكدت تقارير الأمم المتحدة أن أكثر من نصف ضحايا مناطق النزاعات هم من الأطفال. وكانت منظمة «يونيسف» قد أصدرت عام 1995، تقريراً يشير إلى أن أكثر من مليوني طفل ماتوا بسبب النزاعات المسلّحة في السنوات العشر الأخيرة التي سبقت هذا التاريخ. لا يبدو أن هذا العدد يتضاءل، بل أن هذه الإحصائيات تؤذي وعينا. إنها صورة إيلان الكردي التي زعزعت مفاهيمنا الأخلاقية. فهل يهتم العالم فعلاً بالضرر اللاحق بالأطفال نتيجة الحروب وسياسات التجارة الشيطانية. نقترح أن النتائج توحي بأن العالم لا يهتم البتة، قد تهتزّ مشاعرنا بعد معاينة هذه الصورة الصادمة لجسد إيلان وتنفطر قلوبنا لرؤيتها، لكنها ـ للأسف ـ لن تغير شيئاً من سياساتنا.

يؤمن الغرب أنه من المقبول أن نتدخل للتأثير على السياسة الاقتصادية للعالم الثالث ـ لإجبار صندوق النقد الدولي ـ على تحقيق الإصلاحات في هذه الدول.

السماح لرأس المال بأن يكون بلا حدود. فالحرية لا تُعطى للعمال ـ للشعب. الهجرة ممنوعة. إنه لأمر كريه. تسمح الأفكار العنصرية في بناء الحصون ضدّ الحركة الشعبية الطبيعية. كما توضح أسوار الأسلاك الشائكة وأبراج معسكرات الاعتقال بوضع الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، على غرار الأسوار والخنادق حول حدود البحر المتوسط لمنع التدفق إلى أوروبا. اذا دمّرت الرأسمالية المجتمع هنا، فلن يُسمح للشعوب بالهجرة هناك.

ويعتقد الغرب أنه من المقبول الإطاحة بالحكومات وقصف الأعداء في دول العالم الثالث. وهي ترى أنها بهذا تضع حدوداً أمام الإنسانية. وهي تميل إلى تسمية هذه الإنسانية بـ«مسؤولية الحماية» وذلك بلغة الأمم المتحدة. أما عند انهيار الدول، كما حصل في ليبيا، فإن الغرب لا يتحمل مسؤولية هدم حيوات الناس في هذه المناطق. وبينما تنهار القنابل اللامحدودة العنف، يقف لاجئو الحرب في الطوابير ويوضعون في معسكرات الاعتقال. ولا يُسمح لهم بحرّية التنقل.

إن النفاق هو محور الأخلاق الغربية النخبوية. فهي تستعمل عبارات مثل «الحرية» و«المساواة»، وغالباً ما تعني عكسها تماماً . فلا يبدو أن نأن الحرية عند البشر مفهوم ذا صلة عندنا وأيضاً والمساواة بين البشر. الأكثر أهمية حرية المال. فالمال، والمال فقط هو الشيء الذي لا تصطدم حريته بشيء.

تبني كلاً من أوروبا والولايات المتحدة جدراناً لمنع حركة الناس. يحمل تمثال الحرية على مرفأ نيويورك عبارة «أعطني تعبك الخاص بك، فقرك فها هنا تجتمع الشعوب لتذوّق طعم الحرية». إنها أبيات شعرية للشاعرة إيما لازاروس منذ عام 1883. لا تبدو هذه الكلمات ذات معنى في أيامنا هذه. فما من جهد لإرسال المتعبين والفقراء والجماهير المحتشدة إلى برّ الأمان. إنها الشوفينية التي تقودها الدولة بوضعها للحواجز والتهديد بالرحيل.

مات إيلان الكردي. ويبقى أطفال كثيرون مثل إيلان. يدعونا هذا الغضب إلى الولوج في أعماق السياسة والدعوة إلى إيجاد حلول جذرية للعنف في سورية ولمسار جديّ للسلام في ليبيا، ما يفرض علينا أن نكون حازمين في كفاحنا ضدّ صندوق النقد الدولي وحلف شمالي الأطلسي لدورهم الفعال في تدمير المجتمعات والدول. إن هذا في جوهره هو دعوة حازمة إلى معاداة الإمبريالية. فالإمبريالية، بعد كل شيء، هي قوة اقتصادية إضافية تماماً مثل الحروب، أو هي صوغ غير متكافئ لقواعد التجارة والسماح للأقلية الرأسمالية في الحجز على أكبر قدر من الثروة الاجتماعية المنتجة عالمياً . إن لاجئين من أمثال إيلان الكردي هم لاجئو تغيّر المناخ، لاجئو تغيير النظام، ولاجئو صندوق النقد الدولي.

سيتحدث مدراء الغرب فقط عن المآسي والحماية. فالبنسبة إليهم، لا يعدو هؤلاء المهاجرين واللاجئين أن يكونوا مجموعات مقيدة الحراك. إنها هجرة محدودة. لن يقبلوا بنقاش الأسباب الحقيقية للمشكلة فالحروب والسياسات الاقتصادية هي التي تضع الملايين من الناس في حالات اللجوء. إنها وظيفتنا. بِاسم إيلان الكردي.

فياج براشاد هو مدير الدراسات الدولية في كلّية «ترينيتي»

ورئيس تحرير «رسائل إلى فلسطين ـ فيرسو».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى