يا قادة فلسطين… عودوا إلى شعبكم

د. عصام نعمان

ما كانت النكسات والمصائب التي أصابت قضية فلسطين، وآخرها حملة الاستيلاء على الأقصى، لتحدث لو لم تكن القضية قد فقدت مركزيتها في الحياة الفلسطينية، كما في الحياة العربية.

المسؤول الأول عن إضاعة مركزية القضية أهلها ولا سيما القياديّين المتمترسين على رأس شتى الفصائل الفلسطينية. هؤلاء جميعاً تحوّلوا من مقاومة إلى نظام، وبذلك لا يختلفون كثيراً عن أهل النظام في دول عربية عدّة هبّت عليها وأودت بها انتفاضات شعبية عارمة.

«النظام» الفلسطيني لم يتعرّض، بعد، لهبّة شعبية قوية. لعله أصبح محتاجاً إلى واحدة تحوّلها إلى انتفاضة جماهيرية هادفة. نعم، الشعب الفلسطيني مدعوّ إلى حوكمة «حاكميه» من قيادات الفصائل التي تبدو منشغلة بالتنازع في ما بينها على الصدارة والسلطة أكثر مما هي منخرطة في مقاومة مدنية أو ميدانية ضدّ العدو الصهيوني.

الخروج من الحالة الكارثية التي يرزح تحتها الوضع الفلسطيني، يتطلّب استعادة مركزية القضية. استعادةُ المركزية تتطلب استعادة الوحدة الوطنية داخل الكيان الفلسطيني المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية. ولا سبيل إلى النهوض بكلّ هذه المهام الاستراتيجية التاريخية إلاّ بتحرير المنظمة من أثقال السلطة، أي من «النظام» الفلسطيني المغلول والمشلول والعاجز عن مواجهة التحديات غير المسبوقة التي تواجه القضية والكيان معاً.

لقد فشلت جميع المحاولات لمصالحة الفصائل الفلسطينية ودفعها، مجتمعةً، إلى استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. لا يبقى، إذاً، إلاّ أن يعود القادة الفلسطينيون، بعضهم في الأقلّ، إلى الشعب الفلسطيني بما هو حارس القضية ومستودع القدرة على النهوض والتصحيح وإعادة البناء والتفعيل. القادة الثوريون مطالَبون، بالتعاون مع قياديين شعبيين آخذين بالتكاثر والتعاضد، بدعوة الجماهير الساخطة على جمود القيادات «الرسمية» وشللها إلى الاعتصام في مقار منظمة التحرير، كما في مقار الفصائل المنضوية تحت لوائها أو الناشطة خارج إطارها، داخل الوطن المحتلّ وفي عالم الشتات، لمطالبة قادة منظمة التحرير والسلطة وقيادات سائر الفصائل، تحت طائلة تدويم الاعتصام، بـِ «إسقاط النظام» الفلسطيني. ذلك يكون بِاتخاذ التدابير الآتية:

أولاً، إحياء الإطار القيادي المعروف بِاسم «لجنة تفعيل منظمة التحرير» المنبثقة من «إعلان القاهرة» العام 2005، التي لم تجتمع إلاّ مرة واحدة، وإعادة تشكيلها بقياديين كفوئين من الصف الأول في جميع الفصائل والهيئات والنقابات وميادين الحياة الفلسطينية، بعيداً عن المحاصصة والمقاسمة في توزيع مقاعد التمثيل، على أساس أنّ اتخاذ القرارات الملزمة في «الهيئة القيادية العليا» الجديدة يتمّ بالتوافق وليس بالتصويت.

ثانياً، تأليف حكومة وطنية جامعة من بين أعضاء «الهيئة القيادية العليا» برئاسة أبو مازن محمود عباس أو غيره، في حال رفضه، ممن تراه الهيئة مناسباً لتقرّر بالسرعة الممكنة:

أ ـ اعتبار الضفة الغربية واقعة تحت الاحتلال «الإسرائيلي» المباشر، وبالتالي إلغاء اتفاق التنسيق الأمني المعقود بين السلطات «الإسرائيلية» والسلطة الفلسطينية.

ب ـ دعوة الشعب الفلسطيني إلى مواجهة أعمال الاستيطان بكلّ الوسائل المتاحة، ولا سيما المقاومة المدنية والميدانية.

ج ـ تنظيم المرابطة في الأقصى على مدار الساعة، وتعزيز المواجهة في جميع أنحاء القدس والضفة الغربية، ولا سيما ما يتعلق منها بمقاومة أعمال الاستيطان.

د ـ تفعيل لجان القدس في الوطن المحتلّ وعالم الشتات، ولا سيما صندوق دعم القدس، وذلك بالتعاون مع جميع الجهات ذات الصلة.

ثالثاً، تتولى «الهيئة القيادية العليا»، بصورة موقتة، صلاحيات اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير، وتتخذ بالسرعة الممكنة التدابير الآتية:

أ ـ رسم سياسة الحكومة الوطنية الجامعة وتوجيهها ومراقبة أعمالها.

ب ـ تأليف لجنة تحضيرية مهمتها إعادة النظر بالنظام الأساسي لمنظمة التحرير بغية تحديد أسس تأليف المجلس الوطني الفلسطيني، سواء بالانتخاب أو بالتوافق، وإجراءات دعوته إلى دورات عادية أو استثنائية، وتعديل القانون الأساسي للسلطة لتحديد علاقتها بالمنظمة كي تصبح أداة من أدوات تنفيذ سياستها وقراراتها.

ج ـ تأليف «لجنة التخطيط الاستراتيجي» مهمتها إعادة النظر بِاستراتيجية العمل الوطني الفلسطيني بعد سقوط اتفاق أوسلو، وفشل ما يسمّى «العملية السياسية» من خلال اللجنة الرباعية وغيرها، واستشراء أعمال الاستيطان من جهة والاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية، ورفع العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة، وقبول عضوية فلسطين في نظام روما المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية من جهة أخرى.

د ـ بعد الإطلاع على تقارير اللجنة التحضيرية ولجنة التخطيط الاستراتيجي المنوّه بهما آنفاً وبتّهما، تقوم «الهيئة القيادية العليا» بدعوة المجلس الوطني الفلسطيني إلى الانعقاد خارج الوطن المحتلّ من أجل مناقشة وإقرار ما يكون قد جرى إعداده من تقارير وتوصيات ومشروعات ومخططات وإصلاحات، بحيث يُنجب المجلس الوطني في اجتماعه الاستثنائي التاريخي منظمة تحرير جديدة فاعلة بهيكليتها وقياداتها وأجهزتها واستراتيجيتها ووسائل عملها، وذلك كله في إطار صفتها ودورها كحركة تحرير وطني تعتمد المقاومة نهجاً وثقافة.

إنّ ترفيع منظمة التحرير إلى هذا المستوى المرتجى من الرؤية السياسية، والتنظيم الفعّال، والعمل المقاوم الهادف لا يمكن أن يتحقق من خلال آليات المنظمة والسلطة في وضعهما المزري الحالي.

ولأنّ القوى الحية في الشعب الفلسطيني قادرة، بالتأكيد، على تحقيق المرتجى لها ومنها، فهي مدعوة إلى الانتفاض ضدّ «النظام» المتهالك وذلك بالاعتصام الجماهيري في مقار منظمة التحرير على مدى العالم برمّته لحمل أهل القرار الفلسطيني في جميع مستوياته على الرضوخ لمطالبها المحقة.

الرضوخ لقوة المنطق تفادياً لمنطق القوة…

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى