البرتقاليون دينامية جديدة مقرونة بخيارات استراتيجية

هتاف دهام

شكل احتفال تجديد ميثاق التيار الوطني الحر حالة تكميلية للحشد الشعبي في 4 أيلول. بات الحدثان مرتبطين ببعضهما بعضاً، وسيرتبطان بالحدث الثالث في الحادي عشر من تشرين الأول المقبل في بعبدا. ما قام به البرتقاليون في وسط بيروت ليس حالة معزولة، بل دينامية جديدة وحيوية متجددة للعونيين وهذه اللازمة أقرنها الرئيس الفخري للتيار الوطني الحر العماد ميشال عون بمواقف سياسية لافتة أولها خياره الاستراتيجي على مستوى الإقليم، فهو متأكد من صحة خياراته على مستوى المنطقة وليس مستعداً على الإطلاق للتراجع عنها، وكذلك استخدام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة التي كانت بمثابة إضفاء حيوية متجددة على الخيار المقاوم للتيار.

كرّس الجنرال داخل مؤسسة التيار بصمته على انتقال «الزعامة» الى باسيل مع استمراره «الزعيم» الأعلى، وباتت لدى العونيين مع نجاح التجربة الشعبية المدوية في 4 أيلول ثقة ورغبة باستمرار الاستثمار بالحضور الشعبي الميداني المترافق مع طبقة سياسية عالية. والسؤال هل سيكتفي العماد عون بتظاهرة 11 تشرين الأول التي تسبق انتهاء ولاية قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز بأربعة أيام؟ وهل الترقية ستهدّئ الأمور؟ أم أنّ الحراك العوني سيبقى مستمراً لانتخاب رئيس من الشعب في مقابل الحراك المدني الذي يضغط لانتخاب رئيس توافقي تحت شعار التهديد بخطر الفوضى؟

لكن الحدث الأهم في احتفال «بلاتيا» تمثل بالإشارات التي أرسلها حضور حفل التسليم والتسلم للداخل العوني، للوسط السياسي، وللخارج الخليجي والدولي. إذ شكل وصول السفير الإيراني محمد فتحعلي خلال إلقاء العماد عون كلمته، والتصفيق البرتقالي الذي استقبل به، دلالة مهمة غير عادية، كان بمثابة شكر على الموقف الإيراني من الاستحقاق الرئاسي في ظلّ الضغوط الاوروبية، فالحضور الإيراني جاء ليؤكد مرة جديدة موقف الجمهورية الذي تبلغه الفرنسيون من أنّ طهران لن تضغط لانتخاب رئيس توافقي، وأنّ هذه المسألة تخصّ المسيحيين، وليجدّد التأكيد على عمق العلاقة مع الرابية، بالتوازي مع زيارة التهنئة التي قدّمها المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين خليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، وحضور الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الاحتفال ممثلاً بالوزير محمد فنيش ومشاركة عضوي المجلس السياسي في حزب الله محمود قماطي وغالب أبو زينب، في رسالة للحليف قبل الخصم تعكس متانة التحالف على رغم كلّ الضغوط، والإصرار على مواجهة المرحلة المقبلة ضمن خندق واحد، وعلى بقاء العماد عون المرشح الوحيد الذي يدعمه حزب الله لرئاسة الجمهورية كونه يملك عقلاً سيادياً وروحاً وطنيةً، وتشديد على أنه لا يمكن أحداً تجاوز «العماد» حتى لو بقي الفراغ الرئاسي ألف عام.

كذلك برزت في الحفل إشارة سياسية تمثلت بحضور الوزير نهاد المشنوق بخصوصيته الشخصية أولاً، وبصفته وزيراً للداخلية ثانياً، وكآخر شعرة معاوية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر ثالثاً، في ظلّ اختفاء النائب السابق غطاس خوري ومستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري وهذا له دلالاته، إذ يسجل للمشنوق جرأته واتخاذه عنصر المفاجأة في حركته السياسية.

تمهّل عون بأخذ القرار النهائي بالنسبة إلى هيئة الحوار الوطني، والواضح أنه يعطي بري وسعاة الخير وبينهم النائب وليد جنبلاط فرصة بحضوره اليوم، فالحوار لا يستطيع أن يبقى أسير الدوران في حلقة مفرغة في البحث في الملف الرئاسي، لا سيما في ظلّ تهديد رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة بالانسحاب إذا تمّ الانتقال إلى بند آخر، وهذا يتطلب من الرئيس بري أن يقدّم اليوم أجوبة على هذه الأسئلة، وما هي الآلية التي يمكن أن تنقل الحوار من الرئاسة إلى العناوين الأخرى، في ضوء إجماع المتحاورين أنّ الطاولة لن تكون إلا تقطيعاً للوقت، وأنّ أقصى ما يمكن التوصل إليه في ساحة النجمة هو تفعيل العمل الحكومي وعودة العمل للمجلس النيابي، في ظلّ الحديث عن أن التسوية التي تقوم على توسيع المجلس العسكري ليضمّ 5 أعضاء وترفيع 3 عمداء إلى رتبة لواء من بينهم العميد روكز، تقترب من الحلّ مع الدور الذي يلعبه جنبلاط لصوغ تسوية لهذا الموضوع، بإجراء اتصالات ومشاورات مع الرئيس ميشال سليمان وتيار المستقبل اللذين يمارسان الكيدية السياسية مع عون بوضعهما عقبات أمام ترقية روكز.

وعليه فإنّ الحوار سيبقى قائماً بالتزامن مع الحراك المدني، إلى حين حصول تسوية إقليمية تفرض ما تفرضه على الداخل اللبناني، غير أنها لا تزال بعيدة، فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي طرح أن تستضيف إحدى الدول الإقليمية حواراً لبنانياً للحلّ، استدرك عقب المحادثات التي أجراها مع السفراء الإيراني فتحعلي، الأميركي ديفيد هِلْ والبريطاني هيوغو شورتر، أنّ الاجواء ليست أجواء تسوية، وأنّ كلّ ما يُحكى عن صفقة مستوحاة من مفاوضات الدوحة في إطار معادلة تجمع بين القانون الانتخابي والرئاسة، ليست إلا أوهاماً، فالنظام السياسي لم يعد يصلح، نحن نحتاج الى إصلاح النظام السياسي أو إلى عقد اجتماعي جديد ويجب التسليم بأنّ حجم الترهّل في هذا النظام وصل إلى درجة بات من الكذب القول أنّ الطائف لم يطبّق، فالأزمة هي أزمة كيان ووطن لا يمكن حصرها بانتخاب رئيس، لكن الخوف أن نستعيد دينامية الدماء التي سبقت الحوارات منذ عام 1975… فهل نحن في حاجة إلى دماء للذهاب إلى إعادة صوغ النظام أم أنّ أزمات الكهرباء والنفايات والمياه وحرص الغرب على استقرار لبنان ستدفع بنا إلى نظام جديد من دون إراقة دماء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى