جنبلاط يُقرّ: «إنه زمن الإيرانيين في المنطقة»

روزانا رمّال

موقف جديد أعلنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري حيال سورية ورئيسها بشار الأسد، حين قال: «لقد طالت الأزمة في سورية أكثر مما يجب. نعم يجب على الأسد الرحيل لكن ليس بالضرورة الآن… نحن نعتقد أنّ روسيا وإيران قادرتان على إقناعه بالمفاوضات».

دخلت روسيا الأراضي السورية، بزخم وإصرار غير مسبوقين، لمكافحة الإرهاب هناك، واندفعت الولايات المتحدة نحو المزيد من التنسيق معها كي لا يحصل أيّ تضارب أمني أو عسكري، بين طلعات جوية روسية وطلعات التحالف الدولي. تدرك واشنطن أنها تساير المتضرّرين بهذا الكلام وهي تعرف أنه أبعد مما يوحي، فالتنسيق الذي تبتغيه مع روسيا هو تنسيق متدرّج مع الجيش السوري، أيّ تنسيق غير مباشر يبدأ بالمراسلة والتنسيق «بين صديقي وصديق صديقي».

بدأت مرحلة الحلّ السياسي في سورية مسارها الجدي بهذه المواقف، وهو الحلّ الذي لم يكن ممكناً البحث فيه قبل الحلّ الأكبر الذي تبين أنه مفتاح حلّ باقي الملفات في المنطقة والذي يُعتبر مزيجاً من النصر الإيراني والصمود السوري وهو حلّ الملف النووي غربياً مع طهران، بتحول تاريخي في العلاقات بينها وبين الغرب.

على أثر هذا الاتفاق، تتوجه الولايات المتحدة بسلاسة نحو حلّ سياسي في سورية، يبدو أنّ تجهيز أرضيته دولياً يلوح في الأفق عبر تبدُّل مواقف بعض الدول الأوروبية الكبرى تجاه الرئيس بشار الأسد، وكلّ هذا تبعاً للمتغيّرات الأميركية في المنطقة بين هواجس واستراتيجيات منذ المرحلة الجديدة التي قرّرت دخولها مع إيران.

لطالما كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ساعة توقيت واشنطن في لبنان، فهو الذي واصل التناغم والقرار الأميركي فيه منذ القرار 1559 الذي نفذ برغبة أميركية بإخراج السوريين من لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد تميّز جنبلاط بعلاقة مميّزة مع سفير واشنطن في بيروت في تلك المرحلة جيفري فيلتمان، حتى أضحى كلّ تبدّل في موقفه أو تحالفاته مؤشراً على متغيّرات أميركية تلوح في الأفق.

يتلمّس وليد جنبلاط اليوم التبدّلات الأميركية الواضحة، وقد حاول تمرير بعض الرسائل من خلال كلمة ألقاها منذ أيام، عبّر فيها عن رغبته في أن يُعقد مؤتمر يأخذ اللبنانيين جميعاً إلى اتفاق على غرار ذلك الاتفاق الذي جرى في الدوحة، «حيث وضعونا في الفندق ثلاثة أيام للمحادثات في ما بيننا برئاسة أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة ورئيس الوزراء آنذاك حمد بن جاسم، وفي النهاية وصلنا إلى تسوية». وأضاف: «لا أرى في الوقت الحاضر ظروفاً محيطة، إقليمياً ودولياً، للوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وأتمنى اليوم أن يأتي أحد ما ويأخذنا إلى جزيرة، وقد سميتها الخليج الفارسي، فأنا أعلم أنه خليج عربي، ويمكننا أن نسمّيه خليجاً إسلامياً كحلّ وسط، ولكن بما أنه حصلت تسوية أميركية إيرانية، فلا بدّ أن يأخذنا الأميركيون والإيرانيون إلى هناك لكي نتفق، أو إلى خليج البحر الهندي، في إحدى الجزر لأنني لا أرى، في الوقت الحاضر، ظروفاً مواتية لانتخاب رئيس».

يعترف جنبلاط بأنّ الزمن هو زمن إيران والولايات المتحدة في المنطقة، وبأنّ هناك شيئاً كبيراً يحصل لا يريد أن يتجاهله ولا يريد أيضاً أن تتجه الأمور نحو هذا الطريق وهو في المقلب الآخر، فهو يدرك أنّ التحالفات تغيّرت، وأنّ أوضاع كثيرة تبدّلت، وأنّ التعويل الأميركي على دول رئيسية كالسعودية في التسويات المتعلقة بالملفات المعقدة كمكافحة الإرهاب وإغلاق بعض الملفات التي فتحتها الولايات المتحدة لا تتمّ من دون إيران.

وليد جنبلاط قارئ سياسة رفيع المستوى، لكنها السياسة التي تتفق مع الأميركي وتقلباته، وهو غير محرج بأيّ تقلّب يأخذه إلى ضفة لا يريدها إذا كانت مضمونة استراتيجياً مع حلفائه.

مبكراً، يحاول جنبلاط الإيحاء داخلياً بدخول هذا الزمن، أي الزمن الإيراني الأميركي ويبدي نوايا طيبة بخصوص العماد عون أرسلها مع بعض نوابه، وهو يؤكد على أنّ مطالب العماد عون محقة وأنه لا بدّ من التفاهم معه، ويجب أن نقرّ بهذه المسائل منها مسألة التعيينات الأمنية حسبما جاء على لسان أحد نواب كتلته.

ساعة توقيت الولايات المتحدة في لبنان تبقى وليد جنبلاط، وها هو يأخذ على عاتقه منذ الأسبوع الماضي العمل على تقريب وجهات النظر مع التيار الوطني الحر وباقي الفرقاء، عبر موفدين من قبله وكلّ هذا بناء على مقترح سوّق له السفير الأميركي دايفيد هِلْ معه، والذي ينص على ترقية قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز وقادة المناطق وعمداء مرشحين لعضوية المجلس العسكري إلى رتبة لواء، وهذا ليس المهمّ، فالمهمّ أنّ جنبلاط تلقى التبدّلات المقبلة ويعرف أنّ عون حليف حزب الله القوي، كذلك هو حليف الإيرانيين شركاء هذا النظام الإقليمي الجديد.

يودّع جنبلاط مرحلة مليئة بالخضّات والمحطات ويودع أيضاً رئاسة حزب ترأسه في أصعب ظروف عاشها، وبموضوعية يعترف جنبلاط اليوم بأنّ هذا الزمن هو زمن الإيرانيين في المنطقة، وبموضوعية أيضاً سيقرّ قريباً بأنّ الرئيس بشار الأسد باق رئيساً لسورية، بتسوية سياسية فرضها بقاؤه وقوة حضوره وصحة تموضع مع استراتيجية راجحة مع الروس والإيرانيين وسيعترف بأنّ لذلك أثراً كبيراً على لبنان وعلى المرحلة المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى