سنا البنا: عالم الكتابة واسع ولا يحلّق به إلّا من يملك ناصية اللغة

لمى نوّام

وسط حضور حاشد من أهل الثقافة والفنّ والسياسة والإعلام، وأصدقاء الكلمة الصوفية، وقّعت الكاتبة سنا البنا مؤخراً في قصر الأونيسكو، كتابها «رسائل إلى مولانا»، الصادر عن «دار نلسن». كما أقيمت ندوة حول الكتاب تحدّث فيها كل من الوزير السابق الدكتور طراد حمادة والدكتور غالب غانم والأب جورج مسّوح، وأدارها الشاعر نهيد درجاني.

حضر حفل التوقيع النائب السابق لرئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، النائب علي بزّي، مدّعي عام التمييز القاضي عماد سعيد، الشيخ القاضي نزيه أبو ابراهيم، رئيس محكمة عاليه المستشار الثقافي لمشيخة العقل دانيال عبد الخالق، منير حمزة ممثلاً البنك الدولي في أفريقيا، الكاتب الدكتور حبيب فياض، الشاعر شوقي بزيع، رئيسة «ديوان أهل القلم» الدكتور سلوى الخليل الأمين، وحشد من الأصدقاء والكتّاب والشعراء والنقّاد والإعلاميين.

«البناء» التقت الكاتبة سنا البنا، التي تحدّثت عن مضمون كتابها فتقول: «هي رسائل عصرية تتوافق مع التطوّر الذي حصل في الزمان والمكان. تشترك بسماتها مع ما كان يؤمن به مولانا جلال الدين الرومي، على رغم الفارق الشاسع زمناً وفكراً بحتمية التطوّر المفروضة على أساليب الحياة. وكما كان الأوائل من المتصوّفة إلى زمن جلال الدين الرومي، ينحون باتصالهم بالأعلى عن طريق ما كان مشاعاً ومخاطباً في ذلك العصر من ناحية الخيال والتكثيف النصّي، واستخدام الأسماء الأنثوية في قصائد الشعراء بمعنى الرمزية للوصول إلى مبتغى الصوفيّ في مخاطبته الأعلى في مفاهيم الاتصال بين الحق والخلق، ونظرية الوحدة ومعنى الاتحاد ومفهوم الربوبية والعبودية وحقيقة الأشياء والحمد للذات الإلهية. وغالبية الرموز الموصوفة للذات الإلهية بمحبوبات العرب المشهورات مثل ليلى وهند وسلمى ولبنى وأسماء، والقصد من هذا في نظر الصوفية يرجع إلى المفهوم الصوفي، كون كلّ مظاهر الجمال والوجود، إنما هي تجلّيات للجمال الإلهي الذاتي، والمرأة هنا إشارة حسّية باهتة للجمال الأزلي».

وتؤكّد البنا: «رسائل إلى مولانا» لا تُحدّد بمحور واحد. هي حوارات تتعلق بالحياة والإنسان والوطن والوجود والأرض. من عاشقة تقمّصت شخصية قديمة وأخذت تحاوره على رغم مرور أكثر من ثمانمئة سنة. تحاوره وكأنه موجود وتسرد له تفاصيل عاطفية ووجدانية وانتمائية. وما دعاها إلى هذا، الهوّة التي اتّسع مداها في عصرنا الحاضر ما بين الروح ومتطلباتها والمادة ومغرياتها، وعدم وجود توازن يحقّق للمجتمع وحدة التآلف، بحيث طغت المادة على الروح وأحدثت شرخاً لا يمكن إصلاحه بسهولة. أحياناً نهرب من واقعنا المؤلم علّنا نجد في رجوعنا إلى الماضي بعضاً من حلّ من خلال ما تميّز به مولانا جلال الدين الرومي من روح سامية حلّقت في فضاءاتها الواسعة وصولاً إلى ما يحقّق للروح الهدوء والرضا والاستقرار.

وتضيف الكاتبة: بدأت في كتابة «رسائل إلى مولانا» منذ أربع سنوات. والأمر يعود إلى أنّ النصوص الأصلية تفوق حجم الكتاب الحالي، وكان يمكن أن تكون في أربعة أجزاء، وفضّلت أن تكون المواضيع المطروحة بما يناسب الوضع العام وتقبّل القارئ النصوص الصوفية المستحدثة. علماً أنني لا أكون بالضرورة متصوّفة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، وأنقطع عن عالمي. أن تعشق امرأة متصوّفاً ليس بإمكانها التحدث بغير لغته، على رغم جنوح النصوص إلى أمور حسّية في أحيان كثيرة، مع أننا لا نستطيع الخروج من النصّ الصوفي، وليس بإمكاننا أن نكتب كما كانوا يكتبون. فنحن في الألفية الثالثة، ومتغيرات الحياة وأساليبها مختلفة تماماً عما كان معروفاً آنذاك. وتبقى الخطوط العامة ما بين القديم والحديث مشتركة على رغم تغيّر الوسائل في الحياة والعيش بحتمية التطور الذي يفرض نفسه على كل النواحي.

تقول البنا في إحدى رسائلها: «سأطلّ على الدنيا من بوابة عينيك فانتظرني»، وعن هذه الصوَر التي تنقل القارئ إلى زمن حبّ ظنّ كثيرون أنّه اندثر تقول: «نصوصي في غالبيتها تحمل الكثير من التأويل، وهذا شرط الكتابة الشعرية الصوفية لما تحمله من إشارات رمزية. حين يتحدّد النصّ في هدف معيّن يفقد حيويته وجماله. وما على القارئ إلا إعمال فكره كي يكتشف ما خفي عنه. وأن يصل إلى ما أرمي إليه في رسائل إلى مولانا. قد يظنّ القارئ أنها تخاطب الله في علاه لأن الاطلالة على الدنيا من موقع أعلى تؤكد هذا القول. بينما قارىء آخر يقول إنها تخاطب مولاها جلال الدين الرومي لما تميّز به من حسّ مرهف وشعور فيّاض تجاه الخالق، وأراد بصوفيته أن يحقّق حلوله بالذات الإلهية، وأن يستكشف ماهية الربوبية والعبودية. وقد يقول آخر إنها تقصد الحبيب المنتظر بخطاب مباشر. وبعبارة موجزة تؤكد سعيها إلى لقائه بأسلوب الإشارة الرمزية التي تحمل أكثر من معنى. وأترك للقارئ حرّية تحديد المقصود من الكلام كي يسمو المعنى في نفسه».

وعن طموحها في عالم الشعر والكتابة تؤكّد البنا أن طموح الكاتب أو الشاعر أو الفنان لا يتوقّف عند حدّ معيّن. فهو يسعى دائماً إلى الأفضل. وكلّما زادت تجربته في الحياة ازداد نشاطه الأدبي وحقّق ما كان يتمناه. «شخصياً، لا أستعجل الأمر في هذا الطموح، فالزمن كفيل بما يحقّقه لي من مواصلة دؤوبة في مشاريعي الأخرى مثل إكمال روايتي التي لم تنتهِ بعد. إن عالم الكتابة والشعر واسع ولا يحلّق به إلا من يملك الأدوات التي تساعده في متابعة مسيرته، ومنها السعي إلى مواكبة ما هو جديد في عالم الأدب، وامتلاك ناصية اللغة التي توصلك إلى مبتغاك بأسلوب يختلف عن الآخرين. فلكلّ كاتب أو شاعر أسلوبه الخاص الذي يتميّز به ويعرَف من خلاله. والأدب عموماً يحتاج إلى متابعة كي نتمكن من مواصلة العالم الذي نعيش فيه».

كما التقت «البناء» النائب إيلي الفرزلي الذي قال: «إذا أردت أن تعرف عمّا إذا كان المجتمع متحضّر أم لا، عليك أن تذهب عميقاً في المجتمع وترى إن كان الناس يهتمون بشؤون غير الشؤون الاقتصادية والمالية. يأتي توقيع هذا الكتاب إلى جانب توقيع آخر في الجهة الأخرى من قصر الأونيسكو، ليُدلّل على أنّ النشاط الثقافي هذا، هو الدليل على أن هذا البلد لا يزال يتمتّع بما سبق وتمتّع به وصنع مجده على أساسه، والمتمثل في الزاوية الثقافية. هذا الكتاب ـ رسائل إلى مولانا ـ للكاتبة سنا البنا لم أقرأه بعد. لكنني تابعتها لماماً في بعض كتاباتها. شدّتني إليها، جئت إلى حفل التوقيع لأسمع بعض الكلمات وأشاهد الحفل فأستحصل على هذه الجوهرة لأقرأها».

من ناحيته، قال الدكتور حبيب فياض: «على رغم من كل المِحن التي يتعرّض لها لبنان، وعلى رغم كلّ الأزمات التي تعصف به، إلا أننا يمكننا القول إن الهوية الأساسية للبنان، هوية ثقافية. مهما تكن طبيعة المرحلة التي يعيشها اللبنانيون، إلّا أنهم في خضمّ هذا المشهد، يصرّون على إحياء المناسبات الثقافية وعلى إثبات أن الثقافة في هذا البلد أرقى وأسمى من الممارسات السياسية التي أدّت إلى تشويه صورة لبنان. وبشكل عام، إنّ هذا الكتاب ـ رسائل إلى مولانا ـ للشاعرة سنا البنا، يشكّل إضافة جدّية إلى طريق الثقافة الروحية، إلى طريق إشباع المعنويات. يعدّ هذا الكتاب خطوة متقدّمة على طريق تحويل العشق الإلهي إلى مادة متداولة بين الناس. وبالتالي يمكن لهذا الكتاب أن يشكّل مخزوناً روحياً أساسياً على قاعدة إشاعة ثقافة المحبة، بدلاً من ثقافة الكراهية والعصبيات التي يعيشها لبنان والمنطقة».

وقال مدير «دار نلسن للنشر» سليمان بختي: «رسائل إلى مولانا للشاعرة سنا البنا، من الكتب التي تشكّل حساسية جديدة بنوعية التجارب التي نراها. خصوصاً أنّها تعبّر عن تجربة صوفية عميقة من خلال رسائل إلى مولانا. هذا الكتاب يضيف حساسية جديدة لنتاجنا الشعري وتجربة مميزة يبنى عليها في ما بعد، خصوصاً في مجال الشعر الصوفي. ونحن نحاول في عملنا كدار نشر أن نؤمّن مساحة وفضاء ممكنين، حتى تجد هذه التجارب مجالاً لإشاعة الأحاسيس، لأن كل هذا التفاعل هو الذي يخلق تقدّماً في الحركة الشعرية، فتكون هذه الحركة وليدة اختلاف لا وليدة تشابه وتكرار».

وقال الكاتب والناقد يوسف هزيمة: «هذا التوقيع يشي بأن البلد والثقافة ما زالا بألف خير، وأنّ بيروت كانت ولا تزال وستبقى مدينة الثقافة في العالم العربي وفي كل العالم. هذه الأهداف الثقافية تشير بشكل واضح إلى أن الثقافة هي البوصلة ويجب أن تكون كذلك. وأن الثقافة هي الهدف. أما هذا الكتاب ـ رسائل إلى مولانا ـ لسنا البنا، فإنني أعتبره شعراً من الطراز الأول، ويذكرني بشعراء الصوفية، ولا أغالي إن قلت أنّ نظير هذا الكلام ـ مبنىً ومعنىً ـ نراه في أشعار رابعة العدوية والحلّاج وغيرهما».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى