تسيبراس: عن أيّ ديمقراطية يتحدث الغرب؟

عامر نعيم الياس

فاز رئيس الوزراء اليوناني في الانتخابات اليونانية الثالثة التي تُجرى في غضون تسعة أشهر. فاز آلِكسيس تسيبراس بنسبة 35 في المئة من أصوات الناخبين اليونانيين، محافظاً على النسبة التي حصل عليها في انتخابات كانون الثاني الماضي، وهو أمرٌ يحسب له. ربحَ الرجل رهانه الجريء وأثبت أنه رقم صعبٌ في المعادلة الداخلية اليونانية، ولا بديل عنه على المستوى الوطني في دولةٍ تشهد مصاعب جمّة وأزمةً اقتصادية خانقة لا يعرف مصيرها حتى اللحظة، مع أن الشعب اليوناني جدّد ثقته بزعيم حزب «سيريزا» لأربع سنوات مقبلة.

تطرح الانتخابات اليونانية عدداً من الأسئلة حول جدوى التصويت في انتخابات لا رأي فيها للشارع. فالبرامج يبدو أنها ليست من اختصاص الشعوب. وجلّ ما تمنحه الديمقراطية لهم اختيار أشخاص بهيئة أبطال وطنيين حيناً، وشخصيات غير تقليدية تخرج عن تقاليد الطبقة السياسية الغربية المحافظة حيناً آخر.

عاملان يبدو أنهما متكاملان في صورة تسيبراس. فهو شخصية بدأت نشاطها العلني السياسي عام 2009، وتتمتع بالقبول لدى اليونانيين، وخارجة عن الطبقة السياسية الكلاسكية التي حكمت أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. عدا عن ذلك، لا يبدو أن للبرامج والتحوّلات والانقلابات على الرأي االعام وبالتالي على أبسط مبادئ الديمقراطية أيّ أثر على الأرض. فبالنسبة إلى زعيم حزب «سيريزا» الذي أعيد انتخابه، نلاحظ انتقالاً للرجل من ضفة إلى أخرى، وانقلابه على مبادئه بمقدار 180 درجة. فمن زعيم لليسار الراديكالي في اليونان وظاهرة أوروبية مقلقة تدافع عن السيادة الوطنية لأثينا في وجه بيروقراطية الاتحاد الأوروبي وخططه التقشفية، وصل إلى رئاسة الحكومة في كانون الثاني الماضي تحت بند معاداة التقشّف، إلى رجل هو ذاته وصل اليوم إلى رئاسة الحكومة باعتباره مدافعاً ومتبنّياً ومنفذاً للعقيدة الليبرالية التي تمليها بروكسل. فالرجل أقرّ الخطة الأوروبية للتقشف في الثالث عشر من تموز الماضي منقلباً على رأيه العام الذي رفض هذه الخطة الصيف الماضي بنسبة تصويت تجاوزت 62 في المئة. فكيف يمكن أن يكون لأيّ تصويت معنى وبالتالي لأيّ عملية ديمقراطية انتخابية كما يطالب الغرب دوماً، إن كانت الإملاءات المفروضة من الخارج والتي تتعارض مع رغبة الناخبين هي التي لها السبق والكلمة الأولى؟ ألا يعتبر هذا الأمر هزيمة وطنية وخرقاً لسيادة البلاد؟

جدّد اليونانيون ثقتهم بزعيم حزب «سيريزا» الذي من المتوقع أن يقود البلاد من دون أيّ عوائق بعد مجازفته بانتخابات مبكرة على إثر انقلابه على تعهداته التي لم يمضِ عليها سوى تسعة أشهر. وفي هذا السياق يتوقع أن تمضي خطة بروكسل قدماً وهو ما يمكن اعتباره نصراً إضافياً لسياسة المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل على المستوى الأوروبي، ودليلاً على عقم اليسار الأوروبي وارتهانه لمصالحه قبل أيّ أمر آخر، شأنه شأن اليمين المحافظ. لكن رغبة الشارع الأوروبي في التغيير والخروج من عباءة الأحزاب الكلاسيكية هي التي حافظت على اليسار في اليونان، وليس أي شيء آخر يتعلق بالإصلاحات وتلبية مطالب الشعب وتوجهاته. فالتغيير هو تغيير شكلي ويبقى المضمون واحداً، فيما 62 في المئة من الشعب اليوناني الذي عارض سياسة التقشف أعاد انتخاب تسيبراس ليطبّق هذه السياسة بحذافيرها.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى