موسكو وحزام «كسر » الدولة السورية

لؤي خليل

جميع الوقائع الميدانية الأخيرة في الواقع السوري المتأزم أكثر يوماً بعد يوم، وتناقضات المشهد الدولي المتقلب بين الحلول والتصعيد، يكشف مرة جديدة الضغوط والأموال التي تدفع بها واشنطن وحلفاؤها لكسر الدولة السورية، تكشف وليس للمرة الأولى رهان واشنطن وأمرائها الخليجيين لإسقاط الدولة السورية مؤسساتياً.

هذه الفوضى التي سعت واشنطن وأعوانها عبرها إلى إنهاك جسد الدولة السورية وجيشها، كانت دوماً تحت نظر القيصر الروسي، فالمجهر الدقيق الذي أثبتته وقائع الاستراتيجيات الروسية أثبتت أنّ السياسة لا تقوم على الانفعا ت والتصريحات المتناقضة التي ارتهنتها مجدّداً واشنطن، لعلها تجد في مدّ اليد من جهة والضغط بيد أخرى سقاط جسد الدولة السورية.

فواشنطن التي اعتقدت أنّ هناك بحكم الاتفاق النووي استراتيجيات لطهران ستسقط، وأنّ الحراك ا يراني سينخفض إلى درجات يجعل من إنهاك الدولة السورية لقمة سهلة تأكلها تل أبيب ومن خلفها آل سعود وأردوغان، لم تجد إلا تصميماً قلب كلّ موازين التوقعات الأميركية، وهو تصميم دفع با دوات إلى تكثيف عملياتها ا جرامية، والدفع باتجاه الحرب الطائفية بين مكونات الشعب السوري في الجنوب والوسط السوري ودمشق، ظناً من تلك الأدوات أنّ خرقاً كبيراً سيحدث وسيكسر الجمود، هذا الرهان الذي ابتدعته واشنطن بأدوات إرهابية تارة بمسمّيات ا عتدال ومحاربة الإرهاب، هذه المعتقدات والعقليات التي تربّت على القتل والفوضى، قتل كلّ حامل سلاح في وجه «إسرائيل» بحجة الخلاف في الدين، لتثبت الرعاية الصهيونية لبرامج تدريبهم الموجه في جسد الحلف المقاوم.

فهذا الخنوع بدا في وجوههم منذ حرب العراق وتشويه القرآن ومبادئ رسوله… نعم منذ بداية الحرب على سورية لعبها هنري ليفي وأعوانه العرب المتصهينون هذا جناحهم المتصهين، لعبوها بالعقيدة المتطرفة في الجنوب السوري ظناً منهم أنّ أهالي الجنوب السوري سينغمسون في حربهم، لعبوها في الدم والفضاء، لكنهم نسوا أنّ هناك في اأرض أصحاب دين، وأصحاب عقيدة مجتمعية، وأصحاب ثقافة المقاومة والانتصارات التي تعانق الفضاء وتتكلم في الأرض شهادة.

فالنصر الشعبي السوري ومن خلفه قيادته وجيشه كان في صميم البوصلة الروسية التي توازت مع قوة الصمود السوري والحرص ا يراني على عدم ا نهاك المبكر النهائي للوجود السوري المنظم في أكثر من منطقة، هذه التداعيات والتحليلات تفسّر حجم المعادلة التي بدأت ترتسم على ا رض السورية.

فموسكو التي بدأت تتعامل مع ما يسمّى المستحيل الأوروبي الذي رسمه الغرب في ما يخص العزلة العسكرية السورية، وكسرت كلّ هذا الجمود، وضخت بكل طاقاتها العسكرية لحماية حزام الأمان السوري، ليجد استعراضاً تاريخياً للقوة الروسية في عرض المتوسط، هذا الزخم الروسي لم يكن ليتمّ لو الطاقة الصينية أيضاً التي رسمت خطوط نهاية القرن الأميركي الذي يحدّد فيه الغرب فقط ملامح الشرق الأوسط، فالغرب الذي تخبّط بعد الصدمة ا يرانية وحلّ الملف النووي ظناً منه أنّ هناك أمراً طارئاً سيحدث، أو أنّ الحلف المقاوم سيتفكك تحت طوق المصالح الإيرانية في منطقة اليورو، هذه النتائج التي لم يحصل عليها الغرب ولم يجد أمامه سوى بوارج من الإمداد الروسي تجوب شواطئ البحر المتوسط، وروسيا التي تتلمّس منذ بداية العدوان فاشية هذا العدو انتظرت اللحظة الحاسمة لتثبت لهذه الكيانات أنها تدافع عن الشرعية السورية، وأنّ جدار أمان يجب أن يرسم حول الدولة السورية، رسالة لم يفهمها الغرب بالسياسة فسعت موسكو وخططت عالمياً أنّ الشرعية يجب أن تحمى، وهذا القناع الأميركي بمكافحة ا رهاب يجب أن يسقط، فالغرب الذي احتلت شاشاته في الفترة الأخيرة مشاهد الإرهاب اللقيط الذي تدفع به واشنطن وعملاؤها وتهيّئ للغرب صورة هذه «الثورة الإرهابية» ومخططيها، لتصل إلى مشاهد البيت الروسي تدفق اللاجئين المبرمج هذه الخطورة لم تكن لتحدث لولا السيناريو المخطط مسبقاً في قلب الشرق الأوسط والفوضى المتنقلة التي من الممكن أن تستخدم في عتبات الكرملين، ليأتي الردّ الروسي المنسّق مع الصين والممنهج على الأرض السورية لا إسقاط لقيادة الرئيس الأسد وعلى الغرب إنْ أراد مكافحة الإرهاب أن يلتحق بالحلف الروسي الجادّ في هذه المعادلة.

فقلب الطاولة بدأ يصنعه الكرملين بقوة استراتيجية المسيسة الواضحة التي لم تعد تترك للخصم مجا ً لصياغة رؤية فوضوية بحسب السيناريو الغربي، والذي لا شك سيسعى إلى إفشال هذا المدّ الروسي على واقع الأرض، وهذا وذاك بسياسة التنقل الأميركية من كتف إلى آخر تصافح بيد وتقاتل باليد الأخرى، لم تعد تجدي نفعاً، فجميع التحركات الغربية تحت أعين الدب الروسي فلا مجال للهروب إلى ا مام وفتح ثغرات للإرهابيين في حصون دمشق لعلها تحقق مكاسب إعلامية غربية تفيد شاشات النفاق العربي.

الجميع أصبح محرجاً، فلا مجال للعناد لأنه أصبح وعلى أعين جميع الأطراف التي أصبحت ترى بالعين المجردة، حلفاً مقاوماً على الأرض يرسم حزام أمان يحمي سورية في قلب الكرملين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى