لبنان: رئاسة انتقالية أم فوضى أم انتظار طويل؟

روزانا رمال

كان معلوماً منذ قرابة السنوات الخمس، ومع بدء «الربيع العربي»، لدى الأطراف اللبنانية المتقابلة على ضفتي الصراع المفتوح، مع تحوّل سورية إلى الساحة الرئيسية لرسم توزانات الشرق الأوسط، أنهم منخرطون بهذا الصراع إلى حيث لا فرص للتوافق بينهم على تمرير أيّ من الاستحقاقات قبل اتضاح صورة الصراع النهائية، وقرّر الجميع الانتظار بلا أن يرفّ لهم جفن، فمدّد للمجلس النيابي لأول مرة بلا أسباب مقنعة او منطقية، فسقط استحقاق رئاسة الجمهورية قبل حلول موعده، وولدت قيصرياً الحكومة الحالية التي كانت ولادتها ممنوعة كإطار جامع للأطراف المتنازعة في ظلّ الفيتو الذي وضعته السعودية على مشاركة حلفائها في حكومة واحدة مع حزب الله، لكن الحكومة ولدت بإزالة هذا الفيتو ليس بحثاً عن التوافق، بل لكونها ضرورة التغطية على الفراغ الأكبر الذي سينتظر اللبنانيين مع بلوغهم موعد نهاية ولائية الرئيس السابق ميشال سليمان، لأنه لن يكون مسموحاً لهم ولا ممكناً أن يبلغوا النجاح في صناعة رئيس جديد لجمهوريتهم، وتتالت الاستحقاقات تباعاً، ومدّد للمجلس النيابي مرة ثانية، وبقيت الرئاسة معلقة.

كان اللبنانيون كشعب ونخب وحتى كسياسيين يعيشون على أمل أنّ اقتراب الأزمة السورية من بلورة منتصر أو مهزوم بشكل نهائي، وقبله بلورة نهاية واضحة للملف النووي الإيراني، ستضخّ الفرص الإيجابية في شرايين الانقسام الإقليمي الكبير الذي تقف إيران والسعودية على طرفيه وينقسم اللبنانيون من حولهما، ولما جاءت حرب اليمن صار اللبنانيون يتابعون تفاصيلها من جهة لحماستهم كلّ فريق لجماعته بالوكالة من حيث من يمثلون بين الجبهتين السعودية والإيرانية، ومن جهة موازية لكون أيّ بارقة حلّ يمني كانت تعني لهم أنّ الأمور تتجه للتسويات وأن موعد مرور قطار التسويات سيقترب من المحطة اللبنانية.

يقف اللبنانيون اليوم أمام مشهد محيّر، فآمالهم بالحلول تتضاءل، وتفاؤلهم بالتسويات يحلّ مكانه التشاؤم، فالملف النووي الإيراني وصل إلى ضفة السلام وبدأ تنفيذ مندرجاته، وصاروا يقولون ننتظر اليمن وها هو اليمن يستعدّ لخيار تفاوضي قريب فصاروا يقولون سورية، وهناك من يقول في ضوء ما يجري منذ الدخول الروسي القوي على خط الحرب في سورية، وخصوصاً بعد قمة الرئيسين الروسي والسوري فلاديمير بوتين وبشار الأسد، والاتصالات التي أجراها الرئيس بوتين بقادة المنطقة، وخصوصاً بملك السعودية، وكلام وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن عقد لقاء رباعي في فيينا يضمّ روسيا وأميركا وتركيا والسعودية، وبعدها حديثه عن دور لقطر والأردن في الحلّ، أنّ سورية تسلك طريقاً واضحاً نحو تكريس شكل من القبول ولو المتردّد والمتأرجح، لكن بالنهاية نوعاً من التسليم والتغاضي عن تحوّل المشيئة الروسية إلى قدر لا يمكن ردّه، وبالتالي دخول سورية حقبة حسم عسكري ومن ورائه حلول سياسية يتكرّس عبرها انتصار الرئيس السوري.

الذي يبدو واضحاً للبنانيين اليوم أنهم ينتظرون السراب، فالعلاقات السعودية الإيرانية تزيد تأزماً، وما نشرته الصحف «الإسرائيلية» عن صيد إيراني ثمين حصلت عليه «إسرائيل» من السعودية ما يوحي بشيء يخصّ كارثة منى والحجاج الإيرانيين، أيّ تدبير مؤامرة «إسرائيلية» سعودية استهدفت نخبة ديبلوماسية وأمنية وعلمية ودينية من القيادة الإيرانية، وهذا يطرح احتمالات تصعيد قد يصل إلى نقطة حرجة، يقول بعض المراقبين في لبنان أنّ بلدهم سيكون ساحة النزال الرئيسية فيه، وإنْ صحّ ذلك فمعناه أن يستعدّ اللبنانيون لضرب رأسهم المتفائل بالجدار، ورمي آمالهم في سلة المهملات، وإنْ بقي الصراع المفتوح بين إيران والسعودية تحت السيطرة، فالتقارب يبدو صعباًٍ وحصوله لا يعني أنّ لبنان ملفّ سهل للتفاهم حوله حيث تتباين النظرتان جذرياً، بين تطلع سعودي لتعويض عن التسليم بالخسارة في سورية واليمن بمكاسب في لبنان، ورؤية إيرانية قوامها انّ التسليم السعودي هزيمة رهان وقد جاء بإضاعة فرص التسويات عندما كانت قراراً طوعياً، والتسليم اليوم ليس تسليماً تفاوضياً بالتالي، وفي المقابل فإنّ الشريك اللبناني الذي يمثله حزب الله وصاحب الفضل الكبير في النصر على الإرهاب لن يكافأ بالتآمر عليه وجعله عرضة للتفاوض، ما يعني انسداد فرص التفاهم السعودي الإيراني على لبنان حتى لو تمّ التفاهم على ملفات أخرى.

يتوقف مرجع لبناني للتساؤل عن مصدر تسريب الصحافة الكويتية لفكرة رئاسة جمهورية انتقالية لسنتين، ثم عن نسبة الفكرة في مؤسسات إعلامية لمبادرة مصرية نفى وجودها السفير المصري، ليستنتج أنّ هناك من يطرح الأمر كبالون اختبار لجسّ النبض حول الفكرة كمخرج لسنتين تتيحان تبلور مشهد إقليمي ودولي يمنح لبنان فرصة حلول أبعد مدى، ويسأل: هل سيصير الموضوع جدياً، أم أنّ الفوضى ستكون هي ولادة الحلول القيصرية التي يعتقد البعض أنها تمرّر مرشحين رئاسيين لا تسمح التفاهمات بتمريرهم، ويمكن لمصادمات الحراك أن تحقق نبوءة لافروف بالخطر الداهم على لبنان، أم أنّ العبقرية اللبنانية ستنجح بالسيطرة على عناصر التأزم وتبتدع القدرة على إدارة الشأن العام بحكومة مشلولة ومجلس تشريع الضرورة وهيئة حوار الطرشان دون دخول أيّ من هذه الثلاثية في التماس مع أيّ من القضايا المسمّاة محرمات، بعدما صار تمديد خدمة العميد شامل روكز في المؤسسة العسكرية من هذه الممنوعات، أم أنّ منع تمديد خدمة روكز كان غلطة بالتحديد من جانب من ارتبكها، وربما تكون قطعت طريق الإدارة الهادئة للانتظار وغلطة الشاطر بألف…؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى