أفيدونا

بلال شرارة

لا زال العالم يدور على نفسه حرصاً على إرضاء الخواطر على حساب سورية. تصوّروا! اقتراح: «لقاء دولي إقليمي يستثني إيران بحثاً عن حلّ في سورية». وتصوّروا اقتراحاً تراجعياً بعض الشيء من مصادر مهتمة ! يشدّد على تنحّي الأسد بعد تشكيل الهيئة الانتقالية .

طبعاً، يحق للبعض أن يحلم أو أن يرى كوابيس، ولكن ليس على حساب سورية وشعبها ونظامها السياسي وليس على حساب أنه يرى ضرورة استبعاد أيّ طرف إقليمي، خصوصاً أنّ العالم اعترف بأنّ إيران قوة إقليمية عظمى.

ما يجري الآن، حرب جوية على اليمن، وإدارة لعبة عسكر وحرامية في البحرين، وفيتو على الحلّ السياسي في لبنان، واقتراحات باستمرار الحرب في سورية وربما إدارة للتوترات في شمال أفريقيا و…

كانت والدتي تقول لي: «لو أنّ الجمل يرى حردبّته لكان وقع وكسر ظهره». الآن لماذا لا يريد البعض أن يصدّق أنه يجب أن يسمح للأطراف اليمنية بالالتقاء وفي عُمان من أجل وضع الحلّ؟ ولماذا على العالم أن يجتمع خارج المشاركة الإيرانية وبالموافقة بداية على «رحيل الأسد» الآن أو بعد قليل وإلا…؟ ولماذا علينا في لبنان أن ننتظر ونحن نرى أنّ بلدنا ينتقل من حال التوتر إلى حال القلق لأنّ أحداً يريد أن يضغط على جراح الناس من المحيط إلى الخليج لفرض سياسته؟ ولماذا… ولماذا؟

باختصار الغرب جرّب ويجرّب وهو يفرح لحالنا، فالدول النفطية تمضي قدماً في صرف أموالها على تمويل الحروب، وبالأحرى على تمويل انتحارنا وانتحارها، واحتكارات السلاح تبيع، والتحالفات الجوية صرفت مخزون عتادها وهي اشترت كلّ «ستوكات» الذخيرة المخزونة لدى دول المنشأ، والآن المصانع تنتظر أيّ طلبات جديدة لتصنيع الذخائر الجوية على أنواعها وصولاً إلى الذخائر الفتاكة، ويقال وسط هذا الكلام إنّ إسرائيل تستغلّ الموقف وتبيع ذخائر وخبرات واستشارات…

أنا لا أريد أن أصدّق الشائعة الأخيرة، ولكن إذا كان مخزون العتاد منذ معركة أُحد حتى اليوم قد نفد ولم تستسلم اليمن، بل ربما تستطيع أن تحارب عشر سنوات أخرى. وإذا كانت سورية الرسمية لا تزال في موقع الهجوم. وإذا كانت مصر تنفذ البند الآخر على أجندة الانتقال من ثورة 30 يونيو إلى الدولة وتجري انتخابات مجلس الشعب، وإذا كان مجلس النواب الليبي قد رفض الحلّ الأممي الذي يُسوّق مشاركة الإخوان المسلمين على لقمة الخبز والأمن الليبي، وإذا كانت الناس في البحرين لا تزال في حالة تظاهر واحتجاج… إذا كان كلّ ذلك لا زال على حاله فلماذا الإصرار على الانتصارات الوهمية تحت ستار منع إيران من التدخل في الشؤون العربية؟ ولماذا الاعتقاد أنّ المصلحة الروسية ستساوم على هذا الأمر أو ذاك؟ ولماذا عدم الالتفات إلى الواقع الذي يدلّ على أنّ النار قد اشتعلت ليس في أطراف ثوب هذا البلد أو ذاك عبر حدوده هنا وهناك، بل إنّ حصاراً كاملاً قد أخذ يضيق وانّ مليارات الدولارات لن تكفي لفكه ولا لإعادة عقارب الوقت إلى الوراء.

اليوم، نحن الجغرافية العربية والناس العرب أهداف جوية، يجري قنص أوطاننا والناس من الجو، بغض النظر إن كانت الضربات الجوية تستهدف داعش أو النصرة أو …. أو الحوثيين في اليمن أو …. في ليبيا.

غداً سوف لا يبقى بناء واحد قائم. لا مدينة ولا بلدة ولا قرية ولا دسكرة.

سوف نعود إلى الصحراء «سوف نعوي في الصحراء بلا مأوى»، كما سبق وبشّرنا الشاعر العربي مظفر النواب سنعود قبائل تتقاتل على الماء والفيء ! .

قال لي أحد معارفي إنّ أحد المطلوبين بجرائم مالية يمشي في بلد شرق أوسطي غير عربي وسط حراسة مشدّدة وهو يقوم ببناء مساكن شعبية وفيلات استعداداً لاستقبال موجات المهجرين القادمين من الشاطئ العربي المتوسطي؟

طيّب، لماذا لا تُصرف الأموال بدلاً من الأسلحة والتوترات والإعمار في الخارج على التنمية والتربية؟

لماذا يعتقد البعض أنه يموّل خراباً بالحق من أجل بناء بالحق؟ لماذا هو متحيّر في طريقة موتنا أو تشريدنا؟ لماذا لا يتعلم أحد من تشريد الشعب الفلسطيني منذ 67 عاماً وتحويل الشعب السوري إلى شعب لاجئ في أصقاع الأرض أو شعب ميت غرقاً أو برداً في بحار وعلى حدود التيه؟ لماذا لا يكتفي أحد من دمنا؟ ألا يكفي موتنا السابق في لبنان مثلاً؟

ألا نقع بعد كلّ التجارب على حدود فيدراليات وكونفدراليات الطوائف؟ أيّ موتور اشتراك للكهرباء يحدّنا؟ إلى جانب أية مقبرة يقع قبرنا؟

أفيدونا، أفادكم الله!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى