ثلاثية الأسد تنتصر

ناصر قنديل

– منذ بدء الأزمة في سورية كإطار لحرب عالمية قادتها واشنطن لإسقاط حكم الرئيس بشار الأسد وتغيير مكانة سورية في خريطة الشرق الأوسط من ضفة تُربك «إسرائيل» والسعودية، وتشكل جسراً لحضور إيران وروسيا على المتوسط وقاعدة خلفية للمقاومة في لبنان وفلسطين، لتصير امتداداً للثلاثي التركي «الإسرائيلي» السعودي، وقاعدة أميركية جيوسياسية، والرئيس السوري يتصرف بحسابات عقل استراتيجي قوامه الصمود لسنوات تستهلك أوراق القوة والرهانات التي جرى إعدادها لفوز خصومه بالحرب، من دون الوقوع بوهم القدرة على صناعة النصر الحاسم أو النجاح في حلّ سياسي يُنهي الأزمة والحرب.

– منذ بداية الأزمة والحرب معاً، كان الرئيس الأسد يضع ثلاثية، قوامها مفردات بدا أنها ذات مكانة سحرية في مفاتيح الاستراتيجية التي بنى عليها خطته لمواجهة الأزمة والحرب، وتهيئة مناخات النصر والحل معاً، فلا فرص لحلّ سياسي من خلال تقديم تنازلات لرموز معارضة ليست إلا واجهات للخارج المتورّط في قرار حرب لا هوادة فيها. وتقديم التنازلات هنا مسموح ومطلوب بالقدر اللازم لإقناع السوريين والحلفاء بلا جدوى تقديم المزيد من التنازلات، وكذلك لا يمكن بمقدرات سورية البشرية والعسكرية والاقتصادية خوض حرب النصر الحاسم، طالما تقف أمامها على الضفة المقابلة، قدرات دول عسكرية ومالية طائلة وتستنفر قدرات بشرية تضمّ عشرات الآلاف من مقاتلي تنظيم القاعدة، فيكفي خوض المعارك المختارة بعناية التي تنتهي بنصر حاسم، لإقناع الحلفاء بالقدرة على خوض هذه الحرب كلها حتى النصر، إذا توافرت شروط هذه الحرب وهذا النصر وهما فوق قدرة سورية وحدها.

– ثلاثية المفردات التي كان الرئيس السوري يُكرّرها، تضمنت السلاح الكيميائي الذي تُتّهم سورية دائماً باستعماله، والإرهاب الذي تُتّهم بحضانته، والديمقراطية التي تُتّهم بانتهاك قواعدها. وكانت معادلات الرئيس الأسد التي تقارب الحرب مبنية على يقين، أن قرار الأميركيين بغزو سورية متخذ ويحتاج غطاء مجلس الأمن، وإذا وقفت روسيا واستخدمت حق الفيتو لحجب هذا الغطاء، فسيكون للحرب غطاء ادّعاء اتهام سورية باستخدام السلاح الكيميائي. وهنا تضع سورية بيد الرئيس الروسي ورقة قوة اسمها حل سياسي قانوني لسلاحها الكيميائي لتأكيد صدقيتها من جهة، و لكن مقابل موقف روسي حازم ضد الحرب عندما تُقرَع طبولها، وتمكينها من التقدم بعرض سياسي للحل لا يمكن رفضه من جهة مقابلة. وبعد هذه الجولة ستكون المحاولة التالية للغزو بعنوان مكافحة الإرهاب الذي يكون الأميركي وحلفاؤه قد جمعوا مقاتليه من العالم كله في سورية، ويعلنون الحرب عليها. وفي هذه الحالة سيستنزفون سورية وينتهكون سيادتها، ويجعلونها حرب سنوات طوال، وسورية مستعدة بتوقيت متفق عليه، إذا وقف معها حلفاؤها لتوفير مقومات الشراكة بحرب تصنع النصر الحاسم على الإرهاب، لأن تضع بين أيديهم ورقة قوة لا تقاوَم وهي الدعوة لحل سياسي يقوم على مبادرة الرئيس الأسد بقبول انتخابات رئاسية مبكرة تتوافر فيها ضمانات تنافسية وإجراءات ثقة تناقَش في حينها.

– معادلات الأسد كانت أنّ واشنطن بلا غطاء دولي من مجلس الأمن لن تغامر بحرب من دون عنوان أخلاقي اسمه السلاح الكيميائي، لكنها لن تجرؤ على مواجهة حرب ستكون روسيا وإيران شريكتين فيها عندما يصير العرض على الطاولة لتسوية سلمية للسلاح الكيميائي السوري، وستلجأ لتسمين عجل الإرهاب حتى تجعله عنواناً بديلاً لجلب قواتها وتبرير تدخلها، ولكنها لن تجرؤ على التصادم مع روسيا وإيران عندما تحملان العنوان نفسه للحرب على الإرهاب وتتفوقان بقوة التعاون مع الجيش السوري وصدقية القتال لإلحاق الهزيمة بكل تنويعات ومفردات التنظيمات الإرهابية وعندها تستحق الجولة الأخيرة من اللعبة الاستراتيجية.

– يضع الأسد نقلته الأخيرة على رقعة الشطرنج، بالتنسيق مع حليفيه الروسي والإيراني، من دون أن يسمح بالتداول بها من قبل، فشرطها تفاهم تام، أولاً مع الحلفاء على خوض حرب الحسم بالتشارك ضد الإرهاب، والذهاب نحو النصر فيها بسرعة وقوة، وتالياً مع المتورطين بالحرب عليه وعلى سورية، بربط كل شيء بسلة متكاملة من تصنيف شامل وواضح للإرهاب، وفك للعقوبات وقبول عودة سورية، كما عادت إيران إلى الساحة الدولية اقتصادياً ودبلوماسياً وقانونياً عضواً كامل الحقوق، والنقلة المشروطة هي الانتخابات الرئاسية المبكرة بضمانات التنافس وإجراءات الثقة، التي لا مانع أن يكون بينها شمول الانتخابات كل نقاط انتشار السوريين داخل سورية وخارجها، وشكل من الشراكة الدولية في الرقابة والخبرة والضمانات والإجراءات.

– يضع الأسد ثنائية اللعب مع الوقت التي أتقنها منذ بدء الأزمة والحرب معاً، فقيمة العرض الآن، أنه يأتي والعمل العسكري يتدحرج بالإنجازات ويتقدّم، حتى يلهث الخصوم وهم يسافرون من عاصمة إلى أخرى، لأن الوقت داهم وهو يقولون إن الوضع في سورية يتفاقم ويجب الإسراع بالحل. والقصد هو أن الجماعات الإرهابية تتهاوى وأن الجيش السوري يتقدم، ولا بد من الإسراع قبل أن يحسم كل شيء خلال شهور، وعليهم إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.

– خلف هذه الخطة كانت تفاهمات اقتصادية وعسكرية إستراتيجية، مع الحلفاء لسنوات وعشرات السنوات المقبلة، حصّنت ثباتهم بوجه كل الإغراءات، واستباق الوقائع الآتية بحقائق وعروض تحسم الصدقية وتشجع على الثبات. وكان عقل استراتيجي عبقري، وكانت إرادة أسطورية للصمود والثبات، لكن كان هناك جيش وشعب لا يملّان ولا يكلّان من التضحيات، وحليف وفيّ مضحٍّ هو حزب الله، شريك كامل في صناعة الإنجاز، وحليفان دوليان على درجة عالية من الجدية والحزم والشجاعة، هما إيران وروسيا، وها هي خطة الأسد تقترب من لحظة «كش ملك» وعادل الجبير لا يزال يهرول كبهلول الملك في لعبة الشطرنج، بينما القتال يدور خارج مسرح حركته وليس بعيداً عنه فهذا هو حال البهلول.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى