نعمان الرفاعي… فنّانٌ نحتت نجاحه العصامية

لمى نوّام

بدأت رحلته في النحت منذ كان عمره عشر سنوات، إذ كان يمارس مهنة الحفر التقليدي على الموبيليا. كان يستغلّ العُطل المدرسية والصيفية ليعمل مع أخيه الأكبر، حتى ألمّ بالمهنة واحترفها وصار يعتاش منها. وكان يقوم بتنفيذ «الموديلات» لتكون قوالب ينسخ عنها، فوصلت أعماله من نحت الخشب إلى الحجر أو الطين، إلى عدّة دول عربية وأوروبية من خلال المؤسسات أو الشركات التي كان يعمل لحسابها.

وإذ كان المثل يقول إن الحاجة أمّ الاختراع، فإنّ تجربة نعمان الرفاعي كانت شخصية، فلم يعرف من يعلّمه النحت على الحجر. كان يسأل نحاتين، وكانوا يبخلون بتزويده بالتفاصيل التي اكتشفها بعد محاولات مضنية وبمعدّات بدائية جداً. عندما نعمان الرفاعي نحت الحجر، أصبح نحت الخشب مسألة على هامش قدراته، علماً أن للخشب ميزة خاصة وأسلوباً مختلفاً. حينذاك، أدرك الرفاعي أن الحفر التقليدي لا يشبع رغباته، ولا يؤدّي إلى منحوتة فنية غير تقليدية، فبدأت تأملاته وأطلقف لحلمه العنان. أراد المنحوتة قصةً ما، أو حالة تعني شيئاً ما بالنسبة إليه. هنا بدأت رغبته في إظهار ما في داخله، وبدأ يشارك بمعارض كثيرة في مناطق عدّة من لبنان. أما المعارض التي كانت تقام خارج الوطن، فكانت تصله دعوات للمشاركة بها، لكنّ الفرص لم تسنح له.

نال نعمان الرفاعي شهادات تقديرية كثيرة، منها شهادات من المؤسسة العسكرية اللبنانية لإنجازه عدّة نصب تذكارية للشهداء. يحبّ أن تكون منحوتاته أقرب إلى الواقعية، ويطمح ـ كما يطمح كلّ فنان ـ إلى الشهرة والعالمية، لأن ما في داخله يجب أن يصل إلى العالم أجمع.

للخطّ العربي حكاية أخرى لدى الرفاعي، وكانت متلازمة مع النحت. إذ كان للخطّ الفضل الأكبر في تنمية موهبته النحتية، لأن الخطّ يحتاج إلى دقة وقواعد معيّنة، ما ساعده في إنجاز منحوتاته.

بدأ الرفاعي يخطّ عندما كان عمره 13 سنة، إذ كان يشاهد عناوين المحال التجارية بالخط العريض وعناوين الكتب، ويقلّدها. ثمّ اشترى كتباً خاصة لكبار الخطّاطين ليتمرّن على قواعد الخطّ من دون أستاذ يوجّهه، فواظب واستمرّ فيه هذه التجربة كمهنة، حتى وصلت المهنة حدّ الاندثار، مع ظهور الآلات الحديثة والطباعة الفورية.

شارك نعمان الرفاعي في عدّة معارض للخطّ في لبنان، ودرّس الخطّ وما يزال في مدارس عدّة، وأصدر كرّاساً من خمسة أجزاء للصفوف الأساسية تحت عنوان «تحسين الكتابة»، وأقام دورات خاصة للمدرّسين ولمؤسسات وجمعيات تعنى بهذا الفن وتعتبره مهمّاً.

انتسب الرفاعي إلى نقابة خطّاطي الصحف والمجلات في بيروت لبنان كعضو حتى أصبح مستشاراً للنقابة وما زال.

يقول الفنان نعمان الرفاعي لـ«البناء»: الخطّ هو الفن الذي فتح لي نوافذ على فنون أخرى. كما أنّني انتقلت من النحت على الخشب إلى النحت على الحجر بأنواعه، وعلى الطين أيضاً. حتى خطرت في بالي فكرة النحت على رؤوس أقلام الرصاص، نظراً إلى ما يشكله هذا القلم من رمزية. فبدأت بالقلم الأول وقبلت التحدّي لذاتي، ونحتّ الشكل بتفاصيله وملامحه كلها. وبعدما لاقت هذه الفكرة إقبالاً في الوسط الفني، تابعت بها وشاركت في معارض عدّة من خلال أقلامي التي كانت تُدهش الحضور. أمنيتي أن تصل أقلامي إلى العالم أجمع ليعلموا أنّني لبناني، وتفرّدت بهذا الفن الصعب والدقيق.

وردّاً على سؤال عن مدى صعوبة النحت على رأس القلم أجاب الرفاعي: المعلوم أن صُغر حجم القلم، يجعل النحت عليه بحاجة إلى دقة متناهية. ناهيك عن كون مادة الرصاص في القلم غير ملائمة للنحت. فكلّما اقتربت من انتهاء النحت كلّما أصبح الرصاص عرضةً للكسر في أيّ لحظة. لأن الحجم يتآكل ليصبح دقيقاً جداً.

وأشار الرفاعي إلى أنه يدرّس الخطّ العربي في ثلاث مدارس. وكلّ سنة يحاول الانتقال إلى مدارس أخرى كي ينشر ثقافة الخطّ على أوسع نطاق، ويقيم دورات للمدرّسين وفاءً وحباً بهذا الفن الذي فتح له كل أبواب الفنون. ويقول: بعد دوامي، أتابع عملي في النحت على الخشب والحجر لزبائني. وفي الأوقات المناسبة انتقل إلى الخط الكلاسيكي والحروفية، وبين النحت على الخشب والحجر والطين وأقلام الرصاص، لأتذوّق طعم الفنّ. أما الأقلام فقد أخذت مني جزءاً كبيراً لما فيها من تحدّ لذاتي، فأنا الآن أعمل على إقامة معرضي الفردي بِاسم «أقلامي» قريباً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى