قمة العشرين… الولايات المتحدة «تُكرّم» فيينا بالدفن؟!

د. محمد بكر

أسدلت قمة العشرين الستارة، معلنةً نهاية العرض. عرضٌ تخبّطت فيه المشاهد المؤداة على مسرح أنطاليا بشكل يعكس بما لا يدع مجالاً للشك اختلاف النصوص وطريقة الإخراج، بوتين كان مقنعاً جداً في أدائه السياسي وقدّم عرضاً حافلاً بالقدرات ومقومات نجاح أيّ تحالفات ضدّ الإرهاب، كاشفاً قنوات تمويل هذا الإرهاب، ولم يبخل بتقديم صورٍ فضائية تظهر أبعاد إتجار «داعش» بالنفط في سورية والعراق، كذلك لم يجد أي حرج في اتهام دولٍ تشارك في القمة بدعمها للإرهاب، أوباما كان عرضه مختلفاً تماماً عن نظيره الروسي، استمر في صياغة نصه الالتفافي الدعائي داعياً إلى مضاعفة الجهود لانتقال سياسي في سورية ومحاربة داعش عاداً الأخير وجه الشر بحسب تعبيره، والهدف الأميركي هو تقليص قدرات التنظيم ثم تدميره، بدورها ثارت حمية الطائرات الفرنسية التي لم تكن بحجم اعتداءات باريس وأعلنت فرنسا أن عشرة طائرات ألقت «عشرين» قنبلة قالت أنها استهدفت مواقع ومخازن أسلحة لداعش في الرقة، بدوره قرأ أوليغ سيرومولوتوف نائب وزير الخارجية الروسية الفاتحة «ضمناً» على اجتماع فيينا الذي أصبح في اعتقادنا في عداد الأموات على الرغم من إعلان جولة جديدة منه الشهر المقبل، إذ لطالما قرنت الرؤية الروسية السورية لأي مسار سياسي بضرورة أن تكون مقدمته مكافحة الإرهاب، إذ أكد سيرومولوتوف أنّ الاتفاق مع الغرب عموماً وأميركا خصوصاً في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب قد انهار عملياً، فيما أكد المؤكَّد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لجهة أن إيجاد آليات مشتركة مع الغرب لمكافحة الإرهاب يبدو مستبعداً، مضيفاً أن اللقاء الذي جمع بوتين بأوباما لم يصبح نقطة تحول في العلاقات الثنائية وتالياً فإنّ «نعيه» المسارات السياسية بين البلدين ولا سيما في سورية باتت ملصقة على جدران أنطاليا.

إنّ تقديم أوباما الفعل الأميركي باتجاه الانتقال السياسي في سورية على محاربة «داعش»، ونحو تقليص قدرات التنظيم على تدميره، يؤكد مضيّ السياسة الأميركية في مضاعفة جهودها ليس لمكافحة حقيقية لـ»داعش»، إنما في احتواء التنظيم، وتبني نهج «تقليم الأظافر» والاستثمار السياسي في مفاعيل ذلك، أيّ تعزيز سياسة الصبر الاستراتيجي في التعاطي مع «داعش»، وعدم الالتفات مطلقاً لمعروض بوتين في قمة العشرين، ومن هنا جاء الإعلان الروسي عن انهيار الاتفاق مع واشنطن حول آليات محاربة الإرهاب، إذ تمضي أميركا قدماً في ترسيخ استراتيجية ما أعلنه البنتاغون غير مرة لجهة عدم التعاون مع روسيا في سورية في ظلّ رؤيته الثابتة، لجهة أن الحراك الروسي في سورية هو لدعم نظام الأسد فقط، ربما ما أعلنه بوتين قبيل القمة لجهة التعاون مع الجيش الحر في ضرب مواقع لـ»داعش»، وأن الاتفاق الوحيد الذي يجمع بلاده بواشنطن في سورية هو التنسيق لعدم التصادم بين الطرفين في الأجواء السورية، وكذلك إعلان وزارة الدفاع الروسية توسيع نطاق عمل السوخوي، هو ما استولد كل ذلك الامتعاض الأميركي، وتالياً إطلاق النار على اجتماع فيينا ونسف عوامل حياته وبقائه بل ودفنه، في انتظار أميركي لتطورات ميدانية بعينها، أو سيناريوهات تؤسس في الاعتقاد الأميركي لصياغة أوراق ضاغطة على الحراك الروسي في الميدان السوري، وتالياً صياغة عوامل «بعث» جديدة لفيينا وفق المعايير والمواصفات الأميركية، إذ تشير صحيفة «ميليت» التركية أن تركيا تستعد للتدخل عسكرياً في شمال سورية خلال شهر كانون الأول المقبل، وهذا ما أكدته صحيفة «نيزا غازيتا» الروسية لجهة أن تركيا تعمل على عرقلة توجهات الكرملين في سورية، فيما قالت مديرة المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية إيلينا سوبولينا: «أنه من الخطأ استبعاد بدء العمليات العسكرية التركية في سورية لأن النقاش في شأنها يجري في القيادة التركية كما أن هناك أصوات من جانب العسكر في الإدارة الأميركية تؤيد التوجه التركي وإن إرسال 50 ضابطاً أميركياً إلى سورية هو مقدمة ربما لتكثيف الوجود العسكري الأميركي هناك».

في اعتقادنا أن أي حديث عن «انفراجات استراتيجية» في ما يتعلق بالأزمة السورية، وعن «تنازلات» أميركية في المشهد السوري بحسب ما نشرته صحيفة «الحياة» السعودية أخيراً، هو حديث لا يزال مبكراً، فالطريق للحلّ السياسي السوري ولتوافق الإرادات الدولية لمكافحة الإرهاب لا يزال يطفح بالعوائق والعقبات والمطبات وصور الكباش، تماماً كتوصيف فرنسوا هولاند لجهة أنه سيلتقي الرئيسين الروسي والأميركي لتوحيد القوة وبلوغ نتيجة «لا تزال بعيدة المنال»، بعكس استشعار كيري، تبدو معها أيام «داعش» ليست أياماً معدودة على الإطلاق.

كاتب فلسطيني مقيم في سورية

mbkr83 hotmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى