أزمة الصحافة المصرية… والتشريعات المنتظَرة

بشير العدل

تواجه الصحافة وأبناء المهنة في بلادي مصر، أزمة حقيقية وتحدّيات خطيرة، بلغت ذروتها خلال السنوات الخمس الماضية، وتحديداً التالية على أحداث يناير من العام 2011، الأمر الذي انعكس سلباً على الواقع الصحافي والإعلامي عموماً، والذي امتدّ بدوره إلى المجتمع المصري، الذي ساهمت الصحافة والإعلام عموماً، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في تأزّمه، وخلق معاناة معرفية له، بجانب المعاناة في مجالات أخرى كالمجالات السياسية والاقتصادية.

وعندي أنّ الأزمة مرشحة للتصاعد، خاصة في ظلّ انتظار تشريعات صحافية جديدة، يحملها مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام، والذي يراه فريق ممّن ساهم في إعداده بأنه كفيل بضبط الأداء الإعلامي والحدّ من أزمات الصحافيين، في وقت يرى فيه كثيرون ـــــ وأنا منهم ـــــ أنه سوف يكون وبالاً على الصحافة والإعلام، وأنه يفتح ـــــ حال إقراره ـــــ باب جهنم على نقابة الصحافيين تحديداً، باعتبارها المظلة الشرعية التي تحمي أعضاءها.

يأتي ذلك كله في وقت يعاني فيه الصحافيون غياب ضروريات البقاء سواء المادية أو المهنية، ويفرض عليهم الواقع السياسي الذي تمرّ به الدولة، أن يكون لهم دورهم في دعم خطط الدولة والحكومة. وهو الأمر الذي خلق حالة من الانقسام غير المحمود في الوسط الصحافي والإعلامي، حيث اتجه فريق لدعم الدولة وبشكل مبالَغ فيه، جعلهم يدخلون في دائرة نفاق السلطة من ناحية، وفريق آخر ينتهج نهج معارضة النظام وتحديداً في الرئيس عبد الفتاح السيسي ليس بشخصه وإنما بصفته، وهو الفريق الذي يسير في ركاب رجال الأعمال الذين يصفقون لكلّ حاكم وأيّ نظام، حرصاً على مصالحهم الاقتصادية، الأمر الذي أدّى في النهاية إلى خروج الأداء الإعلامي عن الطريق القويم، ودخل إما في طريق نفاق السلطة أو المساعدة على هدم الدولة وخدمة أغراض وأهداف المتربّصين بها.

والواقع الذي يعيشه الصحافيون في بلادي مصر يتّسم بالمرارة، بخاصة أنّ كثيراً منهم وأغلبهم من المنتمين إلى الصحف الحزبية والخاصة، يعانون البطالة وعدم صرف رواتبهم منذ سنوات طوال ودخلت أزمتهم عامها الخامس، فضلاً عن قيام أصحاب الصحف الخاصة بتسريح العديد منهم بحجج الخسارة المادية، الأمر الذي انعكس في النهاية سلباً على أوضاع الصحافيين عموماً، بعد أن فقد أغلبهم مورد رزقه الأساسي نتيجة إغلاق الصحف وتشريد الصحافيين فيها من ناحية، وبسبب عدم قدرة الدولة على تسوية ملفاتهم التأمينية من ناحية أخرى، مما يهدّد مستقبل أسرهم، نظراً لارتباطها بمعاش الضمان الاجتماعي المفروض على الدولة.

وإذا كان هذا هو واقع الصحافيين في الصحف الخاصة والحزبية، فإنّ نظراءهم في الصحف المملوكة للدولة، أو ما يطلق عليها الصحف القومية، أحسن حالاً نظراً لتكفل الدولة بسداد مرتباتهم وأقساط التأمين عليهم، وهو ما يعني تأمين أوضاعهم ومستقبلهم إلى حدّ كبير مقارنة بالآخرين في الصحف الحزبية والمستقلة.

ومع تلك التحديات، وخاصة المادية، تأثر أداء الصحافيين مما دفع بالكثيرين منهم إلى تحويل دفة الأداء المهني والحياد عن المصداقية، وذلك إما لخدمة الحكومة والتسبيح بحمدها، وهو ما تطالب به الحكومة دائماً، وإما الدفاع عن رجال الأعمال سواء في الصحف الخاصة أو الفضائيات التي يملكونها لتكون المهنة والصحافيون هما الخاسر الأكبر في عملية التحوّل السلبي في الأداء المهني.

تبقى المسؤولية عن هذا التراجع في الأداء والتحديات التي تواجه الصحافيين، والمهنة عموماً، على كاهل الحكومة بالدرجة الأولى، التي تملك زمام القدرة على تقنين الأوضاع، وعلى الجهات المعنية وفي مقدّمتها المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحافيين، باعتبارهما المسؤولين عن الصحف وإصداراتها وعن حماية أعضاء النقابة والصحافيين عموماً، غير أنّ أداءهما يتّسم في كثير من الجوانب بالسلبية إما لإيثار السلامة وعدم الرغبة في افتعال مشاكل مع الحكومة، وإما لغياب الخطة والاستراتيجية العلمية لحل مشاكل الصحافيين، لتبقى أزمة الموازنة بين ضروريات المهنة ومطالب دعم الحكومة وتلميع أصحاب رؤوس الأموال الخاصة هي المعضلة التي تواجه الصحافة والصحافيين في بلادي مصر، بجانب التشريعات المنتظَرة والتي تساهم في خلق هوّة كبيرة بين الصحافيين.

كاتب وصحافي مصري

eladl254 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى