هل الغرب كله و«إسرائيل» ضدّ «الإسلام الجهادي»؟

د. عصام نعمان

روسيا قالت كلمتها. قذفت حممها بغزارة ضدّ «الدولة الإسلامية ــــ داعش». ضاعفت هجومها بالصواريخ وقنابل الطائرات الاستراتيجية المنطلقة من أراضيها على بعد أكثر من ستة الآف كيلومتر. رئيسها فلاديمير بوتين أمر أركان حربه، بعدما تأكدت فرضية التفجير الإرهابي لطائرة الركاب الروسية في سيناء، بالبحث عن الإرهابيين «أينما اختبأوا» وبتكثيف الضربات الجوية في سورية.

فرنسا التي فاجأتها وروّعتها هجمات «داعش» البالغة الشراسة في وسط عاصمتها مسحت آثار الذهول بسرعة. قصفت مقاتلاتها بلا هوادة مواقع الإرهاب في محافظة الرقة السورية. حرّكت حاملة طائرات وقطعاً أخرى من أسطولها الى شرق المتوسط. رئيسها فرنسوا هولاند دعا الى تعديل أحكام الدستور لرفع فعالية المواجهة، كما دعا الى تشكيل أوسع تحالف دولي ضدّ الإرهاب.

الولايات المتحدة، بلسان رئيسها باراك أوباما، وصف «داعش» بأنه «وجه الشرّ»، لكنه تمسّك برفضه إنزال قوات برية لمقاتلته على الأرض. وزير خارجيته جون كيري عوّض تقاعس رئيسه ورئيس تركيا رجب طيب أردوغان بالإعلان عن أنّ «الحدود الكاملة لشمال سورية أُغلقت 75 في المئة منها الآن، ونحن مقبلون على عملية مع الأتراك لإغلاق 98 كيلومتراً متبقيّة».

بريطانيا استعجل رئيس وزرائها دايفيد كاميرون المساعي لإقناع مجلس العموم بمشاركة أفعل في مقاتلة «داعش».

الأربعة الكبار منخرطون إذاً، بدرجات متفاوتة، في مقاتلة «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية. هل يمكن الاستنتاج بأنّ الغرب عموماً، فضلاً عن روسيا غير الأطلسية، مجمعٌ على مقاتلة «الإسلام الجهادي»؟… وماذا عن «إسرائيل»؟

ظاهرُ الحال يشير الى أنّ مَن تعتبره تنظيمات «الإسلام الجهادي» عدواً لها هو مجموعة نُظم وأحزاب سياسية وفصائل مقاومة معادية لأميركا و«إسرائيل» او صديقة لإيران. فالنظام السوري والمقاومة اللبنانية وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية معادية لأميركا و«إسرائيل»، بينما تنفرد حكومة حيدر العبادي في العراق بعلاقات جيدة مع إيران وأميركا في آن.

المفارقة اللافتة هي أنّ في الوقت الذي يتهم بعض النُّظُم والاحزاب السياسية وفصائل المقاومة مَن يقاتلها كـ «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما بأنها تتعاون مع أميركا وتتلقى منها دعماً مالياً ولوجستياً، ولا تتحرّج من إرسال جرحاها الى «إسرائيل» لتلقي العلاج في مستشفياتها، تتخذ أميركا موقفاً مناهضاً لـِ «داعش» و«النصرة» بدعوتها دول المنطقة الى التوقف عن تمويلهما وتسليحهما، والمباشرة في محاربتهما.

الى ذلك، تطرح عودة تنظيم «القاعدة» الأمّ الى الأضواء، إعلامياً وميدانياً، سؤالاً اضافياً متواتراً حول موقف هذا التنظيم من «إسرائيل»، كما حول الموقف الحقيقي لـِ «داعش» من الكيان الصهيوني؟

ثمة فكرة شائعة بأنّ «القاعدة» ومعظم فصائل «الإسلام الجهادي» لا تقاتل «إسرائيل» بل تركّز حربها على أنظمة غير دينية يوالي معظمها الغرب بصورة عامة.

الحقيقة أنّ بعضاً من فصائل «الإسلام الجهادي» يقاتل «إسرائيل» بضراوة، شأن حركة «الجهاد الإسلامي» وحركة «حماس»، وأنّ بعضها الآخر يقف، فوق ذلك، موقفاً معادياً للغرب. غير أنّ غالبية هذه الفصائل يمكن تصنيفها بأنها تكاد تكون متخصّصة في مقاومة الأنظمة الموالية للغرب في عالم العرب والإسلام. ألم يبدأ نشاط «القاعدة» ميدانياً بمقاتلة الوجود السوفياتي «الملحد» في أفغانستان، ليتحوّل لاحقاً عبر «طالبان» إلى مقاتلة نظام كرزاي الموالي لأميركا وحلفائها الأطلسيين؟

ثقافة الغرب هي العدو الاول لـِ»الإسلام الجهادي»، ومن ضمنه «القاعدة» و«داعش»، وكذلك الأنظمة والمنظمات التي تتشرّب ثقافة الغرب، ذلك أنّ مصالح الغرب وسياساته ليست، في مفهوم «القاعدة» و«داعش» وغيرهما، أخطر من ثقافته. بالعكس، فإن ثقافة الغرب هي محفّزةُ مصالحه وحاميتها والمروّجة لها من خلال أنظمة ومنظمات ومؤسسات وأجهزة محلية تلتزم هذه الثقافة وتناصرها وتجاريها.

إذا كانت «إسرائيل» ابنة الغرب وثقافته وسياسته ومصالحه، فإنّ مقاتلة الغرب تكون، والحالة هذه، أولوية أُولى بحسب مفهوم «القاعدة» ومعظم تنظيمات «الإسلام الجهادي». بكلامٍ آخر، مقاتلة الأبّ تتقدّم على مقاتلة ابنته، لأنّ الأصل أخطر من الفرع.

هذا التفكير «الاسلاموي» الساذج يُوقِع «القاعدة» وبعض فصائل «الإسلام الجهادي» في تناقض وحرج شديدَيْن، ذلك انّ لـِ «إسرائيل»، بما هي ابنة الغرب وذراعه الضاربة، دوراً في المنطقة العربية يعادل في خطورته دور الغرب الأطلسي بل يتفوّق عليه أحياناً. فهل يُعقل أن تنخرط هذه الفصائل في حروب مع أنظمة ومنظمات تقاوم «إسرائيل» والغرب في آن؟

الى ذلك، ثمة مفارقة لافتة. فالغرب الذي يُعادي سورية ونظامها، كما المقاومة في لبنان، ويساند المعارضة السورية المسلحة، بدأ يعيد النظر بسياسة دعم التعاون بين «الجيش السوري الحر» و«جبهة النصرة»، بقصد جعل «الجيش الحر» عموداً فقرياً لمعارضة سورية معتدلة ومناوئة لـِ «داعش» وللنظام السوري في آن.

ماذا عن نظرة «إسرائيل» الى «داعش»؟

«إسرائيل» لا تشارك قادة الغرب الأطلسي تحفّظهم تجاه تنظيم «داعش» والتنظيمات المشابهة له. ذلك أنّ رئيس الطاقم السياسي ـــــ الأمني في وزارة الدفاع «الإسرائيلية» الجنرال عاموس غلعاد كان أكّد تفضيل حكومته تنظيم «القاعدة» في سورية على نظام الأسد و«محور الشر» بقوله إنه «حتى لو تفككت سورية الى أجزاء مختلفة، وحتى لو أدّى هذا التفكك الى استقرار تنظيم «القاعدة» وتفرّعاته في هذه الدولة، فإنّ «إسرائيل» تفضّل ذلك على بقاء نظام الرئيس الأسد، لأنّ محور الشرّ تحالف إيران وسورية وحزب الله مخيف».

غير أنّ وجهة نظر مغايرة تبدّت أخيراً بعد هجمة «داعش» الدموية في باريس. المحلل السياسي ران ادليست قال في صحيفة «معاريف» 16/11/2015 إنّ تفجيرات باريس الدموية «فرصة ذهبية لـِ «إسرائيل» للمشاركة في الحرب الدولية على «داعش» بدلاً من الاكتفاء بضرب أعدائه».

إلى المصالح السياسية، ثمة دوافع عملية ومصلحية تدفع تنظيمات «الإسلام الجهادي» الى التعاون والتحالف، ظرفياً، مع دول وحكومات وتنظيمات وقيادات غربية لتحقيق أغراض مشتركة في بعض الساحات. التعاون يتمّ بصيغة إيجار الخدمات في سياق التقاء الأغراض، أو عدم تعارضها في الأقلّ، بين المستأجر والمؤجّر.

في هذا الإطار يمكن تفسير التعاون بين أميركا وتنظيمَيْ «داعش» و«النصرة» الذي كان قائماً في ساحتي العراق وسورية قبل إفراط كلا التنظيمَين في استخدام العنف الأعمى لأغراض محلية خاصة بهما، والتفريط تالياً بأغراض أميركا وحلفائها في الساحتين العراقية والسورية، ما حمل واشنطن على إلغاء عقد إيجار الخدمات أو تعليقه بينها وبين ذينك التنظيمين.

هكذا يتضح أن لا مشكلة علاقة بين الولايات المتحدة وربما حلفائها أيضاً وتنظيمات «الإسلام الجهادي». فلكلّ مقام مقال، ولكلّ ساحةٍ متطلبات، ولكلّ مشكلة علاج.

ولعلّ العلاج الأفعل الآن أن يتوافق جميع اللاعبين، عرباً وعجماً وانغلوساكسونيين وروساً سلافيين، على تحويل فيينا – 2 تحالفاً دائماً لمكافحة الإرهاب بوجوهه وتنظيماته كلّها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى