سورية قلعة العروبة المتجدّدة

غالب قنديل

تتبلور صورة الحرب على سورية بالوقائع العنيدة، وتتأكد حقيقة العدوان الاستعماري الذي يستهدف استقلالها الوطني ورمزه الرئيس بشار الأسد القائد الصامد في وجه أعتى الضغوط والخطط الاستعمارية الصهيونية في الشرق.

تتلاحق الاعترافات والمعلومات من الولايات المتحدة والغرب التي تفضح أهداف الحرب بالواسطة التي تقودها الولايات المتحدة ضدّ الدولة الوطنية السورية، والتي تحوّلت بتداعياتها إلى محور للاستقطاب الدولي بين الحلف الاستعماري ومنظومة الهيمنة التي تضمّ الحكومات الإقليمية والعربية العميلة للغرب والكيان الصهيوني من جهة، ومجموع الدول المستقلة المناهضة للهيمنة الأميركية الأحادية على العالم، من جهة أخرى ومن قلب قلعة الصمود السورية تنبثق معادلات جديدة صنعها السوريون بقيادة الأسد وبالشراكة مع المقاومة وإيران وروسيا والصين ومن خلفهم مجموعة بريكس ومنظمة شانغهاي.

هوية سورية القومية وعروبتها هدف مركزي لحرب التوحش والتدمير الأميركية، وهي لا تخفي فحسب، خطط الهيمنة وخرائط أنابيب النفط والغاز العملاقة والسعي لإخضاع سورية وتجريدها من سيادتها الوطنية على قرارها السياسي ومواردها الغنية وموقعها الجغرافي الذي تأكد أنه قلب العالم أكثر من أيّ وقت مضى.

بل إن هدفاً صهيونياً يقع في قلب استراتيجية الحرب ويفسّر التصميم على استهداف مكانة الرئيس الأسد قد تكشّف بعد إعلان بنيامين نتنياهو عن مشروع صهيوني لمسقبل سورية، قوامه فرض الرضوخ السوري لتهويد الجولان المحتلّ ولضمّه إلى الكيان الصهيوني والإذعان لنزع السلاح في منطقة كبيرة من الجغرافيا السورية تمتدّ من خط الرابع من حزيران إلى وسط سورية ومن ضمنها العاصمة دمشق. وهذا المشروع الصهيوني الذي جاهر به رئيس وزراء العدو أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما وطالبه بالموافقة عليه وبدعمه، طُرح بالتزامن مع التفاوض الأميركي الروسي الجاري في إطار فيينا، تحت عنوان العملية السياسية في سورية، حاضر مباشرة في خلفية الضغوط الأميركية والغربية والسعودية القطرية التركية بشأن المسار السياسي السوري، حيث تدور مباريات دبلوماسية مفتوحة لزرع العملاء تحت يافطات المعارضة الخارجية الهجينة.

الكيان الصهيوني يريد التخلص من استقلال الدولة الوطنية السورية ومن هويتها العربية المقاومة التي تتجسّد بدعمها المستمرّ لفكرة المقاومة ولمبدأ حق العودة لشعب فلسطين والثابتة على رفضها الاعتراف بكيان العدو والرضوخ لتأبيد اغتصابه للأراضي العربية المحتلة.

التجربة الحية التي خاضها الغرب، خصوصاً الثلاثي الاستعماري الأميركي البريطاني الفرنسي وحكومات الكيان الصهيوني المتعاقبة وحكومات الرجعية العربية طوال نصف قرن منذ الحركة التصحيحية قادت هذا التحالف إلى الاقتناع بأن سورية السيدة القوية ستبقى معقلاً للعروبة وقلعة في وجه منظومة الهيمنة. وهو الدرس الذي تكرّس منذ اندحار العدو من جنوب لبنان، حيث كانت الانطلاقة الكبرى للحروب الأميركية ولمسار الضغط والابتزاز والتهديد ضدّ الرئيس بشار الأسد لكسر صلابته القومية والوطنية التي تعبّر عن وجدان الشعب العربي السوري وكرامته.

العروبة باقية ومتجذّرة بصمود سورية العظيم، وسورية التي تنهض مع حلفائها الأوفياء وتنتصر على العدوان لن تكون سوى قوة صاعدة استقلالية مناهضة للهيمنة الاستعمارية، وهي بقيادة الأسد مؤهّلة لتكون مركزاً استراتيجياً حاضناً لحركة تحرّرية عربية جديدة في وجه منظومة الهيمنة بجميع مكوناتها وهذا الأفق القومي لدورها بعد انتصار حربها الوطنية يفرض، فكرياً وثقافياً، عملاً حثيثاً، لإحياء الفكرة العربية ولتجديدها وتطويرها، بصورة تولد استقطاباً سياسياً جديداً للقوى الوطنية والشعبية الجديدة المؤهّلة لتغيير المشهد السياسي العربي، فسورية استمدّت قوتها ومناعتها على الدوام من دورها القومي ومن تأثيرها في مجالها الحيوي.

تداعيات الصمود السوري ضدّ العدوان سوف تتخطى ما عاشته البلاد العربية بعد حرب السويس في الخمسينيات من القرن الماضي، وشراسة العدوان على سورية تخطت بدرجات ما تعرّضت له مصر عبد الناصر في زمن العدوان الثلاثي لجهة المدى الزمني للعدوان ولجهة حجم القوى المحتشدة بقيادة الاستعمار الغربي، وكذلك في طبيعة الأدوات المستخدمة لتدمير الدولة والمجتمع. فقد طوّر المستعمرون من تقنياتهم ومن أساليبهم وابتدعوا الحرب بواسطة جماعات التكفير الإرهابية متعدّدة الجنسيات والتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» وابتكروا أنماطاً متطورة من استراتيجيات «القيادة من الخلف» لعرقلة مسار الصمود والمقاومة.

انتصار سورية التاريخي سيكون انتصاراً للعروبة المقاومة المدعوّة للخروج من علب الإيديولوجيا ومن الشعاراتية اللفظية، ويستدعي ذلك تحضيراً فكرياً وثقافياً لبلورة رؤية تتسع لاحتواء التعدّد الديني والعرقي في الوطن العربي، انطلاقاً من تجربة التجديد السوري للدولة العلمانية الوطنية المستقلة والقوية التي تمثل التحدّي الراهن تاريخياً.

في مسار النهوض السوري سوف تتشكل نهضة قومية تتحدّد قواها وأنويتها ويرتسم قوامها بالموقع من حركة الصراع وليس باليافطات الإيديولوجية والحزبية، وقد حصل الفرز الطبيعي موضوعياً على نصل الحدث السوري وظهر من بين الصفوف من حملوا الراية ولم يتيهوا في مصنفات التضليل والتزوير والنفاق وواجب القوى والشخصيات المنحازة للفكرة القومية ولنهج المقاومة والاستقلال مباشرة العمل على بلورة خطاب جديد يغتني بخبرات التجارب ويؤسّس لمرحلة جديدة في التاريخ العربي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى