معادلة فرنجية رئيساً تفرض الحريري لرئاسة الحكومة… ومرحلة الهراوي ـ الحريري الأب لن تتكرّر

محمد حمية

ألغام عدّة سيواجهها رئيس الجمهورية الجديد ما أن تطأ قدماه قصر بعبدا. فكيف سيتعاطى مع الملفات الأساسية الداخلية منها والخارجية، والتي شكّلت موضع انقسام بين اللبنانيين قبل أن تتحوّل إلى أزمات مستعصية لم تستطع القوى السياسية إيجاد حلول جذرية لها. إنما تستعين عند كل مفترق خطير بمسكّنات لتأجيل الانفجار. لكن سرعان ما ينتهي مفعولها عند هبوب العاصفة الخارجية الأولى. وكيف ستكون علاقة رئيس الجمهورية الجديد برئيس الحكومة الجديد؟ وماذا عن إدارته تشكيل الحكومة والتوازنات الداخلية وقانون الانتخاب وموقفه من سلاح المقاومة؟ وانخراط حزب الله في الحرب السورية ومن الإرهاب، وماذا عن السياسة الخارجية؟ لا سيما مع سورية وإيران وروسيا بعد دخولها بقوّة على خطّ الصراع في المنطقة؟ وما هي نظرة الرئيس «المسيحي» إلى الطائف؟ وكيف سيتعامل مع الأزمات المعيشية والاقتصادية، لا سيما النفايات والنفط؟ وهل نحن أمام تكرار مرحلة الرئيسين الياس الهرواي ورفيق الحريري التي انتجت مرحلة من الاستقرار سياسياً وأمنياً واقتصادياً؟

«البناء» استطلعت آراء القوى السياسية الأساسية ونظرتها ورؤيتها للرئيس الجديد وما هي الملفات التي تعتبرها أولويات الرئيس.

لا شكّ في أن رئيس الجمهورية هو جزء من السلطة التنفيذية بحسب الدستور ولم يعد يملك الصلاحيات نفسها قبل الطائف، فهو إذا حضر يترأس مجلس الوزراء ولا يملك حق التصويت، لكنه رمز وحدة البلاد والقائد الأعلى للقوات المسلحة ويستطيع التحكّم بنسيج الحكومة واختيار الوزراء والبيان الوزاري وإدارة جلسات المجلس والمشاركة في رسم السياسات العامة للحكومة.

لا يمكن أن يكون رئيس حكومة ناجحاً من دون التعاون والثقة برئيس الجمهورية. ولا يمكن أن يعمل بمفرده أو على قاعدة توزيع الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية بين القوى. وتجربة الرئيس السابق إميل لحود والرئيس الراحل رفيق الحريري التي بدأت بتوزيع الملفات انتهت بتدخلات كل طرف بملفات الآخر، ما أدّى إلى استحكام الخلاف بينهما.

تفاوتت الرؤى والنظرة بين القوى السياسية التي قمنا باستطلاع آرائها حول أولويات الرئيس الجديد وما المطلوب منه، لا سيما حول قانون الانتخاب والطائف وتدخل حزب الله في سورية وسياسية النأي بالنفس والعلاقة مع سورية. لكن إجماعاً بدا بين معظم المستطلعة آراؤهم على أن تكون مكافحة الإرهاب أولوية لدى الرئيس، لكن بعضهم يرى ذلك من خلال القوى الأمنية الشرعية وآخرون يعتبرون دور المقاومة ضرورياً في ظل عدم تمكن الجيش من حماية كامل الحدود.

الرئيس الجديد لن يعترف إلا بالرئيس السوري الشرعي وهو الرئيس بشار الأسد، هذا موقف تيار المردة. «لا مشكلة لدينا بالعلاقة مع سورية، فهي تبقى البلد العربي الأقرب إلى لبنان ونريد علاقات حسن جوار وندّية قائمة على الاحترام المتبادل لسيادة كل دولة واستقلالها، وكذلك إيران. و«أن يعمل لتحييد لبنان عن صراعات المحاور وتفعيل اعلان بعبدا وتعزيز دور الدولة»، هذا موقف تيار المستقبل و14 آذار.

لا يمكن الحديث عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون الاتفاق والتفاهم على تسوية السلة المتكاملة، كقانون الانتخابات الذي يرفضه المستقبل ويريد مصادرة القرار السنّي والهيمنة على القرار المسيحي، هكذا عبّر التيار الوطني الحر.

ويتفق الجميع على أن سلاح حزب الله والمقاومة جزء من المنظومة الدفاعية. لكن قوى 14 آذار ترى أن موضوع السلاح لا يحلّ إلا بالحوار مع حزب الله.

لا يمكن مقارنة مرحلة الرئيسين الهراوي والحريري بعلاقة فرنجية وسعد الحريري في حال شقّت التسوية طريقها إلى التنفيذ، فهناك عدد من أوجه الاختلاف، لكن العلاقة بين الرجلين ستكون جيدة وضرورية للبلاد ومفيدة وتحدث توازناً، لأن فرنجية سيكون شخصية قوية في الساحة المسيحية وبالتالي التوازن سيفرض الحريري رئيساً للحكومة، هكذا يقول وزير الخارجية الأسبق فارس بويز الذي عايش تلك المرحلة.

على ضفة ثانية، يقف متابعون للتطورات على الساحتين المحلية والاقليمية ومقرّبون من الرابية ليعلقوا على هذا الاستطلاع، وليستبعدوا انتخاب رئيس للجمهورية في القريب العاجل، لا بل يذهبون بتوقعاتهم حتى الربيع لإنضاج هذا الملف، وليس فقط إلى ما بعد الانتخابات السورية بل لجلاء التطورات على صعيد المنطقة لا سيما في الخليج. ويرفضون تكرار مرحلة الهراوي ـ الحريري اليوم، كما يرفضون تشبيه الهراوي بفرنجية. فهو ـ أي الهراوي ـ كان في الظاهر مع سورية لكنه في الباطن كان مع الحريري، ويعتبرون أن الرئيس القوي الذي يحقق الشراكة الوطنية في الحكم والأوسع تمثيلاً في بيئته سيطبع المرحلة المقبلة.

تيار المردة

يؤكد عضو المكتب السياسي في تيار المردة النائب السابق كريم الراسي «أن الوضع داخل الحكومة سيكون أكثر تعقيداً من الملفات الخارجية، لا سيما تلك المرتبطة بالوضعين المالي والاقتصادي، كعجز الخزينة والدين العام ووضع قانون الموازنة والهدر والفساد. على الرئيس الجديد أن يتسم بالحكمة وبكثير من العطف لإدارة الحكومة القادمة، بمعنى أنه لا يمكن أن نتعامل مع المواطنين كزبائن بل كرعية، ويتطلب ذلك وضع استراتيجية لبناء البشر قبل الحجر، من إيلاء الموظفين والمياومين الاهتمام، وضمان الشيخوخة، هذه ملفات تعتبر أولوية لدي أي رئيس جديد».

ويضيف الراسي: «لا يمكن أن يكون رئيس أي حكومة ناجحاً من دون التعاون والثقة برئيس الجمهورية، أو إذا عمل بمفرده، أو على قاعدة توزيع الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية على الأطراف، ولدينا تجربة مريرة وغير ناجحة في عهد الرئيس السابق إميل لحود والرئيس الراحل رفيق الحريري، والتي بدأت بتوزيع الملفات لتنتهي بتدخلات كل طرف بملفات الآخر، وينشأ خلاف بينهما وما رافقه من نتائج وتداعيات في تلك المرحلة، لذلك التعاون بين رئيسي الجمهورية والحكومة أفضل من فصل الملفات الذي يأخذ طابعاً مذهبياً كما يحصل اليوم في ملف النفايات».

ويتابع الراسي: «في مسألة قانون الانتخاب، يجب الأخذ بالاعتبار هواجس جميع الأطراف، وفي الوقت نفسه يجب التوصل إلى قانون يفرض الخطاب السياسي الوطني ويجمع اللبنانيين ولا يكرّس الخطاب الطائفي والمذهبي في السنوات الأربع المقبلة، وأن يفرز مجلساً نيابياً جديداً بمعزل عن نتائج الانتخابات، ما سيفرض على النواب خطاباً سياسياً وطنياً معتدلاً، فقانون الانتخاب الطائفي كان أحد أسباب الحرب الأهلية، ولذلك وضع في اتفاق الطائف بند إقرار قانون الانتخاب النسبيّ على أساس المحافظة لقناعة جميع الأطراف حينذاك بأن قانون الاقضية خلق الخطاب الطائفي وسبب الحرب الأهلية، لذلك، يجب على الرئيس الجديد أن يتمسك بإقرار قانون النسبية على أساس المحافظة لا على أساس القضاء، لأننا نحتاج اليوم في ظل هذا الصراع في المنطقة إلى خطاب وطني لا إلى خطاب طائفي ومناطقي».

أما في ما خص سلاح المقاومة، فيرى الراسي أنه «لا يمكن الا التفاهم على حل يناسب حزب الله ويأخذ بعين الاعتبار هواجسه، إذ لا يمكن لأي رئيس أن يفرض رأيه على حزب الله الذي هو مكوّن لبناني رئيس وقدّم الكثير من التضحيات في سبيل تحرير لبنان وحمايته من كل الأخطار».

ويشدّد الراسي على أن «الرئيس الجديد سيقول للجيش اللبناني إضرب الإرهابيين في كل مكان يتواجدون فيه وفي أي منطقة، لا سيما في عرسال التي يرفض أهلها تواجد الإرهابيين في بلدتهم وجرودهم، فالإرهاب لا دين له وضربه أهم عمل وطني تقوم به الدولة».

ويقول الراسي: «في لبنان، لنا مصلحة أن نتحالف مع أي دولة قوية تخدم لبنان من دون وضع شروط سياسية. وواجب وطني على أيّ رئيس أن يسعى إلى عقد تحالفات مع دول قوية لتحقيق مصالح لبنان. لبنان مرتبط مع سورية بعلاقة مميزة، من هذا المنطلق يجب على أي رئيس ألا يتخلى، أو يفرّط بهذه العلاقة. كما أنّ مصلحة لبنان تكون بالتحالف مع دولة قوية ونووية وتكنولوجية كالجمهورية الاسلامية في إيران، لأن هذه الدول لها فضل على لبنان وقدمت له الكثير، لذلك الرئيس الجديد لن يعترف إلا بالرئيس السوري الشرعي وهو الرئيس بشار الأسد».

ويضيف الراسي في موقع لبنان من الصراع الاقليمي: «الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الرئيس السابق والحكومة السابقة، اعتماد سياسة النأي بالنفس. فلا يمكن أن تكون دولة بلا رأي وبلا موقف، فليصوت المجلس النيابي على سياسة النأي بالنفس وتحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية، ولنرى نتيجة التصويت. فريقنا السياسي تدخل في سورية عسكرياً بشكلٍ واضح وعلني ولم يخف ذلك، أما الفريق الآخر فتدخل في السر وأعلن أنه لم يتدخل. تدخل حزب الله على الحدود وداخل سورية كان ضرورياً في ظل عدم قدرة الجيش اللبناني بإمكانياته المحدودة وعدم توفر القرار السياسي في أن يحمي الحدود الشرقية والشمالية».

التيار الوطني الحرّ

أما عضو قيادة التيار الوطني الحر الدكتور بسام الهاشم فيؤكد أنه لا يمكن الحديث عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون الاتفاق والتفاهم على تسوية السلة المتكاملة يتفق من خلالها على كل شيء، وعلى الاقل الملفات الاساسية، كقانون الانتخابات، لا على قاعدة «على الوعد يا كمون»، «لأننا تعودنا الاتفاق على أمور ويتم التراجع عنها ونسفها لاحقاً، فلا يمكن أن نتلقى الوعود بقرار قانون انتخاب جديد ثم يتم نسفه بعد الاستحقاق الرئاسي، لذلك الاتفاق على القانون يجب أن يسبق انتخاب الرئيس، يجب ان نحصل على ضمانات من خلال اتفاق مسبق على إقرار قانون النسبية ولبنان دائرة واحدة ولنا تبريرات لاعتماده بعكس الطرف الآخر وعلى رأسه تيار المستقبل الذي يعترض عليه على رغم أنه يحظى بإجماع اللبنانيين، لأن المستقبل يريد مصادرة القرار السني والهيمنة على القرار المسيحي. لذلك نحتاج إلى ضمانة، إما وعد من الجميع على طاولة الحوار، أو عقد جلسة نيابية لإقرار قانون الانتخاب قبل انتخاب الرئيس».

ويضيف: «الحكومة الجديدة يجب أن تمهد لانتخابات نيابية على قاعدة قانون النسبية بعد إقراره في المجلس النيابي. والمجلس الذي تفرزه الانتخابات يختار رئيس الحكومة، ثم تشكيل حكومة جديدة وفقاً لتوازنات المجلس الجديد».

ويعتبر الهاشم أن سلاح المقاومة لا يمكن حله إلا ضمن وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر التي تحدثت عن هذا الموضوع. وانطلاقاً من الطرح الذي قدّمه العماد عون على طاولة الحوار منذ سنتين، الذي يعتبر أنّ سلاح حزب الله والمقاومة جزء من المنظومة الدفاعية في ظل عدم توفّر النيات الحقيقية لتسليح الجيش ليصبح قادراً على الدفاع عن كل الحدود».

ويتابع: «انخراط حزب الله في الحرب السورية جاء كردّ فعل على دخول آلاف الإرهابيين والمسلحين إلى سورية ولبنان، ولم يأت كفعل بل للدفاع عن خلفية الحزب بعدما هدد الإرهابيون المناطق والقرى الحدودية التي تعتبر بيئة للمقاومة، في هذا الواقع دخول حزب الله الحرب السورية ضرورة ليكون لنا دور في المعادلة الإقليمية».

ويضيف: «من واجب الرئيس الجديد الحفاظ على سيادة الدولة ما يتطلب منه كقائد أعلى للقوات المسلحة أن يصدر التعليمات للجيش ان يعمل لتحرير الجرود من الإرهابيين ويمنع تلك المشاهد الاستعراضية التي رأيناها خلال عملية تبادل العسكريين والثياب الأفغانية كما لو كنا في داعشتان. لكننا لا نستطيع أن نغفل أن الرئيس جزء من قرار الحكومة مجتمعة ولا يستطيع اتخاذ القرار بمفرده».

اتفاق الطائف هو جزء من التسوية المطروحة، المطروح ليس نسف الطائف او تغييره بل تصحيح الاعوجاج، هذا ما يقوله هاشم في ما خصّ اتفاق الطائف، ويضيف: «لدينا تحفظات على هذا الاتفاق الذي تحول إلى دستور وسنتعامل معه على هذا الاساس، وعلى الرئيس الجديد ان يعمل على تطويره وتحديثه من خلال اجراء تعديلات بعدما طُبّق بشكل استنسابي وشُوّه، لا سيما بتحويل السلطة التنفيذية من الرئيس إلى مجلس الوزراء مجتمعاً. لكن ما حصل هو تحويلها إلى رئيس الحكومة منفرداً».

ويشير الهاشم إلى تغيّر المواقف الغربية تجاه سورية وبات الاسد مقبولاً والتعامل والتعاون مع الجيش السوري مباحاً من دون رحيل الأسد. «على الرئيس الجديد أن يحرص على العلاقات المميزة مع سورية وإيران، وأن تكون العلاقة مع إيران تشمل كل اللبنانيين، وألا تكون ضد الدول العربية والخليج بل علاقة متوازنة على قاعدة التعامل باحترام مع لبنان، والعلاقة المميزة مع روسيا التي لعبت دوراً مهماً في تمكين لبنان وتمكين سورية والمقاومة ضد المؤامرة الكونية».

ويلفت الهاشم إلى أن موضوع النفط من أهم الملفات الاقتصادية، وهو الحل للكثير من الازمات، «لا سيما الديون واستكمال البنية التحتية وإيجاد فرص عمل ومكافحة البطالة وإعطاء الموظفين حقوقهم، وسدّ حاجات البلد، الثروة الطبيعية لا يمكن التفريط بها، وضع الوزير جبران باسيل الأطر وعين الهيئة الناظمة للبترول، لكن الطرف الآخر عمل على إقصائه عن وزارة الطاقة ولا يزال لبنان ينتظر إصدار مرسومين تنفيذيين للبدء باستخراج النفط».

«المستقبل»

أما عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار، فيرى أنه على الرئيس الجديد منذ انتخابه أن ينكبّ أولاً على العمل لإعادة عجلة المؤسسات، وعلى تأليف حكومة جديدة وصوغ بيان وزاري ينطلق من الدستور والطائف الذي هو المرجعية والأساس في جميع النقاط.

ويضيف: «بمعزل عن أي رئيس أتى، لا يستطيع أن يفرض على حزب الله الخروج من سورية، بل يحل هذا الامر بالحوار مع الحزب الذي على الرئيس الجديد أن يرعاه والذي يرعاه اليوم رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لا سيما استكمال الاتفاق على بند الاستراتيجية الدفاعية».

ويركز الحجار على «ضرورة إعادة تفعيل إعلان بعبدا، وليس كما قال السيد حسن نصر الله بأنه لا يساوي الحبر الذي كتب به، وعلى الرئيس الجديد أن يعمل لتحييد لبنان عن صراعات المحاور وتفعيل إعلان بعبدا وتعزيز دور الدولة وأن تكون الاجهزة الامنية الدستورية والشرعية خشبة خلاص لتجاوز الازمات».

وعن الإرهاب، يشدّد الحجار على «دور المؤسسات الامنية والشرعية في مكافحة الإرهاب، لأن سلاح المقاومة عندما يتحول إلى غير وجهته يصبح لغير حماية لبنان ويخدم مشروعاً إقليمياً في المنقطة، وهذا موضع خلاف في البلد، لكن هذا الاختلاف يحلّ بالحوار الذي هو السبيل الوحيد للوصول إلى حلول».

أما عن العلاقة مع سورية، فيقول الحجار: «الوضع في سورية يتجه إلى حل سياسي وهذا كان رأينا منذ البداية، لكن يجب النأي بالنفس عن الأزمة السورية وخروج حزب الله من سورية. ولا مشكلة لدينا بالعلاقة مع سورية، فهي تبقى البلد العربي الأقرب إلى لبنان ونريد علاقات حسن جوار وندية قائمة على الاحترام المتبادل لسيادة كل دولة واستقلالها».

ويتابع: «نحن مع العلاقات الجيدة مع جميع الدول إلا مع العدو، إسرائيل والإرهاب، أما إيران فليست عدواً، بل نسعى إلى بنا أفضل العلاقات معها، لكن مشكلتنا معها تكمن في محاولتها تحقيق نفوذ ومكاسب على حساب الدول والشعوب العربية وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول في المنطقة، إذا كانت تريد ان تكون دولة صديقة فأهلاً وسهلاً بها، والأمر نفسه ينطبق على روسيا التي هي دولة اساسية في العالم ونطمح إلى أفضل العلاقات معها، لكننا نختلف مع سياستها في المنطقة، لا سيما بالملف السوري».

ويلفت الحجار نظر الرئيس الجديد إلى «القرارات الدولية، لا سيما 1701 وقرارات إنشاء المحكمة الدولية التي تحدد طبيعة علاقة لبنان الدولية ومع المجتمع الدولي. وهذا يجب ان يكون أولوية لدى الرئيس استناداً إلى الطائف والدستور الذي يعتبر رئيس الجمهورية الحكم ورئيساً ورمزاً لوحدة البلاد. ورأينا عندما حصول الشغور كيف تعطلت المؤسسات كلها».

«الكتائب»

أما عضو كتلة الكتائب النائب إيلي ماروني، فيرى أن على الرئيس الجديد «أن يكون حريصاً على تشكيل حكومة تعكس النسيج اللبناني والمناصفة، وأن يختار الرجل المناسب في المكان المناسب. وألا يتدخل في قانون الانتخاب الا بالحرص على تأمين الديمقراطية والمساواة من خلال اقرار قانون انتخاب يؤمن حسن التمثيل للمسيحيين اولاً وللمسلمين ثانياً، لأن الشكوى تأتي من المكوّن المسيحي. وأن يكون صوت المواطن معبراً وأن يكون النائب وكيلاً صحيحاً عن الشعب».

ويتابع ماروني: «ندعو الرئيس إلى أن يحرص على وحدة الجيش والقوى الأمنية، وألا يقبل بسلطة على الأرض اللبنانية غير السلطة الأمنية الشرعية الممثلة بالقوى الأمنية، وأن يحصر قرار الحرب والسلم بالدولة».

أما عن العلاقة مع سورية، فيعتبر ماروني أنه «بانتظار التطورات على الساحة السورية، يحدّد الرئيس موقفه وطبيعة العلاقة مع سورية، لكن في كل الاحوال يجب ان تكون علاقتنا مع سورية جيدة بين دولتين ويحكمها الاحترام المتبادل والندّية واحترام سيادة كل من الدولتين».

ويولي ماروني أهمية للوضع الأمني على الحدود في ظل تواجد الإرهاب، ويقول: «يجب مكافحة الإرهاب من قبل كل اللبنانيين ومن الطوائف كافة والوقوف خلف القوى الأمنية لمكافحة الإرهاب واستئصاله من جذوره، والتصدّي له على الأرض اللبنانية، هذا الأمر يشكل أولوية لدى أيّ رئيس جديد».

الحريري وحاجة العهد

ويستعرض وزير الخارجية الأسبق فارس بويز في حديثه إلى «البناء» مرحلة الرئيسين الياس الهراوي ورفيق الحريري ويقول: «بعد الأحداث الدامية التي حصلت في المنطقة الشرقية لبيروت في الثمانينات من القرن الماضي، انهارت الليرة اللبنانية مقابل الدولار في حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي، في ظل التخلي الدولي عن لبنان والأوضاع السياسية المأزومة التي كانت سائدة، والإحباط المسيحي بعد حربَي التحرير والإلغاء، توقف الدور المسيحي الفعال في البلد ما أدّى إلى أزمة مالية واقتصادية كبيرة، واندلعت تظاهرات لم تأخذ لوناً سياسياً أو طائفياً معيناً، بل من كل الشرائح، ما وضع البلاد أيضاً امام كارثة حقيقية تهدد بالانهيار التام».

ويضيف بويز: «في ظل غياب الدعم الخارجي حينذاك، والوضع الاقتصادي المتدهور، لاحت في الأفق ملامح شخص وحيد يستطيع إعطاء دفع كبير للاقتصاد ويحظى بثقة ودعم خارجيين، ويمثل حاجة اقتصادية للبنان، ألا وهو الرئيس رفيق الحريري، لا سيما أن رئيس الجمهورية حينذاك كان خائفاً على عهده وعلى الشعب اللبناني، وكان لديه تحفظ بادئ الأمر حول شخصية الحريري، أولاً لأن علاقته بالسعودية ستخلق خللاً سياسياً في البلاد، لا سيما ثروته الضخمة. لكن الحاجة الاقتصادية تغلبت على أي اعتبار آخر، وأدركت سورية أنه اذا لم يأت الحريري رئيساً للحكومة، فسيهدد بانزلاق اقتصادي يمكن أن يؤدي إلى تهديد أمني. ومن هنا أتى الحريري بنوع من معادلة معينة بأنك ستضطلع بدور أساسي اقتصادي وفي الموضوع السياسي عليك ألا تتجاوز المعادلة القائمة».

ويتابع: «قررت حكومة الحريري الأولى اعتماد استراتيجية الدفاع عن الليرة اللبنانية وتدخل البنك المركزي، وكان هناك من يخالف الأمر لكن ذلك كان ضرورياً للاستقرار، ثم استقرت الليرة وهبط الدولار».

ويشير بويز إلى أنه «كان لدى الحريري رؤية اقتصادية كبيرة جلبت الثقة من الخارج من مشاريع الكهرباء وزيادة الطاقة وانشاء الطرقات. كما أن الحريري راهن على ثقة العالم بلبنان لكي يحصل على المساعدات من خلال قمم ومؤتمرات لدعم لبنان، وعوّل على صداقاته الدولية لا سيما مع الرئيس جاك شيراك. لم تكن علاقتي كوزير للخارجية مع الحريري جيدة لأنه في الموقف السياسي يتجاوز بعض القوانين والصلاحيات ويحاول الهيمنة على بعض المواقع. لكنني واجهت هذا الأمر، وكنت أرفض تخطي صلاحياتي. وخلافي معه كان محصوراً بموضوع الصلاحيات وتجاوز القوانين. وكنت امتنع عن الذهاب معه إلى هذه المؤتمرات، وكنت ألوم الحريري بأنه كان يظهر إعلامياً إيجابيات المؤتمرات ويغفل عن السلبيات أمام الشعب اللبناني. لكن الحريري في الموضوع الاقتصادي من دون شك، لعب دوراً كبيراًً في الخروج من حالة الحرب والدمار، من دون أن ننكر أن بدء إصلاح الهاتف والكهرباء حصل في عهد الرئيس عمر كرامي، وأتى الحريري وقام بتوسيع هذه الأعمال الاقتصادية. وشخصيته وعلاقاته الدولية لعبت دوراً في إرساء الثقة والاستقرار».

ويرى بوزير أن علاقة الحريري بالهراوي كانت مزيجاً، من جهة جمعتهما صداقة شخصية عميقة وكان الهرواي يشعر أن الحريري حاجة اقتصادية، لكن مشكلة سياسية كانت قائمة معه، أولاً لأن الحريري عاش في المملكة العربية السعودية وهي مملكة وليست جمهورية ولا دستور ولا مرعاة للتنوع الطائفي فيها، أما في لبنان فيوجد دستور وقوانين وهرمية ومراعاة دقيقة للطوائف. وكان الحريري يتجاوز بتصرفاته أحجام الطوائف، ما سبب خللاً. وكان الهرواي يشكو الحريري بتجاوزه بعض الصلاحيات، لذلك كانت العلاقة متناقضة ومتقلبة بينهما».

بين الأب والإبن

ويؤكد بويز أنه «من الصعب تكرار علاقة الهراوي والحريري الأب مع رئيس الجمهورية الجديد والحريري الإبن، أولاً لأن رفيق الحريري هو رفيق الحريري وسعد ليس رفيق. رفيق الحريري كان صديقاً حميماً للملك السعودي فهد بن عبد العزيز الذي منحه ثقته المطلقة وكامل الصلاحية، بينما علاقة سعد اليوم مع المملكة والملك ليست بحجم علاقة والده. ثانياً، حجم رفيق الحريري المالي منحه صداقات وعلاقات دولية استعملها في لبنان، لكن علاقات سعد الحريري وثروته لا تقارن بعلاقات والده وثروته. ثالثاً، صحيح أن لبنان يمر بأزمات اقتصادية اليوم، لكن ذلك لا يقارن بأزمة عام 1992، وبالتالي لا يشكل سعد الحاجة الاقتصادية ذاتها التي مثّلها الحريري الأب. رابعاً علاقة الحريري بسورية كانت جيدة منذ عام 1992 حتى عام 2000، ولم يكن قد استفحل الخلاف بينهما، لكن من دون شك أنه إذا انتخب فرنجية رئيساً للجمهورية وسعد رئيساً للحكومة ولو كان الحريري بحجم أقل من والده، لكنه الزعيم الاول عند الطائفة السنّية، وبالتالي ستكسب المعادلة الجديدة زخماً ونجاحاً وتزيل هواجس السنة بأنهم مهمشون. فعنصر المقارنة الوحيد بين المرحلتين أنّ سعد الحريري كوالده سيكون الزعيم السنّي الأقوى واسماً دولياً يريح الغرب. أما بالنسبة إلى فرنجية، فسورية اليوم ليست كما السابق، لكن العلاقة بين الرجلين ستكون جيدة وضرورية للبلاد ومفيدة وتحدث توازناً، لأنه في حال انتخاب فرنجية لا يمكن أن نرى أي شخص آخر رئيساً للحكومة غير الحريري، لأن غير ذلك سيخلق أزمة في التمثيل السنّي، لأن فرنجية شخصية ستكون قوية في الساحة المسيحية وبالتالي التوازن سيفرض الحريري رئيساً للحكومة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى