تركيا في العراق: هل تُرسم حدود دولة جديدة؟

عامر نعيم الياس

رفض الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الدعوات التي أطلقها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لسحب القوات التركية من الأراضي العراقية خلال 48 ساعة، والتهديدات التي أطلقتها القيادات الأمنية والسياسية العراقية باللجوء إلى مجلس الأمن أو استهداف القوات التركية المرابطة في شمال العراق.

ضرب الرئيس التركي عرض الحائط النداءات التي وجّهتها الحكومة العراقية المركزية في بغداد، التقى ما يسمى برئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني في ظل خلافٍ حول الوجود التركي في العراق الذي تقول أنقرة إنه أتى بطلب من الحكومة العراقية، لكن هذه الحجة ينسفها من أساسها كلام أردوغان وطبيعة مهمة القوات التركية الحالية وتواجدها في قاعدة زيلكان القريبة من الموصل والتي تضم مدرّبين أتراك أحد جوانب مهمتهم، أو بالأحرى غطاء وجودهم، تدريب الأكراد التابعين للبرزاني من أجل استعادة الموصل، لكن استعادتها لمصلحة مَن مِن الأطراف، هل استعادتها للأكراد أم للعراقيين أم للأتراك؟

هذا التساؤل يدفع إلى طرح مسألة السيادة على بساط البحث، فوجود القوات الأجنبية على أراضي دولةٍ ما يجب أن يتم بطلبٍ من الحكومة الشرعية المركزية في الدولة، ويجب أن يتم تحديد مناطق وجود وصلاحيات القوات المرابطة على الأرض، فضلاً عن تحديد أطر الاتصال وسقف المهمة المنوطة بالقوات، وفي الحالة التركية في العراق لا ينطبق ما سبق على الشكل العام لوجود القوات. إن المعارضة لوجود الأتراك سياسياً وعسكرياً من الجانب العراقي والموقف التركي الوقح، يكشف أموراً عدة أهمها:

ـ الصراع الإقليمي على العراق وإعادة تشكيل المنطقة، فأساس الوجود العسكري التركي في العراق، دفع مشاريع تقسيم العراق قدماً وعبر فرض الأمر الواقع باستغلال الوجود على الأرض الذي يحدد شكل ونطاق السلطة المرجو قيامها في المنطقة الواقعة تحت السيطرة العسكرية.

ـ العامل الكردي والتقارب بين برزاني وأردوغان في وقت تعتبر حكومة بغداد المركزية الوجود العسكري التركي احتلالاً يطرح عدداً من التساؤلات حول هوية الكيان الذي سيتم فرضه بقوة الأمر الواقع في العراق، خصوصاً في ظل الدور الكردي في العراق الذي يجمع ما بين الورقة الكردية والورقة التركمانية وورقة النخب الإخوانية من العرب السنّة في العراق والمسؤولون السابقون أمثال طارق الهاشمي ومحافظ الموصل السابق أثيل النجيفي، الذي بات مؤكداً أنه تواطأ بشكلٍ أو بآخر في تسليم الموصل لتنظيم «داعش» الإرهابي. هذه التوليفة السابقة تطلق العنان لتخيّل شكل الكانتون المنوي تأسيسه بقوة العسكر التركي والبيشمركة الكردية والذي يزاوج بين الإخوان المسلمين العراقيين المرتبطين بأنقرة، والتركمان كقومية، والأكراد العراقيين في طريقهم إلى تأسيس دولتهم في العراق.

ـ الحرب على «داعش» والصراع على إعادة تشكيل المشهد الإقليمي والجيوسياسي يضاف إليه الصراع على مركز قيادة الحرب، والتنافس بين القوى الكبرى وضمناً الإقليمية على أفضلية قيادة الحرب الناجعة على التنظيم الأشهر دولياً في الوقت الحالي، ربما الصراع في العراق بين قيادة عمليات التحالف، ومركز التنسيق الأمني الرباعي في بغداد بين روسيا وإيران وسورية والعراق خيرُ مؤشرٍ على هذا الأمر.

ـ الأولوية في المنطقة الآن لتوازن القوى المحلية على الأرض لا للحرب على «داعش»، هذا هو الهدف الأساس للقوى الإقليمية التي لا تزال مصرةً على أهدافها في سورية والعراق، وإن ظهرت بوادر حسن نيّة شكلية من هذا المسؤول أو ذاك، إلا أن الأساس لا يزال هو السيطرة على الأرض فالأطراف المنخرطة في الميدان وإن لم تحسم المعركة لصالحها، إلا أنها لم تتعب وتسلّم الراية بعد.

تحتل تركيا العراق وترفض علناً الاستجابة لطلب الحكومة المركزية هناك، فيما مفهوم السيادة بات في أسفل سلّم الأولويات الدولية الأممية قبل الإقليمية.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى