واشنطن تدعم حلف الرياض تعويضاً عن هزيمة اليمن… وموسكو تنتظر توضيحات كيري ولافروف يعوّمان لقاء نيويورك بعدما حصرا به لوائح الإرهاب والمعارضة

كتب المحرر السياسي

مفاوضات اليمن ووقف النار فيها تشبه، وفقاً لخبير ديبلوماسي، مفاوضات باريس بين ثوار الفيتكونغ الذين هزموا الأميركيين في شمال فيتنام، ومقابلهم الاحتلال الأميركي والحكومة التي أنشأوها في الجنوب، والتي يخشون أن تنهار بمجرد انسحابهم.

برأي الخبير سيختلف المشهد كثيراً بين بدايات المفاوضات ونهاياتها، وستتواصل المفاوضات زمناً غير قصير، فكلّ شيء يدور حول قراءة ما بعد تطبيق بنود الاتفاق المرتقب، وليس بما تمنحه شكليات حفظ ماء الوجه للفريق المهزوم من معنويات افتراضية، فجعل تطبيق قرار مجلس الأمن الخاص بتسليم المدن للحكومة الشرعية والجيش الشرعي عنواناً للمفاوضات، يتيح للسعودية وجماعتها الادّعاء بالانتصار الزائف، لكن آلية تطبيق القرار ستمرّ في التفاوض على كيفية تشكيل الحكومة الشرعية، بعد انتهاء الصلاحية الدستورية لكلّ من الرئيس منصور هادي والبرلمان، وحصرية صفة الشرعية بحكومة تعقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وحصرية صفة الشرعية بالجيش بعد قيام الرئيس والحكومة الجديدين بتعيين قيادة شرعية للجيش تتولى توحيد مكوّناته وتتسلم مهام الأمن في البلاد، وكلّ ذلك يستدعي تثبيت وقف النار وإجراءات الثقة، وتشكيل حكومة مؤقتة، وربما رئيس مؤقت لإدارة شؤون البلاد، والإعداد لدستور جديد تجري الانتخابات على أساسه، وهذا يعني أنّ الانسحاب السعودي من اليمن جواً وبحراً وبراً سيسبق الانتخابات، وتشكيل الحكومة الجديدة وقيادة الجيش الجديدة، وبالتالي يسبق تسليم المدن لهما.

يضيف الخبير الديبلوماسي، أنّ حال جماعة السعودية اليمنيين سيتدهور من سيّئ إلى أسوأ وصولاً إلى الانتخابات، وتزامن التهدئة والانسحابات، وقد لا تحلّ الانتخابات إلا وانهارت جماعة حكم جنوب اليمن كما انهار نظام حكم جنوب فيتنام الذي أقامه الأميركيون.

يرى الخبير الديبلوماسي الذي عايش مفاوضات باريس حول الانسحاب الأميركي من فيتنام، أنّ الأميركيين يعرفون ذلك جيداً، ولذلك يسعون إلى تهوين الثمن على السعودية، وتولوا تشجيعها على إعلان التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب كجائزة ترضية وملهاة إعلامية للتغطية على حجم الهزيمة الآتية، فالأميركيون يعرفون أنّ الانخراط الجدي للسعودية في الحرب على الإرهاب يبدأ من مكان آخر هو المكان الذي يزعج الإرهاب ويُضعفه ويجفف مستنقعاته، ويبدأ بإعادة النظر بسياسة تسويق التنظيمات الإرهابية وتنميتها وتشجيع فكر التطرف والتكفير الديني ووقف موارد التمويل عنها.

لهذا بادرت واشنطن لتشجيع إعلان الرياض للتحالف الإسلامي ضدّ الإرهاب، وهي تعلم أنه تحالف شكلي وإعلامي، لكن موسكو لم تدعه يمرّ دون تعليق، فقالت إنها ستدرس التحالف وأهدافه، خصوصاً أن لا ميثاق للتحالف، ولا برامج عمل ولا تحديد لمفهوم الإرهاب تتفق عليه الدول المشاركة.

التباين الأميركي الروسي لم يحُل أثناء محادثات وزير الخارجية الأميركية جون كيري، في موسكو دون الإعلان مع نظيره الروسي سيرغي لافروف عن تعويم لقاء نيويورك الخاص بسورية، بعدما حققت موسكو الهدف الذي تسبّب بتحفظها على اللقاء، وهي العودة إلى معادلة التشارك بين مكوّنات مسار فيينا في تحديد زمان كلّ لقاء ومكانه، والأهمّ في إنجاز أهداف رسمها مسار فيينا وتعطلت عند تصنيف التنظيمات الإرهابية وتحديد لائحة المعارضة المقبولة في العملية السياسية، وهما أمران كانا موضع تفرد أميركي بتجييرهما للسعودية عبر دعم مؤتمر الرياض، خارج إطار صلاحيات مسار فيينا ومسؤوليات وحقوق المشاركين فيه.

وافق كيري على التراجع، وإعادة ما لقيصر لقيصر، وربط إنجاز اللوائح الخاصة بالمعارضة والإرهاب بالمشاركين في لقاء فيينا، ونقل المهمة إلى لقاء نيويورك، بمعزل عما فعلته السعودية في الرياض، فقبلت روسيا تعويم اللقاء والمشاركة.

لبنان الذي كان يعيش هواجس التسويات الرئاسية، وما أثارته، تسبّبت فضيحة المخالفة الدستورية لرئيس الحكومة تمام سلام، بالموافقة على ضمّ لبنان إلى التحالف الذي أعلنته السعودية ضدّ الإرهاب، من دون العودة إلى مجلس الوزراء، ولا التريّث كما فعلت دول كثيرة، أو الرفض كما فعلت سلطنة عُمان، خصوصاً أنّ السعودية التي تقود التحالف دون تحديد مفهوم موحّد للإرهاب يعني قبول تعريف الدولة التي تقود هذا التحالف، وهي السعودية التي صنّفت منذ شهور حزب الله ومقاومته لـ»إسرائيل» كتنظيم إرهابي.

لبنان يدخل مرحلة الدعسات الناقصة، بينما كان ينتظر من مسؤوليه التروّي والتمهّل ومراعاة مقتضيات المرحلة الحساسة التي تعيشها المنطقة، والسعي إلى توظيف العلاقات بالخارج لحساب جعلها مصادر قوة له، بدلاً من جعل هذه العلاقات مصادر استنزاف للبنان وقوة للخارج.

أحلاف تُشكَّل عبر سماعة الهاتف

شكل إعلان التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب من الرياض على لسان ولي ولي العهد والمؤلّف من خمس وثلاثين دولة بينها لبنان محطّ انقسام جديد، على المستوى الرسمي والسياسي، بخاصة أن رئيس الحكومة الذي أصدر بياناً رحّب فيه بالتحالف وأعلن تلقيه اتصالاً من القيادة السعودية لاستمزاج رأيه في انضمام لبنان إلى هذا التحالف، الذي لم يكن الوزراء في حكومته على علم به سواء بالاتصال السعودي أو بالموافقة السلامية، مشيراً إلى «أن أي خطوات تنفيذية تترتب على لبنان في إطار التحالف الإسلامي الجديد سيتم درسها والتعامل معها استناداً إلى الأطر الدستورية والقانونية اللبنانية».

فكيف يسمح رئيس الحكومة لنفسه أن يُدخل لبنان في حلف قد تترتب عليه أبعاد وتداعيات خطيرة بناءً على «تشاور هاتفي»؟ وكيف قبل سلام أن يحتكر بشخصه كل الاعتبار الوطني اللبناني وأن يأخذ قراراً بهذا الحجم، وبهذه الخطورة؟ لماذا لم يتشاور بالحد الأدنى مع الرئيس بري، إذا افترضنا أن التشاور حصل بين رؤساء المؤسسات العامة؟ لماذا لم يتشاور مع وزير الخارجية جبران باسيل المعني الأول دبلوماسياً؟ وبناء على أي اعتبار رحّب رئيس الحكومة بهذا الحلف؟ وهل أدرك فعلاً عن أي إرهاب تتحدّث السعودية؟ وهل سأل عن معايير واللائحة الإرهابية للمملكة ؟ وعلى مَن تنطبق هذه اللائحة؟ وهل فكر للحظة أنه من الممكن التشاور بين الوزراء المعنيين بالحدّ الأدنى وإمكانية دعوة مجلس الوزراء بالحد الأقصى؟ هل لبنان ضمن الدول «السنية» التي قالت الولايات المتحدة الأميركية إنها طلبت من السعودية أن تشكل حلفاً من هذه الدول لمحاربة الإرهاب؟ وعلى أي أساس صنّف لبنان ضمن حلف «الدول السنية» التي تدور في الفلك السعودي؟ هل الأحلاف تشكل هكذا عبر سمّاعة الهاتف؟

أين سياسة النأي بالنفس؟

أين المندرجات العملية لهذا الحلف، من آليات التنسيق، وقواعد العمل، وتحديد الأهداف، وطبيعة العدو، ومسمّيات ومسرح عملياته والسلسلة تطول؟ ماذا عن استثناء دول أساسية منخرطة عملياً وكل يوم في الحرب على هذا الإرهاب وعلى رأس هذه الدول سورية وإيران والعراق؟ أي لحظة سياسية أرادت السعودية اختيارها وعلى أي حسابات بَنَت هذا الاختيار؟ وهل الحالة الهشة للواقع السياسي الداخلي في لبنان تحتمل السير بخيارات ملتبسة وغير واضحة كهذه؟ ومَن قال إن دعوة محمد بن سلمان لتشكيل حلف ضد الإرهاب هي عملياً في إطار سعودي سعودي، الملك سلمان يريد من هذا العنوان الفضفاض أن يدخل إلى عنوان الإرهاب المحتكر من قبل ولي العهد محمد بن نايف؟ هذا الارتجال اللبناني الخطير سيرتب مجموعة من التداعيات السياسية في الدرجة الأولى التي ستكشف حجم التفخيخ الذي أحدثته مواقف رئيس الحكومة على الواقع الحالي المهترئ أصلاً، وأين هي سياسة النأي بالنفس إزاء الموافقة على تحالف بمسمّى ديني بمضمون مذهبي تستثنى منه دول أساسية في المنطقة يرتبط لبنان معها بجغرافيا متصلة ويتصل معها أيضاً بإرهاب عابر لجغرافيا هذه الدول؟

الخارجية لا عِلْمَ لها

وشددت وزارة الخارجية والمغتربين في بيان، أنها لم تكن على علم، لا من قريب ولا من بعيد، بموضوع إنشاء تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب، وأنه لم يرد إليها، في أي سياق وأي مجال، أية مراسلة أو مكالمة تشير إلى موضوع إنشاء هذا التحالف، وأنه لم يتم التشاور معها، لا خارجياً كما تفرضه الأصول، ولا داخلياً كما يفرضه الدستور». وأكدت «أن ما حصل يمسّ بموقع لبنان، المميّز لجهة التوصيف المعطى لمحاربة الإرهاب والتصنيف المعتمد للمنظمات الإرهابية، كما يمس بصلاحيات الوزارة بصفتها موقعاً دستورياً قائماً في موضوع السياسة الخارجية، في إطار سياسة الحكومة والبيان الوزاري وبالتنسيق والتشاور مع رئيس الحكومة، كما دأبت عادة، وقد حرصت دائماً على أن يكون موقفها موقفاً مستقلاً خارجياً نابعاً من أولوية مصلحة لبنان، ومن التوافق الداخلي على هذه السياسة الخارجية».

نيّات مريبة

وشددت مصادر مطلعة في فريق 8 آذار لـ«البناء» على أن قبول رئيس الحكومة الانضمام إلى التحالف ومسارعة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري إلى الترحيب، يبين في أي سياق أتى ترشيح الوزير فرنجية ولأي أهداف وضمن أي نيات طرح هذا الأمر»، مشيرة إلى «أن ما نقوله ليس نيلاً من فرنجية، إنما تأكيد على النيات المريبة التي حاولوا من خلالها أن يطرحوا هذا الملف؟».

وكان الحريري سارع أمس إلى تأكيد «أن هذا التحالف هو خطوة تاريخية في الطريق الصحيح، للتعامل مع معضلة سياسية وأمنية وفكرية، باتت تشكل عبئاً خطيراً على صورة الإسلام الحضارية والإنسانية وتهدّد الوجود الإسلامي وتعايشه مع المجتمعات العالمية»، مشيراً إلى «أنه من الطبيعي أن يأتي الإعلان من الرياض، وأن يصدر على لسان ولي ولي العهد في المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، الذي حدد الخط الاستراتيجي لمهمة هذا التحالف، وشرح مسؤولية العالم الإسلامي في مكافحة الإرهاب والتصدي له بكل أشكاله وتنظيماته واتخاذ كل الإجراءات لمحاربته في عقر داره».

وبرغم ذلك، شكل إعلان هذا التحالف وانضمام لبنان له إرباكاً عند تيار المستقبل الذي اعتبر نائبه عمار حوري في حديث لـ«البناء» أن ما قام به رئيس الحكومة لا يخالف الدستور، إذ إن الوزراء يقومون بتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات مع نظرائهم العرب أو الدوليين ثم يعودون إلى مجلس الوزراء للتصديق عليها». حول عدم اتخاذ رئيس الحكومة الموقف الذي اتخذته اندونيسيا التي أبدت ترحيبها بالإعلان، لكنها أشارت إلى «أنها ستتخذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن»، أشار حوري إلى «أن الجواب عند رئيس الحكومة وليس عند تيار المستقبل».

«زحطة» كبيرة لرئيس الحكومة

وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» «أن ما تقوم به السعودية لا يتعدّى محاولة تلميع صورتها على الورق، فالسعوديون يدعمون الإرهاب في سورية والعراق واليمن، ومَن يريد أن يحارب الإرهاب عليه أن يوقف دعمه للإرهاب. لافتة إلى أنه كان الأجدر برئيس الحكومة تمام سلام بدلاً من إعلان الموافقة على الانضمام إلى الحلف محاربة الإرهاب الموجود في عرسال وجرودها».

وسجلت مصادر نيابية في 8 آذار لـ«البناء» «زحطة» كبيرة لرئيس الحكومة، بخاصة أن «ما قام به يناقض ما قام به في كل أدائه الحيادي والمعتدل في الفترة الماضية، فهو اتخذ قراراً في قضية خلافية من دون تنسيق مع القوى الأخرى ومن دون مجلس الوزراء». وشددت المصادر على «أن السعودية تعتمد منهجية مزدوجة فهي تصعد اتجاه حزب الله وتبحث عن مخرج تجاه الوضع اللبناني».

واعتبر مصدر مطلع لـ«البناء» أن موافقة رئيس الحكومة لا قيمة لها، لأن قرار الانضمام يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين، والى مجلس النواب أيضاً لا سيما وأن قراراً كهذا يترتب عليه أعباء عسكرية ونفقات مالية». وأشار المصدر إلى «أن رئيس الحكومة ليس رئيس الدولة ولا يختصر مجلس الوزراء، ولذلك ليس بإمكانه أن يُلزم لبنان بأي قرار».

قزي: الانضمام يعود لمجلس الوزراء مجتمعاً

وأيّد وزير العمل سجعان قزي لـ«البناء» «موقف السعودية في محاربة الإرهاب»، لكنه لفت إلى «أن الانضمام إلى الحلف العسكري الإسلامي يعود إلى مجلس الوزراء مجتمعاً ولا يجوز أن نأخذ موقفاً انطلاقاً من اصطفافات داخلية ومحاور خارجية». وشدّد على دور لبنان الفعال في محاربة الإرهاب أكثر بكثير من غيره من الدول، مشيراً إلى «أن الإرهاب هو عدو الجميع».

..وحزب الله مستمر في حربه ضد الإرهاب

وفي إطار حربه ضد الإرهاب تمكّن مقاومو حزب الله من قتل القاضي الشرعي في تنظيم «داعش» بالقلمون أبو عبدالله عامر في عملية نوعية نفّذها مقاتلوه في جرود راس بعلبك، بعدما فجروا عبوة ناسفة أثناء مرور موكبه عند تفقده بعض النقاط العسكرية التابعة لمسلحي التنظيم. كما استهدف الحزب مجموعة مسلحة من تنظيم «داعش» في عبوة ناسفة ثانية تم تفجيرها على طريق معبر مرطبية في جرود رأس بعلبك أثناء محاولتها انتشال أبو عبد الله عامر، وتواجد ضمن المجموعة مسؤول معبر الروميات في الجرود المدعو ضرغام، الذي أصيب بجروح خطيرة وأصيب آخرون بعد أن فتحت المقاومة نيران المدفعية اتجاه المسلحين.

عريجي وسعادة في السفارة السعودية

إلى ذلك، تلقى جلسة انتخاب الرئيس الثالثة والثلاثين اليوم مصير سابقاتها من الجلسات، بعد أن تجمّدت التسوية الرئاسية. بانتظار إطلالة رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية غداً الخميس عبر LBCI للحديث عن طرح الرئيس سعد الحريري الرئاسي والأجواء التي رافقت لقاءاته مع الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون. وكان أوفد فرنجية وزير الثقافة روني عريجي والوزير السابق يوسف سعادة إلى السفارة السعودية في بيروت للقاء السفير علي عواض عسيري.

لا حلّ بين ليلة وضحاها

تواصل لجنة قانون الانتخاب اجتماعاتها، وعقدت أمس اجتماعاً استكملت خلاله البحث في الأمور التقنية، على أن تعاود الاجتماع مجدداً يوم غد الخميس. وأكدت مصادر نيابية لـ«البناء» أن لا نتائج ستصدر بين ليلة وضحاها، وإمكانية الوصول إلى حل من عدمه ستظهر بعد الأعياد»، مشيرة إلى «أن اللجنة مستمرة في اجتماعاتها حتى نهاية شهر كانون الثاني المقبل».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى