سيناريوات الحرب السورية!

سناء أسعد

لا بدّ من إعادة رسم المشهد الدولي، ولا سيما في ما يتعلق بالأزمة السورية، تجاه ما يجري من أحداث ومستجدات تتمثل بشكل أولي في ما يتعلق بترتيب الخطوات التي حدّدت مسارها بمركزية ثابتة بحيث يستحيل تعليق أيّ احتمال يصير معه تراجع القوى المتقدّمة والمنتصرة في الميدان أو تقدّم للتراجع والهزيمة التي وقعت في صفوف المرتزقة والأعداء.

أميركا فشلت في استراتيجتها التي اتبعتها في ما يخصّ الأزمة السورية. فهي عجزت عن القيام بدورها كلاعب أساسي قادر على تحقيق قلبة نوعية في فترة زمنية قصيرة كما كان من المتوقع… حيث بدأت الأوراق الأمركية تتساقط ورقة تلو الأخرى، وعملية سقوط آخر ورقة من يد أميركا كانت لحظة دخول روسيا إلى الأراضي السورية لمحاربة التنظيمات الإرهابية.

هذه اللحظة كانت بمثابة عملية إجهاض لعظمة أميركا، وولادة جديدة لعظمة روسيا، وأهمية هذه الولادة بدأت تتزايد وتنمو وتكبر بعظمتها عندما أثبتت روسيا أنها قادرة على قلب الموازين داخل الأراضي السورية.

هذه حقيقة لا يمكن إثارة التشكيك بمصداقيتها. فكل الوقائع والحقائق تشير إلى ذلك.

ولكن هل هذا يعني أن أميركا استسلمت وانسحبت من المعركة من دون أن تحقق أيّاً من أهدافها؟ وهل ارتضت أن تنال روسيا لقب العظمة من دون أي عراقيل ومنغصات؟ وهل تتخلى أميركا عن حلفائها في المنطقة؟

أميركا سلّمت ولكنها لم تستسلم… سحبت مواقفها السابقة المتبناة في بداية الأزمة مجبرة مرغمة، ولكنها لم تنسحب!

كما أنّ التباين الظاهر والاختلاف الشديد الذي يسود المواقف التركية السعودية الأميركية… هذا لا يعني أبداً أنّ أميركا لا تريد استمرارية الحرب أو استمرارية الفوضى والاقتتال أو أنها تخلت ببساطة عن كلّ ما يخدم مشروعها الصهيو ـ اميركي بتفتيت المنطقة وإثارة النعرات الطائفية.

فالقلق «الإسرائيلي» يكبر ويتزايد بل ويتفاقم أمام انتصار محور المقاومة وقربه كثيراً مما يعتبرونها حدودهم.

كلّ ما في الأمر أنّ أميركا تنازلت بوكالة رسمية للسعودية وتركيا عن دورها ومنحتهم دورهما كلاعبين أساسيين على الحدود السورية.

هلوسة أردوغان وجنونه بما يسمى الشمال السوري من جهة والوجود الكردي من جهة أخرى. أفقداه السيطرة على أعصابه، ولم يعد بوسعه انتظار غطاء أطلسي لضربه الأراضي السورية.

فكره وحقده الطائفي العثماني لم يحتمل أن يبقى خزين استراتيجية التصريحات بالتدخل العسكري، بل تجرأ وقام بضرب مواقع وجود الأكراد في الشمال السوري بعملية اعتداء غاصبة بالاحتمالات المطروحة كافة… فحجة أردوغان باعتبار الأكراد منظمة إرهابية لا تمنحه الحق في توجيه تلك الضربات التي تعتبر انتهاكاً للسيادة وخرقاً للحقوق والقوانين والأعراف الدولية. ولكن هذا أبعد بكثير عن تفكير أردوغان العثماني الاحتلالي، فهو مستعدّ لفعل أيّ شيء حتى لا يخرج خاوي اليدين من هذه الحرب الرعناء التي شارفت على الانتهاء ولم يحقق أردوغان أحلامه في ضم الشمال السوري الى سلطنته العثمانية.

حتى أنّ ذلك الأبله يطالب المجموعات الكردية بالخروج من الرقعة الجغرافية السورية التي يعتبرها من حقه الشرعي، ويحذرهم من الاقتراب من مدينة اعزاز، محاولاً تضييق الخناق عليهم وشلّ حركتهم بما يدعم المسلحين هناك ويرفع معنوياتهم.

هل أميركا فعلاً مستاءة وغاضبة من توجيه تلك الضربات التركية على الأراضي السورية؟

لا أعتقد أنّ أميركا تستاء البتة إزاء أي عملية عسكرية من شأنها تدمير أي رقعة جغرافية من الأراضي السورية، وإثارة البلبلة، والأهمّ من ذلك إثارة الغضب الروسي.

موقف أميركا ودعمها للأكراد ليس لأنها جدية في محاربة داعش، أو أنها تريد أن تثير غضب حليفها أردوغان. بل وجدت في دعمهم لها نقطة التقاء مشتركة مع روسيا لإثبات جديتها في محاربة «داعش»!

أميركا ما كانت يوماً تريد السلام، وما كانت يوماً حليفاً إلا لمصالحها. وإنّ تنحيها عن كرسي العظمة لروسيا لا يعني أنها تستسلم عن انتهاز أيّ فرصة مع «إسرائيل» لاستنزاف طاقات روسيا بأكبر قدر مكن.

سياسة العدو واحدة، والهدف واحد، وهو تفتيت المنطقة وتقسيمها من أجل تحقيق المشروع الصهيو أميركي العثماني الوهابي في المنطقة، لا وجود فيه لمحور المقاومة. ولكنه هذا أصبح ضرباً من ضروب الخيال.

ولكن اللافت للنظر هو سياسة من يسمّون أنفسهم بـ»المعارضة». فقد انتقلوا من التباكي في حضن السعودية الى التباكي في حضن «إسرائيل» دفعة واحدة، ولا أعتقد أنّ هناك وجه اختلاف كبير بين الأخيرتين، بل حتى لا وجود لذلك الاختلاف.

يتوسل أولئك الخونة العدو «الإسرائيلي» الذي يحتلّ أرض القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين والجولان السوري يتباكون في أحضانه أولئك الأوغاد فيما الأطفال في فلسطين يدهسون ويدعسون ويقتلون بالرصاص الإسرائيلي لأنهم يحملون السكاكين والحجارة في وجه ذلك العدو الغاشم.

ينوحون في حضن «إسرائيل» ويتوسلونها لإقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري.

وكأني كنت أسمع ذلك الخائن رياض حجاب وهو يقول بين كلماته مترجياً يعالون إنقاذ داعش «يا يعالون داعش التي لم تضرب ضربة واحدة ضدّكم فلماذا لا تسارعون لإنقاذها من براثين ميليشيات الاسد والطاغية بوتين…؟».

هل أراد ذلك الخائن ان يقنع بتمثيليته يعالون أنه بشير جميّل ثان، وأنه مستعدّ لتوقيع اتفاقية استسلام مع «إسرائيل» إذا ما تمّ تنصيبه رئيساً لسورية بعد التخلص من بشار الأسد.

تلك العبارة التي صارت معشوقة الجبير الأولى والأخيرة، حتى صار الجبير يهلوس برحيل الأسد في المؤتمرات في المنامة في جنيف في ميونيخ في الفضاء على الأرض في الأحلام الجبير يطالب برحيل الأسد.

فعن أيّ حرب ضدّ داعش يتكلم آل سعود وأردوغان وأميركا والمعارضة.

إذا كانت السعودية لم تصرّح إلا برحيل الأسد وتشكيل حكومة انتقالية وإصرارها على دعم المعارضة للاستمرار بالعملية العسكرية لا لشيء إلا لإسقاط الأسد حتى لو أدّى الأمر بها الى التدخل بشكل مباشر كما يهّددون مؤخراً.

وإذا كانت تركيا بدورها همّها الأول والأخير السيطرة على الشمال السوري.. ونفي الأكراد عن وجه الكرة الأرضية.

وهنا نسأل أمام كل ما يحدث عن أيّ وقف إطلاق نار تتكلم أميركا وسط جنون حلفائها؟ وعن أيّ حلول سياسية، وعن أيّ خوف وقلق على مصير الشعب السوري تعيشه المعارضة في حضن إسرائيل.

هذا التخبّط كله في سياسة الأعداء، يؤول للانتصارات التي حققها أبطال الجيش العربي السوري وروسيا وإيران وحزب الله على كافة المحاور والاتجاهات.

ويبقى للنصر طعم آخر سواء في الوضع الحالي، أو في حرب عالمية ثالثة، تحت وطأة أقدام الجيش العربي السوري والسوخوي الروسية وزمجرة إيران، والثأر لروح عماد مغنية من داخل الأراضي السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى