عرسال والمعادلة الأمنية هل يصل «داعش» إلى المتوسط؟

محمد حميّة

ازدحام الساحة المحلية بالملفات الاجتماعية والاقتصادية وصخب السياسة والرئاسة، حجب اهتمام المسؤولين عمّا يجري على الضفة الأخرى من البلاد. إرهاب عابر للحدود يتهدّد اللبنانيين كلّ يوم، حرب طاحنة بين تنظيمَي «داعش» و«النصرة» تدور رحاها في الجرود الشرقية الحدودية مع سورية، لكنها لا تلقى أي صدى داخلي، خصوصاً لدى المعنيين. فكيف لدولة وحكومة أن تنشغل عن إرهاب قابع على حدودها ويخطط لتمرير مشروعه عبر أراضيها ويتهدّد أمنها القومي وسلمها الأهلي؟ هي دولة غائبة عن إرهاب حاضر على الحدود وينتشر داخلياً في عرسال البقاعية التي تأوي عشرات الآلاف من النازحين السوريين وآلاف المسلحين الإرهابيين الذين يتجوّلون سرّاً وعلانية في المدينة.

عينُ المقاومة الساهرة وجهود الجيش اللبناني الذي يُمطر مواقع المسلحين بصواريخه ومدافعه بشكلٍ شبه يومي، لا يعوّضان إهمال الدولة لهذا الخطر الداهم الذي يحتاج إلى خطة وطنية استباقية لدرئه وتجنُّب تداعياته الكارثية، ولا يُخفى على أحد أنّ لبنان يشكل هدفاً لتنظيم «داعش» للعبور من خلاله إلى المتوسط للسيطرة على منفذ بحري يكون أحد العناصر الرئيسية لإنشاء دولته المزعومة، وما اعترافات موقوفي التنظيم لدى السلطات اللبنانية، إلا دليل على ذلك، فضلاً عن تأكيده من المسؤولين الأمنيين.

وفي هذا السياق، يحذّر مصدر أمني سابق في تصريح لـ«البناء» من مخطط لإشعال الوضع الأمني في عرسال لوجود جهات داخلية وإقليمية تريد للمدينة أن تبقى خنجراً في خاصرة المقاومة وفي خاصرة سورية، كما لا تريد للجيش السوري أن يحقق إنجازاً عسكرياً ويُنهي المجموعات المسلحة على حدوده الجنوبية ولا للمقاومة أن تأمن وترتاح من هذا الجيب الأمني المُقلق.

فهل آن الأوان للعب ورقة عرسال المزدوجة الأهداف؟ وهل يكون ذلك باباً لفتنة مذهبية وطريقاً لعبور تنظيم «داعش» إلى منفذ بحري على المتوسط؟

يجيب المصدر الأمني نفسه بأنّ الهجمات التي يشنُّها «داعش» على «النصرة» واحتلال مواقعها في الجرود، يؤشران إلى وجود مُخطّط لدى هذا التنظيم يعمل على تحقيقه، ما يعني أنه سيُكمل طريقه بعد إنهاء «النصرة» إلى قرى البقاع الشمالي للوصول إلى الهرمل، ما يسهِّل عليه العبور إلى عكار عبر جبال أكروم ومنها إلى البحر المتوسط.

ويلفت المصدر إلى أنّ تنفيذ هذا المُخطّط احتمال جدي، مستبعِداً في الوقت عينه، أن يكون التنظيم قادراً على تنفيذه في الظروف الأمنية والعسكرية الحالية التي تصبُّ في مصلحة الجيش السوري وحلفائه، خصوصاً بعد التدخل الروسي، من دون أن يُخفي تخوُّفه من خصوبة الساحة اللبنانية التي تُسهِّل على التنظيم تحقيق مشروعه، لا سيما في عرسال. يضيف: في حال تمّ ذلك، فقد يجرُّ المقاومة إلى اتخاذ قرار يشبه القرار التي اتخذته في 7 أيار عام 2008. فعندما يصل الخطر إلى حدّ ضرب بنية المقاومة وإمكاناتها وإغراقها في الفتنة، فلن تقف حينها عند مسألة التهديد بالفتنة المذهبية، فالمسّ بسلاح الاتصالات دفع المقاومة إلى دخول العاصمة، واحتلال عرسال يعني أنّ لبنان مُهدَّد والمقاومة مُهدَّدة وقد تدخل حينها بأساليب متعدِّدة بالتعاون مع الجيش وأهالي عرسال والقرى المجاورة.

ويلاحظ المصدر وجود تقاطع مصالح بين «داعش» والسعودية، كاشفاً أنّ «عناصر التنظيم يتردّدون إلى السفارة السعودية لأخذ رواتبهم منها». ويتوقع المصدر أن تبقى عرسال بوابة للضغط، إذ لا حكومة تملك القرار لإزالة الخنجر من ظهر المقاومة وسورية، وبالتالي فإنّ استخدامها من السعودية وحلفائها أمنياً وسياسياً سيستمرّ حتى الرمق الأخير.

من جهة أخرى، ترى مصادر مطلعة في 8 آذار في تصريح لـ«البناء» أنّ وجود المقاومة وسلاحها هو ما يثني السعودية وغيرها عن تفجير الوضع الأمني في لبنان، وتعود المصادر بالذاكرة إلى مرحلة ما سُمي بثورة 14 آذار، وتعتبر أنّه «في ذلك الحين كانت تلك القوى تشكل 60 في المئة من الشعب اللبناني وكانت تحظى بدعم المجتمع الدولي والرئيس الأميركي السابق جورج بوش، لكنّها لم تستطع ومعها الدول الداعمة لها تغيير المعادلة الداخلية لا الأمنية ولا السياسية، أما الآن فقد تضاءل تمثيل هذه القوى إلى حدود 40 في المئة وفي حال رهان الخارج على استعمال اللعبة الأمنية ضدّ المقاومة، فسيتضاءل حجمها أكثر ليصل إلى الصفر، لأنّ المقاومة حينها ستذهب إلى المواجهة الحاسمة، لذلك يحرص داعمو هذا الفريق على وجودهم في لبنان من خلال نسبة 40 في المئة المتوفرة».

وتحذّر المصادر من أنّ «استخدام سلاح الفتنة المذهبية في وجه المقاومة، يعني استهداف المقاومة ككيان وليس فقط كسلاح إشارة كما حصل في 5 أيار»، وتربط المصادر بين التعاون بين الأجهزة الأمنية اللبنانية كافة الذي أنتج كشف العديد من الشبكات والخلايا الإرهابية وحفاظ الدول على نسبة الـ 40 في المئة التي تمثلها قوى 14 آذار، وهذا ما يُفسِّر المظلة الأمنية الخارجية التي تغطي لبنان والتي يعمل الجميع تحتها، فضلاً عن الخطر الذي سيتهدَّد الدول الغربية في حال نجاح «داعش» بلوغ المتوسط والوصول إلى السواحل الأوروبية.

أمام هذه المعطيات فإنّ السؤال المطروح: هل اهتمام الولايات المتحدة المفاجئ بدعم الجيش اللبناني بالسلاح وزيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى واشنطن منذ أسبوعين، يعود إلى مخاوف أميركية من سيناريو جديد يُعدُّه «داعش» لعرسال شبيه بهجومه عام 2013؟ أما السؤال الأخطر فهو: هل يصبح هذا السيناريو أقرب إلى التحقيق بعد انتقال عناصر «داعش» إلى عرسال مع انطلاق هجوم الجيش السوري وحلفائه المُحتمل على الشرق السوري وتحديداً على الرقة ودير الزور؟

لا تُخفي المصادر تأثير الأزمة السياسية الداخلية، لا سيما الفراغ الرئاسي على الوضع الأمني، وتربط بين انتخاب رئيس للجمهورية وبين الملف السوري، وترى أنه في ظلّ موازين القوى الحالية، فإنّ سيناريو انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجهورية وشخصية من 14 آذار رئيساً للحكومة أقرب إلى الواقع، أما إذا ذهب الوضع في سورية إلى نصر حاسم للجيش السوري والمقاومة، فإنّ فريق 8 آذار حينها سينال «حصّة الأسد»، أي ينال رئيس الجمهورية ويشارك في اختيار رئيس الحكومة وإن كان من 14 آذار.

وتختم المصادر بالقول: «إنّ حزب الله سيسخِّر انتصاراته الميدانية في سورية في الداخل، لكن تحت عنوان الشراكة الوطنية وبناء الدولة، فالفرق شاسع بين خروجه قوياً من الحرب في المنطقة وسورية وبين أن يخرج مهزوماً».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى