تسويات لبنانية في الأمن والتعيينات تقف عند حاجز السلسلة للتفتيش استبدال الإبراهيمي بكيفن راد أو غسان سلامة أو طلال بن عبد العزيز؟

كتب المحرر السياسي

التسويات اللبنانية التي حملت معالمها التعيينات الأخيرة مرشحة للمزيد من النجاح في سلال مجزّأة ومتدرّجة لأزواج من المدراء العامين، يراعي تعيينهم توازنات الطوائف والمرجعيات السياسية التي تمثلها، وكما في الإدارة، في الأمن، التسويات التي أنجحت خطة طرابلس شكلاً بعدما أفرغتها من محتواها كتعبير عن عزم الدولة على استعادة مهابتها واسترداد ما فقدته منها، لتستبدل مهابتها بوقف رضائي للنار، وانكفاء للمطلوبين عن الصورة، فيما الخطة تبدو على أبواب الانطلاق نحو البقاع الشمالي بحزم أقوى لمواجهة المجموعات المحترفة لعملية الخطف والابتزاز، والسبب كما تصفه مصادر أمنية معنية بالخطة أنّ القوى المعنية برفع الغطاء السياسي عن هذه المجموعات بقاعاً، أقدر من المعنيّين برفع الغطاء شمالاً، سواء لجهة الاستقلال عن هذه المجموعات المستهدَفة بالخطة أو لجهة القدرة على تحمّل نتائج المواجهة معها.


في المقابل، لا تبدو هذه التسويات قادرة على اجتياز حاجز سلسلة الرتب والرواتب المتوقف عند رفض أرباب العمل، وليس عند قدرات الخزينة التي تموّل فوائد سندات الخزينة لحساب المصارف من دون أن يرفّ لها جفن، ويكبر به الدين العام من دون ان يتحدّث أحد عن مخاطر التضخم كما يقول وزير مالية سابق، بينما يحضر الجفن وتحضر المخاطر في حالة السلسلة لأنّ المعنيّين في القطاع الخاص أبلغوا من يهمّه الأمر أنها لن تمرّ، ولذلك يجري إخضاع السلسلة للتنحيف في عيادة اللجان النيابية المشتركة، بينما يجري إخضاع التسوية للتفتيش عند حاجز هيئة التنسيق النقابية، لتكشف الأيام من يملك العصب الأقوى في ربح الجولة النهائية في مجلس النواب، تسوية تميل كفة ميزانها لصالح أرباب العمل أم لحساب الموظفين، ام لتأجيل جديد يبدو وارداً إذا استعصت التسوية ووهنت قدرات النقابات على الضغط.

السياسة اللبنانية المعطلة بقوة التفرّغ للمستعجل من التسويات في الأمن والسياسة والاقتصاد، تمهيداً للتفرّغ للاستحقاق الرئاسي مرشحين وخيارات مع النصف الثاني من هذا الشهر، كانت غائبة عن التطورات التي تتسارع تفاعلاتها إقليمياً ودولياً للمشهد المقرّر في المعادلة الإقليمية، الذي تمثله الحرب الدائرة في سورية وحولها وعليها.

كان الجيش السوري يثبت رداً على مشاريع استنزافه واجتذابه إلى الحدود للتوقف عن ترجمة نصره في يبرود وجبال القلمون بمتابعة الجيوب المسلحة في ريف دمشق، بحركة عسكرية نوعية قال عبرها إنه قادر على الاثنين، فكان ينجز التقدم في جبهه الشمال بالتمركز في البرج الخامس والأربعين والتقدم في محور النبعين تمهيداً لحسم أمر مدينة كسب، بينما يحقق في جبهة ريف دمشق إنجازات متعددة بتسوية أوضاع المسلحين في عدد من المحاور والتقدم العسكري في محاور أخرى، كما كان يتمركز بصورة ثابتة في مواقع جديدة في القلمون ويعلن عن إنجازات في شرقي حلب.

على إيقاع هذه الإنجازات من جهة والفشل الأميركي في توظيف اللعبة الأوكرانية لدفع روسيا لتفاوض الضعفاء من جهة اخرى، بدا أنّ التمهيد للعودة إلى مسار التفاوض الخاص بسورية كما إيجاد مسار تفاوضي خاص بأوكرانيا ضرورات غربية تفاديا للأسوأ.

المسار التفاوضي حول سورية يجب ان يعكس التوازنات الجدية ما بعد القرم ويبرود وإلا فهو محكوم بالفشل أو لن يرى النور ربما، ولذلك بدأ التداول باستبدال الأخضر الإبراهيمي كوسيط دولي في الأزمة السورية بعد تورّطه بمواقف عدائية مع سورية تعقد قدرته على تبديل الانطباع وترميم الجسور، فيما يبدو ايضاً أنّ ربط مصير مهمته بما عرف بهيئة الحكم الانتقالي المرفوضة سورية جملة وتفصيلاً، يجعل طرح حكومة ائتلافية تحت سلطة الرئيس بشار الأسد والدستور السوري المعمول به فوق قدرة الإبراهيمي على المناورة والتراجع ويستدعي المباشرة من الصفر مع مبعوث جديد.

المعلومات الواردة من نيويورك تقول إنّ الأمين العام للأمم المتحدة أراد أن يعلن من دون الإبراهيمي عن التحضير لجنيف الثالث، تمهيداً لإنهاء التشاور حول البديل من جهة، والتريث بالبت بطلب الإبراهيمي الاستقالة سلباً أو إيجاباً من جهة مقابلة.

الأسماء التي صارت على طاولة بان كي مون من مصادر أميركية تحظى برضا وقبول بريطاني وفرنسي، هي كلّ من رئيس الوزراء الكندي السابق كيفن راد الوثيق الصلة بـ»إسرائيل»، في حال كان المطلوب هو التزاوج بين المفاوضات حول سورية وترتيب قواعد اشتباك وريما تفاوض تكون «إسرائيل» طرفاً فيها، أما الاسم الثاني فهو مستشار الأمين العام بان كي مون اللبناني غسان سلامة المعروف بصلته بالفاتيكان فوق علاقاته المميّزة أميركياً وفرنسياً، إذا كان المطلوب منح التسوية السورية عنوان حماية الأقليات، أما الاسم الثالث فهو الأمير السعودي طلال بن عبد العزيز رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة والذي يُفترض أن يتولى في حال اعتماده ترتيب العلاقة السورية ـ السعودية رغم عدم امتلاكه نفوذاً في العائلة المالكة وتصدّع علاقاته السورية.

مستقبل الإبراهيمي على نار حامية، وسيكون هذه المرة للبديل إذا جرى اعتماده هوية تحدّد وجهة التفاوض، التفاوض الرديف المطلوب في العلاقة مع سورية، بينما سيعني بقاء الإبراهيمي أنّ ساعة التسوية لا تزال بعيدة.

الأمن والشأن الاجتماعي

وسط هذه الأجواء، بقيت الانشغالات الداخلية تتوزّع بين الأمن وملفّات التشريع بالتوازي مع المعالجات الحكومية، التي يبدو أنها بحسب مصادر وزارية تتّجه نحو مزيد من التوافقات على إقرار التعيينات الإدارية، بعدما سُوّيَ الخلاف الذي حصل في جلسة يوم الاثنين الماضي. وتقول إنّ الأجواء تؤشّر إلى إنجاز دفعة جديدة من التعيينات في جلسة يوم الثلاثاء المقبل، من بينها رئاسة صندوق المهجّرين ومديرية الجمارك ومجلس الخدمة المدنية وصندوق الإسكان.

وتوضح المصادر أنّ الحكومة ستولي أيضاً القضايا الإنمائية خصوصاً في طرابلس والبقاع أولوية كبيرة، وهي لذلك ستعمل في الفترة القريبة على إعداد تصوّر متكامل لإنماء هذه المناطق على المستويات كافة، انطلاقاً من دورها في رفع الحرمان عن بعض المناطق، كذلك أشارت إلى أنّ موضوع النازحين السوريين سيكون في صلب اهتمامات الحكومة من خلال العمل على إقامة مخيمات، على أن يجري بحث هذا الموضوع في جلسة مجلس الوزراء خلال أسبوعين على أبعد تقدير، علماً أنّ الأمم المتحدة أشارت أمس إلى أنّ عدد النازحين السوريين بلغ مليون نازح، وإنْ كانت مصادر لبنانية تتحدث عن أنّ العدد أكبر من ذلك بكثير.

استكمال خطة طرابلس الأمنية

في هذا الوقت، واصلت وحدات الجيش اللبناني عملية انتشارها في مناطق الاشتباكات في طرابلس، فانتشرت أمس في طلعة العمري والشيخ عمران، بعد أن دخلت آليات الجيش وقوى الأمن إلى عمق التبانة والساحة العامة، وقد تمّت مداهمة عدد من أماكن المطلوبين خصوصاً في أبي سمراء، حيث أُوقف شقيق زوجة عمر بكري فستق وأربعة سوريين، وجرت مداهمة مزرعة لحسام الصباح ومكاتب لبعض قادة المحاور.

وفي البقاع، أطلقت وحدات من الجيش النار على ثلاثة مسلّحين سوريين لعدم امتثالهم لحاجز الجيش في وادي حميد في عرسال، ما أدى إلى مقتل أحدهم وجرح آخرين. وضبطت أربعة صواريخ معدّة للإطلاق في خراج بلدة عرسال موجّهة باتجاه اللبوة. وضبطت سيارة مسروقة في وادي حميد.

خطة البقاع تنتظر ساعة الصفر

وفي هذا السياق، أوضحت مصادر أمنية أنّ الخطة الأمنية لمنطقة البقاع الشمالي ستتمّ خلال أيام قليلة. وقالت إنّ هذه الخطة تقوم على مسألتين، الأولى، تعزيز وجود وحدات الجيش في المنطقة عبر إقامة حواجز ثابتة ومتنقّلة، والثانية: مداهمة أماكن المطلوبين للقضاء. وأضافت أنه كما جرت الخطة الأمنية في طرابلس ستتمّ في البقاع الشمالي، فكلّ مطلوب سيجري توقيفه ولا غطاء سياسياً على أحد. وأبدت المصادر ارتياحها لمسار الخطة في طرابلس. فللمرة الأولى يكون هناك جدية لدى القوى السياسية برفع الغطاء عن المسلّحين والمطلوبين، والأمر ذاته ينسحب على البقاع الشمالي. وأكدت أنّ الإجراءات الأمنية المشدّدة ستشمل أيضاً الحدود الشرقية بين لبنان وسورية.

قرار إقليمي أطفأ حريق طرابلس

في هذا الإطار، قالت مصادر سياسية بارزة إنّ مسار الخطة الأمنية، وما رافقه من رفع الغطاء السياسي عن المسلّحين ومن يرعاهم، لم يكن قراراً داخلياً فقط، بل كان قراراً سياسياً خارجياً، تقاطعت فيه الكثير من العواصم الكبرى بهدف منع دخول لبنان في الفوضى. ولذلك كان القرار بإطفاء هذا الحريق، بإعطاء الجيش كلّ ما يحتاج له من غطاء لإنهاء الوضع الشاذ في طرابلس. وأضافت المصادر إنّ الخطة الأمنية المرجّحة في البقاع الشمالي ليست بعيدة عن هذه التقاطعات، فكلّ القوى السياسية المعنية رفعت الغطاء السياسي عن أي مخلٍّ بالأمن، بل أعطت موافقتها على ملاحقة المطلوبين بالأسماء والتفاصيل.

اللجان أمام امتحان السلسلة اليوم

في الشأن الحياتي، تبقى الأنظار متجهة إلى ساحة النجمة، حيث تعقد اللجان النيابية جلستها الثانية اليوم لمتابعة درس سلسلة الرتب والرواتب، في وقت حذّرت هيئة التنسيق النقابية من المماطلة، ملوّحة بمزيد من التصعيد إذا لم تُدرج السلسلة على جدول أعمال الجلسة العامة الأسبوع المقبل.

ومع أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري أطلق عبارة مشجّعة في ختام جلسة مجلس النواب أمس بقوله «بدي خلّص سلسلة الرتب والرواتب»، إلا أنّ مصدراً نيابياً متابعاً أبلغ «البناء» مساء أمس، أنّ هناك تحفّظات من قِبَل الحكومة، وعدم حماس من بعض الكتل لأسباب تتعلّق بما تبلّغت به عن تضخّم مالي في السلسلة. أضافت إنّ هذا التضخّم يجعل من الصعوبة تحويلها كما هي، ما يعزّز الرأي بالسعي في جلسة اللجان اليوم إلى إعادة النظر في بعض البنود التي تسبّب هذا التضخّم لتحسين ظروف توفير التغطية المالية لها، وبالتالي تمرير السلسلة. وتابع المصدر إنّ هذا الأمر غير مضمون، ومرهون بمسار النقاش داخل اللجان وما سنسمعه من وزير المال.

أوضحت مصادر نيابية أيضاً، أنه إذا لم تنته اللجان من بحث السلسلة اليوم، فإنه يمكن أن تُعقد جلسة أخرى الاثنين المقبل للبتّ فيها، لأنّ المجال يبقى متاحاً لتوزيع جدول الجلسة العامة للنواب قبل 48 ساعة من الجلسة المقرّرة يومي الأربعاء والخميس المقبلين، وإذا لم ينته البحث منها، وتدرج على جدول أعمال الجلسة، فذلك يعني تأخيرها إلى ما بعد نهاية ولاية رئيس الجمهورية.

مصادر هيئة التنسيق

وفي هذا الإطار، أكّدت مصادر هيئة التنسيق النقابية لـ«البناء» أنّ كثيراً من المواقف لبعض القوى السياسية والكتل النيابية، ما تزال تعمل على عرقلة إقرار السلسلة، وأوضحت أنّ هناك ضغوطات كبيرة تمارس من الصناعيين وأطراف عديدة في الحكومة ومجلس النواب لعرقلة إنجاز السلسلة في اللجان النيابية، بما في ذلك بعض الذين يتحدّثون في العلن عن تأييدهم لإقرارها، في حين يعملون داخل اللجان إلى وضع إسفين أمام إقرارها.

وأعادت المصادر التأكيد أنّ التذرّع بتكاليف السلسلة هو مجرّد كذبة كبيرة، فهناك أبواب كثيرة ليس فقط لتمويلها، بل لسدّ العجز في موازنة الدولة أيضاً، ويكفي أن تلجأ الحكومة إلى رفع الضرائب على الودائع ووقف التهرّب الضريبي، والريوع العقارية.

وأكدت المصادر أنّ هيئة التنسيق ستعطي فرصة كحدّ أقصى إلى يوم الاثنين المقبل، وفي حال وجدت أنّ هناك نيّة مبيّتة للمماطلة والتسويف، فلا مناصّ من اللجوء إلى كلّ أنواع التصعيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى