لأذلّاء العرب.. جرعة شرف اسكوتلندي ماليزي!

هاني الحلبي

ماليزيا ترفض «كونغرس الفيفا» من 209 دول، لأنها لن تقبل أن يرتفع علم إسرائيل على أرضها ويهين الشعب!

جماهير نادي سلتيك الاسكوتلندي تصفع الفريق «الإسرائيلي» «هبوعيل بئر السبع»، أثناء دخوله «سلتيك بارك» بعاصفة أعلام فلسطينية، والأهم أن «فلسطين حرة»!

مشهدان يثبتان أن لا حق إلا منتصرٌ إذا عرف المقاومون كيف يقاومون!

هكذا نمطان يفرضان نفسيهما على المساحة الإعلامية، وكل منهما له أسبابه وظروفه معطياته ونتائجه..

محور التطبيع الذي دشّنته القيادة المصرية ولن تبرأ لها ذمة قط، رغم ما ألمّ بها من حراك واضطراب شعبي أسفر عن إسقاط الرئيس الأسبق حسني مبارك، وصولاً إلى انتخاب الفريق عبد الفتاح السيسي رئيساً مروراً بالرئيس الإخواني محمد مرسي الموقوف قيد المحاكمة. وفي كلّ هذه التغييرات هناك ثابتة واحدة، هي إخلاصها المطلق للعلاقة مع الكيان اليهودي الصهيوني في فلسطين المحتلة، حتى تراه حليفاً استراتيجياً لا يتبدّل ولا يتغيّر في أيّ خطط لأيّ حكم مصري ممكن!

بل هناك ما هو أدهى، لم تتوقف الإجراءات التعقبية القضائية المصرية على تعقب رافضي التطبيع مع العدو الإسرائيلي، بل امتدت إلى ملاحقة أي سياسي أو ناشط حقوقي أو باحث استراتيجي قد «يرتكب» «إثم» حضور مؤتمر للمقاومة في لبنان! الفضيحة نفسها التي فجّرتها السلطات الأمنية المصرية خلال اليومين الفائتين باستدعاء المرشحين الرئاسيين السابقين الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين صباحي إلى التحقيق لأنهما زارا لبنان وشاركا في مؤتمر دعم للمقاومة! «يا عيب»!

طرف ثانٍ من محور التطبيع هذا، الذي يمتدّ علناً إلى دول خليجية تتراكض لاستضافة فرق رياضة وبعثات بحث وحوار وأمن، تحت هذه الذريعة او تلك، طرق الإعلام بقوة بزيارة وفد سعودي برئاسة اللواء السابق أنور عشقي ولقائه علناً مسؤولين «إسرائيليين»، بحضور المسؤول الفلسطيني جبريل الرجوب لقاءات منها.

كذلك لا يخرج الواقع في قطر أو الإمارات العربية في هذا المسار عن هذه الحال. فدأبت قناة «الجزيرة» منذ تأسيسها على فتح هوائها وشاشتها للموقف «الإسرائيلي» بل لعتاة الرأي المعادي وسمومهم القاتلة، تحت ذريعة الرأي الآخر المقموع في بلاد الخليج العربي، والممنوع من الوجود إنْ لم يكن في خدمة «السيستم» السياسي الرسمي وارتباطاته الدولية والإقليمية.

بل أعلى مراتب تلك الحرية السياسية الخليجية يصل إلى ضبط بعض اللبنانيين متلبسين برغيف خبزهم وكدح عرقهم وفقرهم، لتتهمهم، والتهمة كهذه شرف، بأنهم من أهل المقاومة، بسبب كون مساقط رؤوسهم في منطقة لبنانية معينة يغلب عليه لون مذهبي ما.

إذا كانت مصر تتردّى في قيود ما سُمّي معاهدة تمّ تزيينها بأوهام العصرنة والتقدّم الاقتصادي وارتفاع مستوى الدخل الفردي وصولاً إلى زيادة الإنتاج الوطني، فإذا بالاقتصاد المصري يصبح أسيراً ومربوطاً بعجلة الاقتصاد المعادي، بنقل صناعات ذات كلفة عالية بسبب كثافة يدها البشرية لتشغل يد عاملة مصرية بينما يتفرّغ جزء كبير من الاقتصاد المعادي إلى الـ»هاي تك». ما يثبت التقسيم الطبقي الاقتصادي ويقتل أيّ أمل مصري بأيّ تقدّم من حالة نمو غير نامٍ مستفحلة، بل يثبت التراجع ما يكرّس الحالة الاجتماعية على مستوى متفجّر بسبب عجز الحكومة والقيادة عن تلبية الحاجات المتنامية واستلابها بالهبات او القروض الخليجية او الدولية لزيادة مديونيتها.

وفي طيف محور التطبيع حالات غير مؤثرة، لكنها دالة كحالة السلطة الفلسطينية، وسوء إدارتها لأية مفاوضات استُجرّت إليها وأدّت إلى المزيد من التفريط بالحقوق القومية والوطنية، والمزيد من الانقسام الفلسطيني الداخلي.

لكن… في المقاومة، شعوباً ودولاً، من لا يمتّون بصلة رحم أو تراب أرضي لفلسطين ولبنان ولسورية وجوارهما، بل لم يعرفوا العروبة ولا اللغة العربية، إن كانت العروبة والعربية ميزة لانتماء. بل عندما يفرض النبل موقفاً يتخذون وقفة عز يندى لها جبين من يعرفون الفرق الجوهري بين الشرف وبين العار وبين الذلّ وبين العز. أما من لا يعرفون هذا الفارق الجوهري والنوعي، فسيّان عندهم بين أن ينحنوا لطاغية أو يسجدوا لله، ربما لأنهم لا يرون في العزة الإلهية سوى طغيان. فاتخذوا الطواغيب حالات عبادة!

فالطفل الحلبي الذي قال مرة، بعد قصف ساحات حلب بقذائف الغاز، بأنه سيشكوننا لله، وسيخبره ما فعلنا وبما فعلوا. نحن قصّرنا بحمايته ولم نوفر له أمناً وهم لم يقيموا حرمة لطفولة بريئة!

الفتى/الفتاة الفلسطيني/ة الذي يحمل سكينه في وسطه لينتهز فرصة ويطعن بها جندياً مدجّجاً بأحدث أسلحة العالم للفتك بشعب أعزل إلا من العز والكرامة. هو شعب فلسطين!

الجندي في الجيش السوري الذي عاهد حبيبته مع بدء الحرب أنه لن يعود، قبل أن تتحرّر سورية فيمكنه حينها أن يرتاح في بيت حبه، وما زال ينتظر!

المقاتل من حزب الله الذي غادر آخر قرية جنوبية وزرع موسم تبغه، وفلح أرضه وأوكل لأسرته جني المحصول إنْ تأخر، حمل سلاحه وغادر إلى حلب، ليستشهد ويحصّل أغنى غلة ينتظرها مقاوم في العصور كلها!

ومثلهم آلاف مؤلفة من قوافل العز، لا تقبل أن تصافح إسرائيلياً ولا أن تقبل بوفد صهيوني ولا بفريق رياضي أو بباحث او تناقش مفكراً صهيونياً، بل أن تشتري علكة من مروِّج مأجور لمصنّع ومنتج «إسرائيلي»!

هكذا نحن، «أكمل الناس أهل الشام والعراق» كما قال ابن خلدون! وسنبقى…

لكن أن تصفع ماليزيا، شعباً ودولة، تيار الأذلاء في العالم، فتتنازل عن استضافة 209 دول في «كونغرس الفيفا»، لأنه ترفض استقبال دولة واحدة من بين هذه الدول، وتضحّي في سبيل أنّ الشعب الماليزي يرفض أن يرتفع علم «إسرائيلي» معادٍ على أرض ماليزيا.

الله! كم يحتاج قادة السعودية ودول الخليج ومطبِّعوها وقادة السلطة الفلسطينية والأردن ومصر ومطبِّعوها كافة، لجرعة شرف ماليزي شرقي أو جرعة شرف اسكوتلندي غربي!

باحث وناشر موقع حرمون haramoon.org/ar وموقع السوقalssouk.net

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى